الصناعة الدوائية في سوريا: ما لها وما عليها

27-12-2006

الصناعة الدوائية في سوريا: ما لها وما عليها

ـ ينظر المواطن والمهتم إلى الصناعات الدوائية المحلية من جانب وأنتم المعنيون بهذه الصناعات تنظرون إليها من جانب آخر... كيف تنظرون إلى الصناعات الدوائية في سورية الواقع والصعوبات؟!

ہ إذا عدنا تاريخياً إلى الوراء قليلاً، فإن الصناعات الدوائية في سورية بدأت تقريباً في أواخر الستينات، فالدولة بدأت بتأسيس معملي الديماس وتاميكو وفق أحدث الطرق العلمية الموجودة آنذاك، وكان هناك امتيازات من شركات معينة ثم ألغيت في فترة لاحقة، مع الإشارة إلى أنه كان لدينا معامل صغيرة أو ورشات لصناعة الدواء لا تعتبر معامل وكان عددها بحدود ستة معامل موجودة في منتصف الخمسينيات، وهذه المعامل مع معملي القطاع العام كانت تؤمن 6% من تغطية احتياجات القطر، وبعد عام 1985 إثر الحصار الاقتصادي الذي فرض على البلد كان الإمداد الدوائي صعباً جداً، الأمر الذي دفع القيادة السياسية وبتوجيه القائد الخالد حافظ الأسد للاهتمام بالصناعات الدوائية، حيث بدأ الاهتمام فعلاً في العام 1987 لتبدأ بذلك المرحلة الثانية في تاريخ الصناعات الدوائية ودخول القطاع الخاص بقوة في هذه الصناعة وهي المرحلة الحقيقية في التصنيع الدوائي. ‏

ومع بدايتها كان هناك نوع من الثورة لأن السوق كان مغطى فقط بنحو 18% ككل عبر الاستيراد والتصنيع المحلي، فدخل الدواء السوري بشكل جيد وبدأت الدولة تعطي تراخيص لشركات الأدوية ما ساهم في مضاعفة عدد المعامل بشكل كبير حيث كان عددها في العام 1991 نحو 28 معملاً ثم ارتفع لنحو 40 معملاً وحالياً 54 معملاً قيد الإنتاج. 

حالياً يمكننا القول ان الصناعة الدوائية هي قوة اقتصادية موجودة في البلد وقطاع مهم بالإضافة إلى القطاع الصحي، لأنه كأي سلعة يعتمد تصريفها على المنتج والمستهلك، والمستهلك هنا هو المريض والطبيب والصيدلي وبالتالي فتصريفها يعتمد على قناعة الزبون بالسلعة نفسها، إنما بنفس الوقت السلعة الدوائية تختلف عن أية سلعة أخرى لأنه أولاً يفترض أن يكون فيها حد أدنى من المواصفات والمقاييس يجب ألا تنزل عنها وخلال عملية تكون هذه السلعة كان هناك صعوبات فنية واقتصادية وصعوبة إعلامية.. ‏

ـ ماذا تقصد بالصعوبات الإعلامية؟! ‏

ہ لا أقصد الإعلام المفتوح (الإذاعة ـ التلفزيون ـ الصحافة المطبوعة...) إنما الإعلام العام، الشعبي، فهناك مصلحة لكثير من الشركات الأجنبية ووكلاء هذه الشركات أن يكون هناك دعاية مضادة للدواء السوري وخاصة الشركات التي كان لها تواجد كبير في السوق وللأسف أقول أكبر حرب كنا نواجهها في السوق المحلية والأسواق العربية هي من الشركات العربية وليس من الشركات الأجنبية، فعندما فتح سوق العراق كانت أكثر الشركات التي تحارب الشركات السورية هي الشركات الأردنية والمصرية... ‏

