العامل الأمريكي في انفجار القوقاز

09-08-2008

العامل الأمريكي في انفجار القوقاز

الجمل: تقول المعلومات الواردة بأن روسيا تقوم حالياً بتنفيذ عمل عسكري في منطقة القوقاز وتحديداً بقيام القوات الروسية بالتدفق بأعداد كبيرة إلى داخل الأراضي الجورجية وأشارت المعلومات إلى أن الوحدات المدرعة والمظلية الروسية المسنودة بنيران الطيران الروسي فرضت سيطرتها على منطقة أوسيتيا الشمالية.
* خارطة الصراع القوقازي:
تشير توصيفات خارطة الصراع القوقازي إلى وجود منطقة جغرافية تقع في الجانب الجنوبي – الغربي من الاتحاد السوفيتي السابق وحالياً تنقسم هذه المنطقة إلى الآتي:
• القوقاز الجنوبي: ويتضمن البلدان الواقعة بين بحر قزوين والبحر الأسود وهي: أذربيجان، أرمينيا، وجورجيا.
• القوقاز الشمالي: وتطلق عليه تسمية "عبر القوقاز"، وتقع ضمن جمهورية روسيا وتتضمن كل من: الشيشان، أنفوشيا، أوسيتيا الشمالية، داغستان، أدايجيا، كراخاي شيركيسيا، كاباردينو بلغاريا.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تفككت خارطة منطقة القوقاز إلى القوقاز الجنوبي التي تحولت إلى دول مستقلة، والقوقاز الشمالي الذي ظل موجوداً ضمن ما يعرف بالاتحاد الروسي الفيدرالي الذي تقوده وتمثله جمهورية روسيا.
* ترسيم الصراع القوقازي:
تمثل منطقة القوقاز الشمالي والجنوبي بوابة روسيا الأساسية للتعامل مع العالم ويعتبر انغلاق هذه البوابة بمثابة التحدي الاستراتيجي الأخطر الذي يمكن أن يؤدي إلى خنق روسيا اقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً.
النوايا الأمريكية كانت واضحة منذ لحظة انهيار الاتحاد السوفيتي عندما بادرت إلى احتواء جمهورية جورجيا التي تحتل الموقع الأكثر خطورة في المنطقة لأن من يسيطر على جورجيا يستطيع وبكل سهولة إغلاق ممر البوابة القوقازية أمام الروس، وإشعال الصراعات في القوقاز الشمالي والجنوبي بسب تداخل جورجيا مع كل بلدان المنطقة.
تقع منطقة القوقاز بشقيها الشمالي والجنوبي وسط المربع الذي تتكون أطرافه من روسيا، إيران، تركيا، ودول الاتحاد الأوروبي، وتؤكد التحليلات والدراسات بأن منطقة القوقاز بشقيها الشمالي والجنوبي لا تمثل بوابة روسيا الرئيسية المطلة على العالم وإنما الممر الرئيسي الأكبر لإمدادات النفط والغاز القادمة من حقول آسيا الوسطى وبحر قزوين وجنوب روسيا، وبالتالي فإن السيطرة على منطقة القوقاز تعني السيطرة على الجزء الأكبر من إمدادات النفط والغاز العالمي.
* صرا ع خط موسكو – واشنطن:
استطاعت واشنطن الإمساك بقلب منطقة القوقاز عندما بادرت بفرض نفوذها على جورجيا، التي استطاع إدوارد شيفرنادزه رئيس جورجيا عند استقلالها والذي كان وزير خارجية الاتحاد السوفيتي أيام غورباتشوف، أن يستفيد من روابطه وعلاقاته السابقة بالمسؤولين الأمريكيين في ربط مستقبل جورجيا مع مستقبل المشروع الأمريكي في المنطقة، وتقول المعلومات بأن واشنطن عندما تمكنت من وضع قدمها في جورجيا عملت على الإطاحة بشيفرنادزه واستبداله برئيس آخر أكثر انفتاحاً واستعداداً للتعامل مع مشروع واشنطن في المنطقة.
