رهانات سياسية واقتصادية على الجولة اللاتينية للأسد

24-06-2010

رهانات سياسية واقتصادية على الجولة اللاتينية للأسد

يتفق السوريون ومسؤولون في أميركا اللاتينية على أن علاقات الجانبين سبقت ترتيبات الحكومات وخططها. وتمكنت الهجرة السورية واللبنانية إلى دول أميركا الجنوبية من إنشاء جسور اجتماعية وتجارية على مدى عقود، ولكن لتبقى ضمن إطار الاجتهاد الثنائي والطموحات الشخصية.
ونقلت «فرانس برس» عن متحدثة باسم السفارة السورية في كوبا قولها إن الأسد سيصل الأحد إلى هافانا ويغادرها الثلاثاء إلى فنزويلا»، ثم سينتقل إلى البرازيل والأرجنتين. وشدد الأسد، خلال لقائه وفد جمعية الصداقة العربية الألمانية برئاسة اوتو فيزهوي في دمشق، على أن «المستجدات الخطيرة التي تشهدها المنطقة تتطلب موقفاً أوروبياً أكثر التزاماً وفاعلية تجاه قضايا الشرق الأوسط».
وفي الوقت الذي تتراوح تقديرات تواجد السوريين على الأقل بالملايين في أميركا الجنوبية، لا تتجاوز التجارة المتبادلة بين سوريا وتلك البلدان النصف مليار دولار، لذا هناك آمال معقودة في أن تشجع الجولة التي يقوم بها الرئيس السوري بشار الأسد، للمرة الأولى، إلى أميركا الجنوبية القطاعات التجارية والصناعية على الاهتمام أكثر بأسواق تلك المنطقة.
وهي تجارة يقول البعض أنها تستطيع أن ترتكز على تحسن الروابط السياسية بين سوريا وتلك البلدان، ولاسيما بعد بزوغ حركة اليسار مجددا في القارة، وبروز دول كالبرازيل على الساحة الإقليمية في الشرق الأوسط. لكن الجدل المرافق هو أن هذه البلدان تمتلك أساسا العمود الفقري لهذا البنيان، والمتمثل بالوجود الديموغرافي السوري فيها من جهة، وازدهار اقتصادياتها من جهة أخرى.
وهو ما يتطرق إليه السفير الفنزويلي لدى دمشق عماد صعب حين يقترح الارتكاز إلى قوة العلاقات السياسية، إضافة للوجود الديموغرافي «السوري» في فنزويلا لتمتين أواصر العلاقة الثنائية. وقد سبقت كراكاس جيرانها في افتتاح خط طيران «سياسي» مباشر بينها وبين دمشق، مرورا بطهران، عبر رحلة أسبوعية تلقى قبولا، وكان الهدف منها بشكل أساسي «قول كلمة في وجه الحصار على البلدين». والآن تستخدم الطائرة أيضا لشحن البضائع، وبينها زيت الزيتون لفنزويلا. ونظرية الفنزويليين بسيطة، تقوم على دراسة حاجات كل طرف للاستغناء عن البدائل وبعضها «امبريالي» في الاستيراد.
يقول صعب أن سوريا تصنع الشوكولا، فلماذا لا تستورد الكاكاو الفنزويلي الممتاز بدلا من استيراده من دول أخرى في أميركا الجنوبية، وأيضا الموز؟ كما يشير لاستيراد بلاده زيت الزيتون من أوروبا، وهو ما قالت حكومة الرئيس هوغو تشافير إنها ستستبدله بالزيت السوري عبر افتتاح مصنع لتكرير هذا الزيت في دمشق وتصديره لكراكاس. ويمكن القول إن المشروع الوحيد الكبير بين البلدين هو مشروع لمصفاة النفط اتفقت الأطراف الثلاثة، إيران وسوريا وفنزويلا، على إنشائه، وما زال يعاني مشاكل بيروقراطية، إضافة لاتفاق البلدين على استيراد دمشق للأرز الفنزويلي بمقدار 10 آلاف طن سنويا.