ـ هذه يمكن أن نسميها منافسة شديدة... فهل كانت موجودة في السوق السورية ثم انتقلت إلى الأسواق العربية مع تصدير الدواء السوري؟ ‏ ہ في سورية كان هناك وجود محدود للشركات الأردنية والمصرية لوجود قانون لحماية المنتج السوري ومن مقرراته أي منتج ينتج في سورية يوقف استيراده بعد 6 أشهر من استيراده، وهذه المنافسة من الشركات العربية والأجنبية للدواء السوري الذي كان مدعوماً من خلال الوسط الإعلامي للقطاع الطبي والصيدلاني ومحلياً الدعاية تقدم على أن الدواء السوري غير فعال، ونحن لا نقول إن الدواء السوري أصبح مثل الدواء السويسري أو الأميركي أو الألماني، لكن قطعاً أصبح لدينا من الخبرات الفنية ما يجعلنا نتفوق على الكثير من الدول العربية.. ‏

ـ لتدعيم هذا الرأي... هل هناك شركات عالمية قدمت تقييماً للدواء السوري مثلاً أو ان شركات دولية معروفة بتشددها وأعطت شركات سورية امتيازات للتصنيع؟! ‏

ہ طبعاً، لكن دعني أوضح نقطة مهمة تتعلق بالشركات الأردنية فهي شركات جيدة وتصدر ومنذ البداية كان السوق الأردني سوقاً مفتوحاً و70% من إنتاجها يصدر للخارج و30% يستهلك داخلياً ولذلك امتيازات في الأردن لا يوجد وحالياً الشركات الأردنية تبحث للحصول على امتيازات، أما الدواء السوري فعندما بدأ في العام 1989 ـ 1990 أخذت الشركات الأجنبية بعدما اطلعت على نوعية المعامل ومواصفاتها تعطي امتيازات للشركات المحلية وأصبح بإمكانها أن تكون مشاركة في ترتيب وتنظيم العمل لأن المعامل إذا أرادت أن تبني حسب التصنيع الجيد للدواء يجب أن يكون لها ترتيب معين من أجل الدخول والخروج من المواد الأولية والمستودعات والتكييف... الخ. وهذا لم يكن موجوداً في الشركات العربية وأول ما وجد وجد في الشركات والمعامل السورية التي طبقت النظام المنفصل في الإنتاج المنفصل، وقد وصل عدد الشركات التي منحت امتيازات للمعامل السورية 58 شركة، والامتياز يعني أولاً الموافقة على إنتاج الأصناف محلياً وثانياً المادة الأولية المستخدمة في الإنتاج المحلي هي ذات المادة الأولية أو مادة توافق عليها الشركة صاحبة الامتياز، ثالثاً الرقابة المشتركة على الإنتاج، ورابعاً الموافقة على وسائط الإنتاج، وأنا بصراحة عندما منحت إحدى الشركات العالمية المعروفة امتيازاً لشركة سورية لتصنيع دواء معين سألت مندوب الشركة سؤالاً مباشراً: إذا حصل انقطاع إمداد بهذا الدواء في الشركة الأم لسبب من الأسباب... هل أنتم على استعداد للاستعانة بالدواء السوري المصنع بامتياز الشركة؟! فرد بالإيجاب مبرراً ذلك أنهم واثقون من المنتج... ‏

ـ لكن هل كل الامتيازات بمستوى واحد؟ ‏

ہ نعم ليست كل الامتيازات بمستوى واحد، هناك شركات مشاركة في التصنيع والرقابة وهناك شركات قد تعطي امتيازاً ثم تهمله، إنما بالمحصلة لدينا 58 شركة أجنبية أعطت امتيازات تصنيع للشركات السورية. ‏

