الشعب السوري الاسير ما بين قمع السلطة وسواطير الثورة

27-12-2011

الشعب السوري الاسير ما بين قمع السلطة وسواطير الثورة

لا يخفي سامي عـ ..انتمائه الى جيل اشتغل على حلم الثورة من قبل ان تبدأ ، شغفه بالانترنت لفت اليه نظر اقرانه في كلية الاعلام في جامعة دمشق التي تخرج منها، وما لبث احد الاساتذة المرموقين ان اتصل به عارضا عليه تقديمه الى جمعيات اجنبية لها ممثلين في سورية يمكنهم ان يقدموا له يد المساعدة للبدء في مشروع صحافي  ثقافي عبر الانترنت.
فرح سامي بالطبع بهذه الفرصة التي قدمها له الاستاذ الشاب، وبالفعل قدم الاستاذ تلميذه الى جمعية خيرية في سورية تقيم لعدد من الطلاب المختارين دورات على العمل الصحافي عبر الانترنت .
استمرت الدورة التدريبية اسبوعا وشارك في تدريب طلابها اساتذة اجانب دخلوا البلاد بطريقة قانونية جدا ، ولا يزال سامي يتذكر عددا من الاسماء التي شاركت في تدريبه .
بعد فترة اتصل احد المدربين بسامي عبر الايميل واخبره انه ونظرا لمعرفة سامي الوثيقة بالشبكة العنكبوتية ولانه (اي سامي ) شاب متميز في الصحافة ويتقن اللغة الانكليزية فقد توسط له عند مؤسسة اميركية وحصل له على منحة سيسافر بموجبها الى الولايات المتحدة الاميركية للمشاركة في دورة تدريب – تبادل-  على الصحافة الديمقراطية في معهد اميركي مرموق. 
طلب المدرب من الشاب السوري ان يتقدم من السفارة الاميركية في دمشق للحصول على الفيزا واضاف :
اعتبر الامر موضوع عمل واخبر كل من تعرفه بانك ستسافر الى اميركا للبحث عن عمل .
قضى سامي في واشنطن شهرين كاملين تابع خلالهما تدريبات على ما يسمى نشر الديمقراطية عبر الصحافة  وتتضمن تلك التدريبات :
الترويج للافكار ، رفض العنف ، التحشيد ، كيف تبني رأيا عاما حول افكارك ؟، دراسة التجارب الثورية السلمية في اوكرانيا وجورجيا ، بناء علاقات شخصية مع الاف المدونين من خلال الشبكة العنكبوتية ، كيفية نشر وتعميم الافكار من خلال المدونة، كيفية تجنيد آخرين لافكار الديمقراطية من خلال التدوين الخ
عاد سامي الى سورية بعد ان ابلغه مدربوه ان جهات صحافية مهتمة بالعمل معه على القطعة ، كما ان  جمعيات  انسانية عديدة مهتمة بالتعاون معه لنشر الديمقراطية في بلده .
سأل عن شروط التعاون فقالوا له " بلا شرط او قيد "
وافق سامي وبدأت تلك الجمعيات تقدم له الكثير من الخدمات ، منها البرامج الخاصة ببناء المواقع والمنتديات، برامج فك الحجب ، برامج الحماية وتخطي المراقبة ، رواتب شهرية تحت عنوان مساعدات للمدونة التي أنشأها الخ .
كان ذلك في العام 2010 وحين اندلعت الثورة السورية كان سامي من اوائل من شاركوا في التحريض والدعوة الى الانخراط فيها ، وكيف لا وهو الشاب الذي حلم بالحرية والديمقراطية وسعى اليها بكل جدية واخلاص .
منذ عشرة اشهر وحتى اليوم كان سامي يصر على انه لن يتوقف عن المشاركة في الثورة حتى تنتصر او يموت ....
 ما الذي تغير اليوم عند سامي حتى اعلن بالفم الملآن كفره بالثورة وبثوارها
 قال :
اليوم ذبحت الثورة صديقي احمد صادق الشيخ ياسين في حماة، وهدم رجالها منازل في باباعمرو للايحاء للمراقبين العرب بأن الجيش هو من هدم تلك المنازل ...
ويتابع سامي عرض احزانه فيقول :
لست ابلها وكنت اعرف بان للأميركيين اجندة خاصة بهم والا لما ساعدوني تقنيا وماليا ولكني كنت مصرا على التمسك بالدعاء المعروف " اللهم اضرب الظالمين بالظالمين " ولكن ما حصل اليوم دعاني للاستيقاظ ....:
لقد بدأنا بثورة سلميتها هي فخرنا وهي جوهر تحركنا، ولكن ما وصلنا اليه لم يعد له علاقة بالثورات ...اصبح الثوار مجموعة من العصابات التي تفوقت على النظام في الجرائم التي ترتكبها .
النظام قمعي وديكتاتوري ولا يشفع له كون الثوار انزلقوا الى اجرام اشد، والى قمعية اقوى، والى ديكتاتورية اكثر بشاعة من ديكتاتورية النظام .
النظام يجب ان يسقط ويجب ان تحظى سورية بدولة  مدنية ديمقراطية يكون صندوق الانتخابات هو الحكم بين مجموعاتها وفئاتها الاثنية والطائفية والدينية ....لكن هذه الثورة لن توصلنا الى تلك الاهداف، هذه الثورة حولتنا الى جزارين وسفاحين والى قطاع طرق .