استطاعت واشنطن ترويض جورجيا والحصول على تسهيلات ومزايا أتاحت لها نشر القوات الأمريكية في جورجيا إضافةً إلى بعض الحقوق المتعلقة باستخدام المطارات والمنشآت العسكرية الجورجية وتقول المعلومات بأن واشنطن سعت منذ البداية إلى أن تجعل من جورجيا بمثابة قاعدة سياسية وعسكرية واستخبارية يتم الانطلاق منها من أجل السيطرة على بقية المنطقة وتهديد القلب الحيوي للدولة الروسية.
* واشنطن وإدارة الصراع القوقازي:
استطاعت الإدارة الأمريكية الحالية الاستمرار بوتائر أكبر في تنفيذ ما بدأته إدارة كلينتون السابقة وذلك لجهة:
• إشعال فتيل حركات الاحتجاج المدنية التي عرفت باسم الثورات الملونة التي هدفت إلى تعزيز قوة الحركات السياسية الموالية للغرب.
• إشعال فتيل حركات الاحتجاج المسلحة مما أدى إلى اندلاع العديد من الحروب الانفصالية التي هدفت إلى إضعاف دول المنطقة المعادية لواشنطن.
أبرز الصراعات المسلحة التي دارت في المنطقة تمثل في:
• صراعات القوقاز الجنوبي: ومن أبرزها
-الصراع الأرميني – الأذربيجاني حول إقليم ناغور كرباخ الذي تقطنه أغلبية أرمينية مسيحية أرثوذكسية داخل أذربيجان وإقليم ناختشيفان الذي تقطنه أغلبية مسلمة سنية والموجود داخل أرمينيا.
- صراع أذربيجان الداخلي بين النخبة الموالية للغرب والحركات الأصولية الإسلامية المعارضة للوجود الأمريكي.
- صراع جورجيا – أبخازيا الشركسية ضمن ما عرف بالحرب الجورجية – الشركسية التي حاول الشركس فيها إنجاز الانفصال عن جورجيا المسيحية وإقامة دولة شركسية إسلامية سنية في أبخازيا.
- صراع جورجيا – أوسيتيا الجنوبية: ضمن ما عرف بالحرب الجورجية – الأوسيتية الجنوبية التي حاول فيها سكان أوسيتيا المسلمون السنة الانفصال عن جورجيا.
• صراعات القوقاز الشمالي:
تدور هذه الصراعات ضمن أراضي الاتحاد الروسي الفيدرالي ويتمثل أبرزها في الآتي:
- حرب الشيشان – روسيا.
- حرب داغستان – روسيا.
- حرب أنفوشيا – روسيا.
- حرب كباردينو – بلغاريا الشركسية – روسيا.
- حرب شركيسيا – روسيا.
وجميع هذه المناطق تقطنها أغلبيات إسلامية سنية تسعى للانفصال عن روسيا وتكوين جمهوريات مستقلة.
* الصراع الروسي – الجورجي: تأثير العامل الأمريكي – الإسرائيلي:
ركزت واشنطن على مخطط دعم جورجيا ضد الحركات الانفصالية في منطقتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الشركسية الواقعتان ضمن أراضي جورجيا وفي الوقت نفسه ركزت على دعم الحركات الانفصالية الموجودة في الأراضي الروسية. أما تأثير العامل الإسرائيلي فقد كان واضحاً من خلال:
• تقديم الدعم العسكري واللوجيستي لجورجيا التي بدورها تقوم بتقديم الدعم عبر حدودها الشمالية للحركات الانفصالية الناشطة ضد روسيا.
• استخدام جورجيا كنقطة عبور وتجمع لعناصر وجماعات اللوبي الإسرائيلي الناشطة في مناطق القوقاز الشمالي والجنوبي وعلى وجه الخصوص عن طريق تنفيذ إسرائيل لمخطط التخلص من اليهود الشرقيين الذين هاجروا إلى إسرائيل من الاتحاد السوفيتي وروسيا وذلك عن طريق تزويدهم بالأموال والقدرات وإعادة تصديرهم إلى مناطق القوقاز.
على خلفية التدخل الأمريكي في جنوب روسيا وتحول جورجيا إلى قاعدة انطلاق للتدخل الأمريكي – الإسرائيلي لجأت موسكو بالمقابل إلى دعم الحركات الانفصالية الجورجية وعلى وجه الخصوص في منطقة أوسيتيا الجنوبية ومنطقة أبخازيا الشركسية.