من المثالب لهذه الخطوة ان الشركات الأجنبية بالمجمل لم تعط الأصناف الجديدة جداً للإنتاج المحلي، فهي تعطي أصنافاً عمرها الزمني أكثر من 5 ـ 10 سنوات، والسبب ان هذه الشركات تخطط للأمام فإذا ما دخلت سورية في منظمة التجارة العالمية فسيكون باستطاعتها آنذاك إدخال هذه الأصناف بالأسعار التي ترغبها، لأن سياسة التسعير في سورية ورغم أنها تمنح امتيازات لأصناف الامتياز إلا أنها لا ترضي الشركات الأجنبية والشركات المنتجة، وبالتالي اصنافنا التي تنتج بامتياز تشكل حوالي 9% من إجمالي الإنتاج الدوائي السوري. ‏

ـ ما مستوى ودرجة الرقابة على الدواء السوري... هل هي متشددة كما يقال أم أنها يجب أن تكون رقابة ذاتية؟ ‏

ہ الدواء يراقب ويبدأ بالمادة الأولية ثم ينتقل إلى التشكيل الدوائي ومن ثم إلى المريض، وبهذه المراحل تتم الرقابة بالعمل في وزارة الصحة ودعني أضع جانباً دور وزارة الصحة المهم جداًوالموجود فقط في سورية، وأقول إن المعمل بحد ذاته يراقب المنتج منذ ورود المادة الأولية وخلال عمليات التصنيع التي تتكون من مراحل معينة والمنتج النهائي يخضع أيضاً للمراقبة، طبعاً هناك هوامش معينة يسمح بها... مثلاً حبة 500ملم باراسيتامول مسموح حسب الدساتير العالمية للأدوية + ـ 5%، وحسب القرارات الناظمة والصادرة عن وزارة الصحة يجب أن تكون المادة 100% +5 عندما يصنع الدواء لأول مرة ولا يسمح بناقص 5% لسبب بسيط هو حساب نهاية فترة الصلاحية ليكون هناك هوامش احتياطية. ‏

والنقطة الثانية ان عملية التشكيل الدوائي تعتمد على تشكيلة من المسوغات (المواد المضافة لوضع المواد الأولية مع بعضها ليكون باستطاعة المريض تناولها مثل الكبسولات أو مضغوطات. وهذه المسوغات بحد ذاتها لا تأثير دوائياً لها، ولكن طريقة التشكيل قد تؤثر في الفعالية، وهذا الأمر يراقب في المعامل إنما يمكن أن يراقب بطريقة ثانية هي في مخابر التوافر الحيوي أو التكافل الحيوي، ونحن في سورية لسنا مطالبين بإجراء دراسات توافر حيوي على اعتبار أنها ستكون للأدوية الجديدة أي من مخابر الاختراع إلى المعمل لمعرفة توزعه في الجسم ومعرفة الاستقلابات.. الخ. بينما التكافل الحيوي وحتى يعرف القراء ما المقصود بها فهو يهدف لمعرفة حجم ما استثمر من هذا الدواء في الجسم؟! وهل هو مكافئ لنظيره في الدواء الأم؟ ‏

ـ هل هذه الدراسات وأقصد دراسات التكافل الحيوي موجودة في سورية؟ ‏

ہ لا توجد لدينا مثل هذه الدراسات، الخبرات والإمكانيات متوفرة.. إذاً لماذا لا توجد مثل هذه الدراسات؟ ‏

هذا السؤال يقودنا إلى طرح سؤال آخر يتعلق بالواقع الاقتصادي وهل يجب أن نعيش في ردة فعل دوماً؟! أم استباق الأحداث والفعل فيها؟! نحن نعرف أن صناعة الدواء بدأت بمرحلة جديدة مع بداية التسعينيات ومنذ البداية نعرف أننا بحاجة إلى مخابر تكافل حيوي لأن صناعة الدواء لا تكتمل إلا بهذه المخابر، وفي الأردن ومصر لم يكن هناك مخابر تكافل حيوي واليوم هناك 6 وحدات للتكافل الحيوي في الأردن و5 ـ 6 وحدات في مصر واضافة إلى دول أخرى... فقط سورية لا توجد فيها هذه المخابر!! ‏