ويضيف سامي بمرارة :
النظام البشع كان يقمع حرية التعبير ويسجن من يتجرأ على ابداء رأيه السياسي ولكن ثورتنا المجيدة لا تسجن من يخالفها بل تقتلهم بأبشع الطرق والاساليب!!
كيف انقلبت يا سامي ولماذا ؟
يجيب :
انا كما تعرف من سكان بابا عمرو وقد تفاجأت اليوم بأمرين جعلا نفسي تفيض بالخيبة وشعرت باني شريك في اطلاق وحش، بينما كنا نريد استيلاد شجرة مثمرة تفرح بها كل سورية. لقد وجدت نفسي اليوم شريكا في استيلاد مخلوق مشوه ، مخلوق دموي لا اخلاق لديه ولا قيم. يقتل ويذبح ويخطف ويبادل المخطوفين بالمال ثم يسلمهم لذويهم بعد ان يدفعوا الفدية جثثا .  مخلوق قتل اليوم صديقي في حماة و نسف بيوتا في حيّنا فقط لتحقيق الشروط الموضوعية لكذبة، لا يعني انها لم تحصل، تبرأة للنظام .
ما الذي حصل ؟
 نعيد السؤال على سامي فيقول :
فلنبدأ من حماة ...صديقي احمد صادق الشيخ ياسين ، شاب في مثل عمري ، وقد شارك كما معظم شباب حماة في فعاليات الثورة وخاصة في تظاهرات العاصي، ونظرا الى الحال المادية السيئة التي وصل اليها والده بسبب الاحداث، فقد تمنع الاخير عن المشاركة في الاضراب (اضراب الكرامة ) المستمر منذ اسبوعين الآن في حماة كما في حمص وباقي المناطق السورية الثائرة ، الليلة علمت من خلال اصدقاء مشتركين مع احمد الشيخ ياسين بان الاخير قُتل ذبحا في صيدلية والده!!
ويكمل سامي حديثه بعد نوبة بكاء قاطعت حديثنا فيقول :
خلال عمله الليلة الماضية في صيدلية  " مهى " المملوكة لوالده  - في حي أبي الفداء بمدينة حماة – دخل الى الصيدلية ملثمون وطلبوا من احمد اغلاقها ، راعه اسلوب التهديد الذي استعمله من يفترض انهم رفاقه في الثورة فرفض طلبهم واعلمهم بمن يكون وجادلهم بان الاخلاق يجب ان تسبق الهدف الثوري.   وقد تجادل احمد مع المسلحين فوجهوا اليه تهديدا صريحا، فتحداهم وقال بانه سيفتح في اليوم التالي ولن يشارك في الاضراب، لا حبا في كسر الاضراب،  ولكن لان قناعته هي ان الصيدليات لا يجب ان تشارك في الاضراب.
بالفعل افتتح احمد صيدلية والده اليوم ومارس عمله فيها بشكل طبيعي، وبعد الظهر دخل زبائن الى الصيدلية فوجدوا احمد مذبوحا من الوريد الى الوريد ، والغريب ان بعض جيران احمد ممن يسكنون في مبنى الصيدلية سمعوا صراخه ولكنهم لم يجرؤا على التصدي للقتلة لانهم من رجال الثورة المعروفين بقسوتهم، وهم كسبوا خلال الفترة الماضية سمعة لا شك فيها تصف قسوتهم وسرعة ممارستهم للعقاب ضد من يخالفهم ، فقد احرقوا محلات وخربوا مباني لتجار لم يشاركوا في الاضراب، وها هم اليوم قد ذبحوا احمد الشيخ ياسين باسم الثورة
يكمل احمد مسح دموعه قبل ان يستكمل رواية خيبته من الثورة متحولا للحديث هذه المرة عن مدينته حمص :
 انا من اوائل من شاركوا في تنظيم التظاهرات ولست عضوا في كتائب الفاروق التي تسيطر اليوم على حمص، فهل من عاقل ممكن له ان يخبرني كيف سأنجو انا من هذه الكتائب ان لم ينجوا منها احمد الشيخ ياسين ؟
هم اصوليون وانا مسلم اعبد ربي واحافظ على واجباتي الدينية والحمد لله ولكني لست منتميا الى تيارات دينية ، وانا اقدس حرية التعبير وهم كما يبدو من فترة سيطرتهم على احياء حمص – لا يكرهون النظام بمقدار ما يكرهون من يعارضهم او يتحدى سلطتهم ، فهل النصر على سلطة ديكتاتورية ستعني  بداية عصر سلطة ديكتاتورية تحاكم الناس وتذبحهم في اللحظة عينها باسم الله وباسم الدين؟
اذا كان النظام البعثي قد حكمنا لاربعين عاما باسم القومية فلكم قرن سيحكمنا المتطرفون باسم الله ؟
وهل من هم مثلي من المتدينين خارج الحساب الاسلامي ؟
وهل  من هم اعضاء في احزاب اسلامية هم فقط  احباب الله وانصاره ؟
اليس كل مسلم اخو المسلم ؟ فلماذا ذبحوا احمد ؟ وما المانع من ان يذبحوني غدا؟؟
وحول ما جرى في حمص اليوم (السادس والعشرين من كانون الاول – ديسمبر ) يقول سامي :
هذه المرة   نسفوا بعض بيوت ضاحية بابا عمرو عشية قدوم مراقبي جامعة الدول العربية .
ومن يدري فقد يحتاجون في الغد الى جثث مجانية وربما قتلوني ذبحا لتأمين الديكور اللازم لزيارة المراقبين!
 