عملت الإدارة الأمريكية على ربط جورجيا ضمن شبكة علاقات المصالح الأمريكية في المنطقة وذلك عن طريق تمرير خط أنابيب باكو - تبليسي – جيهان، عبر الأراضي الجورجية إضافةً إلى الدعم الأمريكي لحلف غوام الذي يضم أذربيجان وجورجيا، ومحاولة تطوير الحلف لجهة:
• الربط بينه وبين حلف الناتو ضمن اتفاقية شراكة عسكرية – أمنية تعطي الناتو حق التدخل العسكري في منطقة القوقاز.
• الربط بينه وبين إسرائيل ضمن اتفاقية شراكة عسكرية – أمنية تعطي إسرائيل حق التدخل العسكري في منطقة القوقاز.
تقول أبرز التحليلات والتوقعات إلى أن صراع جورجيا – روسيا الذي اشتعل بالأمس كان متوقعاً لجهة محاولات القوات الجورجية المدعومة أمريكياً تنفيذ المزيد من عمليات التطهير العرقي ضد سكان منطقة أوسيتيا الجنوبية كخطوة أولى تأتي بعدها عملية تطهير عرقي جورجية ضد سكان منطقة أبخازيا الشركسية.
وترى بعض التحليلات بأن دخول القوات الروسية للأراضي الجورجية يأتي ضمن سباق الردع العسكري الروسي مرتفع الشدة ضد عملية نشر الدرع الصاروخي الأمريكي التي بدأت أولى خطواتها بالاتفاقية التي وقعتها جمهورية تشيكيا وأعطت واشنطن حق نشر بطاريات الدرع الصاروخي التي تعتبرها روسيا بمثابة خطر مباشر على أمنها الحيوي.
 الصراع المسلح الجورجي – الروسي سيترتب عليه إشعال الصراعات الجورجية الداخلية المسلحة في منطقة أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا إضافةً إلى أن بعض التوقعات تقول باحتمالات أن تتزايد التوترات بين أذربيجان وأرمينيا بما يهدد مرة أخرى بعودة  الحرب الأرمينية – الأذربيجانية  وإحياء أجندتها المتمثلة في مطالبة أرمينيا بالسيادة على إقليم ناغور كرباخ ومطالبة أرذبيجان بالسيادة على إقليم تاختشيفان. شنت الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم وأمس حملة شعواء ضد روسيا بسبب دخول القوات الروسية إلى جورجيا، وطالب حلف الناتو روسيا بسحب قواتها من جورجيا إضافةً لذلك تسعى واشنطن إلى ممارسة الضغوط ضد روسيا لكي تسحب قواتها من جورجيا وتقول التسريبات بأن واشنطن لم تكن تتوقع أن تقوم روسيا بتنفيذ عمل عسكري ضد جورجيا وحالياً يمكن أن تحمي جورجيا من الخطر الروسي ويقول الخبراء بأن واشنطن ستواجه مشكلة حقيقية إذا حاولت اللجوء لاستخدام مجلس الأمن الدولي وإضافةً لذلك تقول بعض التحليلات والتسريبات بأن موسكو ستحاول استخدام جورجيا كورقة لمساومة واشنطن حول العديد من الملفات الإقليمية التي في مقدمتها ملف التحركات الأمريكية المعادية لروسيا في منطقة القوقاز وملف نشر شبكة الدفاع الصاروخي وملف أزمة البرنامج النووي الإيراني إضافةً لذلك يرى معظم الخبراء بأن تراجع النفوذ الأمريكي في القوقاز سيشكل خسارة استراتيجية كبرى للولايات المتحدة لأنه لن يكون لأمريكا من بديل سوى الارتماء في أحضان أنقرة التي يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي بأي حال من الأحوال وإن كان متمسكاً باتفاقيات الشراكة الاستراتيجية مع أمريكا، فإنه لن يكون سهل الانقياد لواشنطن التي ما تزال تحاول ترويض أنقرة بحيث تتيح لها العمل وحرية الحركة المطلقة في المنطقة كما كان في الماضي أيام الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي.

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...