كان هناك محاولة بسيطة في مخابر وزارة الصحة في العام 1996 بحيث ان كل دراسات التكافل الحيوي تجري في وزارة الصحة ومخابرها لاعتبارات عديدة، ومع تأييدنا لهذا الرأي إلا أن مخابر وزارة الصحة غير قادرة على إجراء دراسات تكافل حيوي لكل الأدوية الموجودة، نتيجة لتراكم عدد الأصناف الموجودة ولسنوات طويلة وهو ما يتطلب حسب تقديراتي نحو عشر سنوات لحصر الموجود حالياً وخلال هذه الفترة أيضاً يكون قد تم إنتاج أصناف أخرى جديدة، وبالتالي لا يمكن لمخبر واحد أن ينجزها. ‏

وأنا باعتقادي ان الجامعة هي مستودع كبير للخبرات التي بحاجة إلى صقل عبر توجيهها بالاتجاه الصناعي وليس الاتجاه النظري، وبمحاولة تأسيس مخابر التكافل الحيوي يمكننا الاستعانة بخبرات الجامعة وبخبرات المختصين في المعامل الدوائية، وأعود للتأكيد انه دون تأسيس مخابر للتكافل الحيوي لا نكون قد أغلقنا الحلقة المفقودة في الصناعة الدوائية وتثبيت صادراتها وتوسيع دائرتها. ‏

ـ في السنوات الأخيرة... لم تجر أية محاولة في هذا السياق؟ ‏

ہ منذ ثلاث سنوات ونحن ندرس مشروع مرسوم لإجراء دراسات التكافل الحيوي في سورية وحتى الآن لم يجد طريقه للصدور بشكل قانوني أو يرفع للجهات المعنية... فإلى متى يجب أن ننتظر؟! مع الإشارة إلى أن إجراء دراسات تكافل حيوي خارج سورية لأي صنف دوائي منتج في سورية تكلف ما بين 20 ـ 70 ألف دولار!! ‏

ـ هل المشكلة في الإمكانيات المادية ومصدر التمويل مثلاً؟! ‏

ہ الإمكانيات المادية متوفرة، التجهيزات متوفرة، والخبرات الفنية متوفرة.. الموضوع فقط موضوع إجرائي، ويتعلق بإصدار تشريع من الجهات الوصائية لاعتماد مخابر معينة لإجراء دراسات التكافل الحيوي على أسس ناظمة وواضحة. ‏

وسابقاً طرحت في إحدى الندوات فكرة تأسيس مؤسسة مشتركة بين جميع المعامل لإنشاء هكذا مركز وممكن أن يتحول إلى مركز إقليمي للدراسات واعتماده عالمياً وفق الأصول المرعية. ‏

ـ حالياً ما التقديرات المالية لحجم السوق الدوائي في سورية؟ ‏

ہ عندما نقدر السوق الدوائي فإننا نأخذ بالحسبان معيارين... التقدير المحلي حسب الأسعار المحلية للدواء هو بحدود 400 مليون دولارمنها 350 مليون دولار إنتاج محلي، والمستوردات هي ما بين 40 ـ 50 مليون دولار، وهذه المستوردات منها ما يدخل في الدواء ومنها لا يدخل كحليب الأطفال مثلاً واللقاحات، وإذا أردنا تقييمها حسب السوق العالمي فإننا يجب أن نعتمد سنة الأساس، وبالتالي فإننا في العام 1984 كنا نستورد 94% من احتياجاتنا الدوائية وكان عدد سكان سورية آنذاك قرابة 9.5 ملايين نسمة، وآخر سنة استوردنا فيها هذه النسبة كانت القيمة تصل لنحو 174 مليون دولار، وإذا أخذنا نسبة التضخم والزيادة السكانية والاستهلاك وغيرها تصل تقديرات السوق الدوائي حالياً لهذا المعيار نحو 800 ـ 900 مليون دولار وهو باعتقادي رقم طبيعي، وفي حال تم تحرير سوق الدواء في الوقت الحاضر فإن السوق الدوائي سترتفع قيمته إلى 800 ـ 900 مليون دولار لأن المستوردات ستكون بالأسعار العالمية الحالية وليس بالأسعار السابقة، كما أن الأسعار سترتفع محلياً مع دخول منتجات مشابهة بأسعار مرتفعة. ‏