و يتابع سامي وصفه للاحداث التي اخرجته عن طوره فيقول :
 بلغت حصيلة القتلى الذين وصلت جثثهم إلى برادات المشفى الوطني 11 قتيلاً  اليوم، وهم نتيجة لعمليات الخطف المتبادلة في نهار واحد، اثنان منهم تعرضا لتعذيب وتنكيل شديدين قبل وفاتهما.
واجزم لك بان اهالي القتيلين دفعوا فدية مقابل اطلاق سراحهما ولكنهما بعد ان دفعا المال للوسطاء رميت جثث ابنائهم على المزابل !
ويتابع سامي : النظام مجرم ومن الطبيعي ان يرتكب الجرائم ولكن هل يمكن التسليم بان الثورة اصبحت تتبادل الخطف والقتل الطائفي مع شركاء الوطن ؟
هل اصبحنا  اكثر دموية من النظام ؟؟
ما ذنب من قتلوا اليوم بعد خطفهم ؟؟
هؤلاء لم يقتلهم من يفترض به انه قاتل ، هؤلاء قتلهم من كنا نظن ان انقاذ سورية سيكون على ايديهم
ويضيف سامي بحسرة :
كنا نرى بان نجاح الثورة يتطلب ان تمتد ويمتد نفوذها الى احياء النزهة وعكرمة وغيرها ولكن بدلا عن التظاهرات السلمية ها هم اليوم
 مئات المسلحين التابعين للمجموعات المتطرفة يقومون  بالانتشار في أحياء الإنشاءات والميدان و قرب المركز الثقافي و النازحين و البياضة ودير بعلبة .
 فكيف سنكمل فعاليات ثورة سلمية تجذب اليها كل فئات الشعب السوري إن كان بعضنا يعتبر البعض الآخر عدوا لا يستحق سوى القتل !
 