الناحية الثانية التي ترى فيها كراكاس مساحة أمل لتعاون أكبر هي السياحة. وهي تستند لوجود ما يقارب 700 ألف فنزويلي من أصل سوري، يرغبون في التعرف على بلدهم الأصل والتواصل معه. وثمة خطط للحكومة الفنزويلية في هذا السياق تقوم على وضع خطة سياحية للمنطقة ككل تشمل لبنان أيضا. ولذا يأمل صعب أن يكون هذا حافزا لتحرك التجار أيضا بحيث يرتفع حجم التبادل التجاري عن مستواه المتواضع، والذي تشير أرقام السفارة الفنزويلية في دمشق إليه، حيث تستورد سوريا ما قيمته 200 ألف دولار، وتصدر بما يعادل مليوني دولار.
وهو رقم لا يختلف كثيرا عن حجم التبادل القائم مع البرازيل، والتي يميل السوريون للنظر إليها على أنها «قارة» بتنوعها الاقتصادي والصناعي ومساحتها الجغرافية الهائلة. إذ تشير الأرقام الرسمية من الجانبين إلى 350 مليون دولار كحجم تبادل تجاري متداول، ولكن ليتبين أن حجم الصادرات السورية منها لا يتعدى الـ5 ملايين دولار. وهو أمر يفسره مراقبون بقدرة الجالية السورية الاقتصادية العالية في البرازيل، ومكانة البلاد الاقتصادية بلا شك وقد قاربت المرتبة الخامسة عالميا.
ويقول السفير البرازيلي في دمشق إدغار كاسيانو إن إحد الجوانب المهمة في زيارة الأسد للبرازيل ستكون في تقوية الاهتمام بهذه البلاد، خصوصا وأنها ستترافق مع اجتماعات تجارية بين رجال أعمال في البلدين. وهو لا يخفي أن كون بلاده أفضل شريك تجاري لسوريا لا يلبي الطموح المستند للروابط التاريخية بين البلدين. ويأمل في أن يفكر الصناعيون السوريون ولاسيما في المجال الغذائي في طرق أبواب الأسواق البرازيلية، وهي أبواب واسعة، ويشير لمادتي الزيتون، والفواكه المتوسطية المجففة على سبيل المثال لا الحصر، فيما تقتصر الصادرات السورية إلى البرازيل الآن على صناعات تقليدية والمواد النفطية الخام.
إلا أن التبادل التجاري ليس غاية وحيدة هنا، فهناك آمال معقودة أيضا على تشجيع السوريين في تلك القارة، ولاسيما الأكثر نجاحا، على الاستثمار في بلادهم، خصوصا في المجالات الطبية، التي يشهد لهم تميزهم فيها، حيث تمتلك الجاليتان السورية واللبنانية (حوالى 12 مليون شخص) أهم مستشفى في البرازيل، هو المستشفى السوري اللبناني. واللافت أن الجاليتين المتقاربتين تمتلكان مستشفى مشابه في الأرجنتين أيضا.
وستكون الأرجنتين المحطة الأخيرة للأسد في القارة الجنوبية. ويقدر السفير الأرجنتيني في دمشق روبيرتو أهواد حجم الجالية السورية في الأرجنتين بحوالى المليونين ونصف المليون شخص، بينما تشكل الجالية العربية 10 في المئة من تعداد سكان البلاد. إلا أن حجم التبادل التجاري «مخجل». يقول أهواد، وهو من أصل عربي، إن الأرجنتين تصدر إلى سوريا منتجات بقيمة 380 مليون دولار، فيما لا تستورد سوى بما يقارب الـ500 ألف دولار، في غالبيتها بهارات ومواد صناعات تقليدية.
لذا يرى أهواد أن ثمة آمالا يمكن عقدها على «التعارف» الذي سيحصل بزيارة الأسد لبوينس أيريس، خصوصا أنها تتضمن لقاء موسعا مع الجالية السورية الفعالة هناك، مشيرا إلى قدرة هذه الجالية على الاستثمار والسياحة في بلادها الأصلية. ويلفت إلى أن غالبية السياح الحاليين من الأرجنتين يأتون لغايات عائلية، وأن الأمل هو أن يتوسع هذا الأمر ليصبح أكثر شمولية. ويوضح بأن العلاقات بين البلدين في حالة ممتازة، لكنها أشبه «بأخوين يعيشان في بيتين مختلفين... والآن ثمة فرصة ليلتقي هؤلاء في البيت ذاته».

زياد حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...