ـ طالما نتحدث عن تأثيرات تحرير السوق الدوائي وكما تعرف فإن 50% من الدواء السوري سعر منتجاته أقل من 50 ليرة... في ظل التحرير إذا ما تم... ماذا سيحصل بهذه الميزة؟! ومن ناحية أخرى هل هذه ميزة أو نقطة ضعف؟! ‏

ہ قضية السعر المتضمن للدواء السوري ميزة وسلبية في ذات الوقت، ميزة باعتبار السعر متوافق مع دخل المواطن السوري المحدود... إنما هذه الميزة وصلت إلى مرحلة أصبحت فيها عبئاً على الدواء السوري لأسباب عديدة أبرزها أن الدواء السوري هو السلعة الوحيدة التي لم يتغير سعرها خلال 15 ـ 16 سنة الأخيرة رغم تغير رواتب العمال وزيادة أسعار المواد الأولية والنفقات الأخرى، ومن هنا فزيادة التكلفة سوف تأكل من رأس المال أو من الجودة، أو أن بعض المعامل تتبع سياسة تسويق أصناف على حساب أصناف أخرى كي لا تخرج من السوق، ومن ناحية أخرى فكما أذكر في بداية التسعينيات كان هناك 4 صيدليات في منطقة دمشق مخالفة تبيع أدوية غير نظامية (مهربة) وهي معروفة وتمت ملاحقتها من قبل النقابة، أما حالياً 90% من الصيدليات تقوم بذلك وتبيع أدوية غير نظامية وهذه الأدوية موجودة في السوق بشكل عملي وسبب تواجدها هو الإعلام العام والدعاية الشعبية، وهذه تسيء للدواء السوري دون أية مبررات. ‏

النقطة الأخرى تتعلق بنسبة ربح الصيدلي، فإذا كان سعر الدواء السوري أقل من 50 ليرة فإن ربح الصيدلي حسب الشرائح لا يتجاوز 5 ـ 10 ليرات بينما ربح الدواء الأجنبي غير محدود بشرائح، وهو ما يجعل الصيدلي يبحث عن الربح، ومعروف أن آلية شرائح الربح للصيدلي في سورية أنه كلما ارتفع سعر الدواء يقل ربح الصيدلي.. ‏

وللسعر المنخفض تأثيره أيضاً على الصادرات، فالدواء السوري المصدّر والذي سعره مثلاً دولار يقابله منتج أجنبي مشابه تماماً بسعر عشر دولارات وبالتالي المستورد والموزع والوكيل الذي يأخذ نسبة على سعر الدواء سيفضل تسويق وتوزيع الدواء الأغلى، وقد حاولنا إيجاد صيغة لتسعير الدواء المصدر فظهرت عوائق قانونية منها أن الشركات المستوردة تطلب نشرة أسعار في بلد المنشأ مع شهادات التصدير، وهذا ما يمنع وضع سعرين للدواء، كما حاولنا مراراً أن يتم تعديل أسعار الدواء المسعرة سابقاً بنسبة معينة بشكل تتناسب مع دخل المواطن وبحيث لا تؤثر على السلعة العلاجية التي هي الأساس في تحديد سعر الأدوية، وهذه السلعة تعني ما يحتاجه المواطن طيلة العام من أدوية مختلفة، والمهم ألا يختلف سعر السلة العلاجية ككل، وهذا ما يتيح لنا مثلاً رفع سعر الأدوية المنخفضة السعر بنسبة 10% ونحافظ على سعر الأدوية المرتفعة، فليس هناك أي مبرر يجعل سعر دواء يستمر لمدة 15 عاماً، وإذا كانت الدولة تريد ذلك فلتدعم الدواء. ‏