كلام سامي قد لا يعجب الكثيرين في حمص ، فهذا الشاب الحالم بثورة سلمية لن يتآلف ابدا مع ما يجري يوميا في مدينة خالد بن الوليد.
 اليوم وبعد انتشار المسلحين في الاحياء الخارجة عن سلطة الدولة
منع هؤلاء المواطنين من عبور حاجز أقاموه أمام المركز الثقافي العربي إلا بعد تدقيق  هوياتهم ، وقاموا بخطف السيدة حاكمة أيوب نائبة مدير فندق سفير حمص بعد إعدام سائقها الخاص رامز خضور برصاصة في الرأس على مرأى من المواطنين .
المعلومات التي اوردها سامي حول  بابا عمرو اكدتها مصادر مواطنين اتصلت بهم " عربي برس " فافادوا بأن الحي   تحول إلى ضاحية أشباح بعد مغادرة الغالبية الساحقة من سكانه ، وتابعت المصادر قائلة :
 أن " مسلحي كتيبة الفاروق بإشراف من مقاتلين من خارج المنطقة  لديهم خبرة عالية في مجال الهندسة العسكرية قاموا  بتفخيخ بعض البيوت الخالية ونسفوها لاتهام الجيش بذلك عشية قدوم مراقبي الجامعة العربية" .
و أضاف المصدر أن " مسلحي كتائب الفاروق (وهابيين في غالبيتهم)  قاموا بمهاجمة حواجز للجيش على مداخل بابا عمرو وقتلوا عسكريين وضابطاً وقاموا باحتجاز جثثهم ومنعوا سيارات الإسعاف من إخلائها " .
حين تسأل السكان هنا في حمص عن سبب كثافة عمليات الخطف الطائفي يقولون لك:
بدأ الامر من قبل المسلحين لمبادلة المخطوفين بآخرين تعتقلهم السلطة، ولما لم تستجب السلطة لهكذا عمليات وجد الخاطفون فائدة اخرى من عملياتهم ...اصبحوا يبادلون المخطوفين بالمال واصبح الامر عملية بيزنس لها شروطها واسعارها ووسطائها .
 يتوافق الطرفان سلطة ومعارضة مسلحة على دور شيوخ يخطبون في الناس ايام الجمعة في حب الثورة ويبادلون ضباط الامن تمنيات السلامة والاستقرار في باقي ايام الاسبوع.
المال ونتائج عمل عزرائيل لهما القناة ذاتها ....إنها قناة  مشايخ حمص وكبارهم حصرا واسمائهم اصحبت اشهر من نجوم الفن.
فعبرهم يدخل الغاز والمازوت وشاحنات التموين والاغذية الى الاحياء التي سيطر عليها المسلحين ، وعبرهم يخرج المخطوفون احياء او جثثا وعبرهم  تسلم الاموال  وربما من خلال عدلهم يجري تقاسمها .

ياسر خضر

المصدر: عربي برس

التعليقات

انا مستغرب من الاخ سامى الذى صحا متاخرا وادرك ان هولاء السلميون ماهم الا عصابات مجرمة بايدى اعداء الوطن وكل فترة يتحدث عن النظام بانه مجرم لماذا لم يذكر كام مثال عن اجرام النظام كما يدعى ام انه على راى المثل مشان مايفنى العنب ولا يموت الناطور حسبنا الله ونعم الوكيل فى ما يجري لبلدنا الحبيب سوريا

أقول للأخ سامي صح النوم منذ تسعة أشهر اطلاق الرصاص في حمص لم يتوقف واذا سلمنا جدلا بأن السلطة هي من استخدمت الرصاص (على حد زعم الثورجيين) أولا وأنها حتى أرسلت مسلحين و (شبيحة) كما يسميها الثوار واستدرجت جماعة الثورة لحمل السلاح فكيف ومن أين أتى الثوار بهذه الكمية من السلاح وهذه الأنواع مثل الار بي جي والهاون وبعضه أميركي و اسرائيل اذا لم يكونو مستعدين لهذا الاحتمال من الأصل وبذهنهم استخدام السلاح في أحد مراحل الثورة ومافعلته السلطة هو عبارة عن تسريع عملية اظهار السلاح وعذرا أخي سامي الثورة منذ البداية طبعتها الطائفية وكل المظاهرات التي سمعناها كان فيها من الشعارات ذات الصبغة الطائفية. لي صديق من درعا ومنذ بداية الأحداث قلت له بأنك عبارة عن وقود لهذه (الثورة) ولم يقتنع حتى الأن وأنكم مثلكم مثل الذي يضرب رأسه بالصخر ماهي النهاية سيتفتت هذا الراس من الضرب فاتقو الله في سوريا الحبيبة وعودو ولو متأخرين الى رشدكم كحال السيد سامي ولنبني بلدنا سويا".ملاحظة: أتحفظ من لغتك بخصوص النظام و كأنه نظام وحشي وهذا غير صحيح , فأن تقول نظام بيروقراطي قمعي أحيانا فيه متنفذين و يخرقون القانون فهذا ممكن أن يناقشك الواحد فيه ولكن لاتنسى و يجب أن لاتنسى مواقف هذا النظام الخارجية الداعمة لكل اشكال المقاومة والتحدي لأميريكا و اسرائيل هذا من ناحية و من ناحية أخرى ماهو السر في كل هذه الثورات العربية و من بينها سورية أن لاتطرح و لافي أي مظاهرة شعارات ضد اسرائيل و أميريكا رغم أنه (هذا ماأعلمه) عدونا الأول اسرائيل فماهو السر؟

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...