ـ المشكلة في آلية التسعير مثلاً وطريقته؟ ‏

ہ آلية التسعير الموجودة في وزارة الصحة بحد ذاتها لا تساعد على التطوير، فالسلم المتبع في التسعير يمنح 70% من السعر للمادة الأولية ثم تتوالى النسب المخصصة للهدر والتغليف و20% لربح المعمل وربح الصيدلي أيضاً وتغيب جوانب عديدة لا تؤخذ بعين الاعتبار تتعلق بالجودة والبحث والتطوير.. نحن نعني ان يظل سعر الدواء منخفضا تماشيا مع دخل المواطن انما هذا يجب ان يتم من خلال سعر السلة العلاجية ككل، فكيف لي ان أفهم ان تزيد تسعيرة المشافي والاطباء بقرار فوري منذ عامين تقريبا والدواء يجب ان يظل ثابتا طيلة 15 عاما؟! ‏* الوجع الآخر الذي أريد ان أتحدث عنه يتعلق بموضوع البونس.. كما هو معلوم فإن ربح المعمل هو 20% بمعنى أنه يسمح للمعمل ان يعطي بونس لغاية 20% كي يروج بضاعته واكثر من ذلك كيف يحدث.. هل يأكل من رأسماله؟! ‏

وعندما يحدث هذا الامر فهناك احتمال من احتمالين.. اما ان تسعيرته غير صحيحية، او ان المادة الاولية تأتي من مصادر اخرى غير المادة الاولية المذكورة في تسعيرة الدواء! ‏

ويجب ان نعلم ايضا ان البونس ظاهرة عالمية ونسبتها تتراوح بين 5 ـ 20% وفي كل السلع والمنتجات، لكن عندما تتجاوز الحد الاعلى يصبح الامر غير طبيعي، وقد طرحنا سابقا مع السيد وزير الصحة هذا الامر واقترحت متابعة هذه المعامل ومعاقبتها في حال تم تأكيد ذلك إلا أنه لم يوافق فاقترحنا ان نقدم له كمجلس علمي اقتراحات بمعاقبة المعامل التي تمنح اكثر من 20% بونس ومن جانب آخر لا يمكن ان نعتبر البونس الذي يمنح للأطباء دعاية وهو مسموح والبونس الذي يمنح للصيدلي هو بونس ممنوع، لذلك يجب النظر الى الحالات التي يمكن ان يمنح بموجبها البونس كالتعريف بالأدوية الجديدة او لتصريف الادوية التي قاربت فترة الصلاحية على الانتهاء. ‏

ـ عندما يقال ان نصف الدواء السوري سعره اقل من 50 ليرة وعندما يمنح البونس اكثر من 20% هناك من يطرح اشكالية تتعلق بمصدر المادة الفعالة ومدى نقاوتها؟! فهل المادة الفعالة مرتبطة بالدولة التي تستورد منها؟! وهل المواد الفعالة تأتي من مصادر غير دقيقة؟! ‏

ہ المادة الفعالة وفعاليتها مرتبطة بمواصفاتها ومدى تطابقها مع الدساتير الدوائية الدولية وهي دليل عمل قطاع الدواء فهناك دستور امريكي، فرنسي، بريطاني، اوروبي، عالمي.. وجميعها تقريبا تتوافق مع بعضها وهي تحدد مواصفات المواد الاولية بالحد الادنى ولا يحدد الحد الاعلى. ‏

نعم.. هناك جزء من موادنا الاولية يأتي من الصين والهند وحتى في اوروبا وامريكا يتم الاستيراد من الهند، لا يهم البلد والهند بلد متطور جدا في الصناعات الدوائية وتصدر لأوروبا، لكن المهم معرفة من أين يتم استيراد المادة الفعالة هذه النقطة الاولى، أما النقطة الثانية فإنها تكون ضمن المواصفات المطلوبة، ومن ناحية اخرى ففي مرحلة من المراحل كان هناك توجيه من وزارة الصحة وكان ضد التطوير وتضمن ان يكون السعر موحدا بين جميع الادوية، وهذا خطأ كبير لأنه يفرض على صاحب المعمل ان يستورد المادة الفعالة من مكان محدد ليتلاءم مع السعر المحدد، ما قلل من المنافسة والتميز بين الاصناف الدوائية والسعر الموحد بكل صراحة لم يكن لمصلحة الشركات الجيدة. ‏

بالمحصلة مصدر الدواء ليس بالضرورة يعني فعاليته، وما يعني فعاليته هو المواصفات الا ان مصدره يعكس السعر، وجزء كبير جدا من المواد الاولية في الهند والصين يتم تصديرها الى اوروبا واعادة تختيمها بخاتم اوروبي لتصدر إلينا بأضعاف السعر الحقيقي لها. ‏

ـ لو انتقلنا الى وضع المعامل الدوائية السورية.. من حيث التصنيف والاستثمارات والتواجد في السوق.. ماذا نجد؟ ‏

ہ بالنسبة للحجم الاقتصادي هناك 10 ـ 12 شركة تعتبر من الشركات الكبيرة على مستوى الشرق الاوسط وهناك شركات تتجاوز اليد العاملة فيها عن 400 عامل اما الشركات المتوسطة فهي بحدود 25 شركة اضافة الى الشركات الصغيرة، وأؤكد هنا ان الحجم لا يعني التميز بالجودة، ومن ناحية المبيعات هناك أربع شركات تتجاوز مبيعاتها السنوية نحو أربعة مليارات ليرة سورية في السوق المحلية والمساهمة بالتصدير فإن احصائيات وزارة الصحة تقول: اننا نصدر الى 51 دولة وحجم التصدير من بلد لآخر يختلف، فهناك دول الدواء السوري فيها رقم واحد مثل العراق، السودان، اليمن وباقي الدول العربية مغطاة عدا السعودية وباقي دول الخليج ومؤخرا بدأ التصدير للامارات ودول افريقيا ووسطها واوروبا الشرقية وعمليا رقم التصدير تجاوز 120 مليون دولار وهو لا يعلن لظروف خاصة. ‏

ہ في العام 1993 أصدر وزير الصحة قرارا بتشكيل المجلس العالمي للصناعات الدوائية وكانت تركيبة المجلس على اساس ان يكون لكل معمل ممثل والامين العام يكون مستقلاً وهمزة وصل بين المعامل والمؤسسات الاخرى¾ وهو يتكون من مكتب تنفيذي يضم 11 شخصا مع الامين العام يديرون امور المجلس، والتنسيق في المرحلة السابقة كان افضل من الوقت الحالي بشكل كبير جدا بين وزارة الصحة والمجلس العلمي، وهذا التنسيق كان يتم عن طريق التعاون والتباحث وليس عن طريق فرض القرارات وكان المجلس ممثلا في كل لجان وزارة الصحة وكان هناك مساهمات مثمرة وعلاقات جيدة مع كل المنظمات العالمية الصحية، لكن خلال العامين الماضيين تراجع التنسيق بشكل كبير جدا نظرا لاعتبار المجلس حاليا غير قانوني كونه غير صادر بمرسوم رغم ان المجلس يتعامل مع كل الجهات الوصائية والعامة والخاصة طيلة السنوات السابقة دون اعتراض، ولذلك كان اقتراحنا بتشكيل فرع سورية للاتحاد العربي لمنتجي الدواء وصدر قرار من الاتحاد بذلك وحاليا بصدد إعداد مشروع المرسوم لتشكيل الاتحاد الدوائي السوري ويتحول المجلس الى لجنة علمية في الاتحاد.‏

زياد غصن

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...