هل ينهار النظام الإقليمي العربي

09-12-2006

هل ينهار النظام الإقليمي العربي

الجمل:   تشهد منطقة  الشرق الأوسط حالة من التوتر والإجهاد، على النحو الذي أصبح يهدد بانهيار كامل النظام الإقليمي في المنطقة العربية. ومن الممكن أن تؤدي حالة الانفلات الأمني القائمة حالياً في بعض دول المنطقة دفع المنطقة الأهلية في دوامة الصراعات والحروب الأهلية، بشكل قد تمتد نيرانه إلى كامل النظام الإقليمي، وهو أمر على أية حال سوف تمتد مخاطره المباشرة وغير المباشرة إلى تهديد الأمن والسلام العالميين.
• البعد الهيكلي البنائي: يتكون النظام الإقليمي من 22 دولة عربية، يقطنها حوالي 300 مليون شخص، وتقع جغرافياً في منطقة تتوسط ثلاثة قارات: أوروبا، افريقيا، وآسيا.
• البعد القيمي: تتميز المنطقة العربية بعراقة النسق القيمي الثقافي، وهو نسق تمتد جذوره إلى آلاف السنين، وذلك لأن الأديان الرئيسية في العالم قد نشأت في هذه المنطقة إضافة إلى أن الحضارات الإنسانية القديمة الرئيسية قد نشأت في هذه المنطقة، وحالياً تتميز الشعوب العربية بقدر كبير من تماسك النسيج القيمي الثقافي القائم على وحدة اللغة والتاريخ والتعايش الديني والمذهبي الطائفي.
• البعد التفاعلي: حركة التفاعلات المنطقة العربية تتم وفقاً للمحاور الآتية:
- محور داخلي: بين الكيانات داخل الدولة.
- محور بيني: بين الدول العربية.
- محور دولي: مع العالم الخارجي.
هذا هو المشهد العربي التقليدي، ولكن هذا المشهد أصبح حالياً يواجه العديد من التهديدات والتي كانت في بداية الأمر تهديدات ثانوية.. ثم تطورت بمرور الزمن وأصبحت تهديدات رئيسية، وتتمثل عملية تحول التهديدات من ثانوية إلى رئيسية في الآتي:
قيام دولة إسرائيل: كانت الكثير من الأطراف العربية تنظر إليه في بداية الأمر باعتباره أمراً محدود التأثيرات، وسوف يظل ضمن المنطقة الفلسطينية حصراً، ثم تطور الأمر بعد حرب 1967م، ليصبح الخطر أكبر، وذلك بسبب اتساع نطاق تداعياته ضمن دائرة أكبر، وبرغم ذلك ظلت بعض الأطراف العربية، تنظر إلى الأمر باعتباره أمراً محدوداً يقع ضمن منطقة شرق المتوسط حصراً، ولكن خسر الجميع الرهان، فقد أصبح الخطر الإسرائيلي خطراً عالمياً، يتدخل ليس في البلدان العربية وحسب بل وفي أمريكا اللاتينية وافريقيا السوداء، ويمد أذرعه الخفية داخل مؤسسات وأجهزة دول العالم الكبرى والعظمى مثل امريكا وفرنسا وبريطانيا.
الخلافات الداخلية في الدول العربية، كان الجميع ينظر إليها باعتبارها خلافات محلية ثانوية التأثير.. وكان الجميع في العالم العربي يراهنون على عدم تفاقم هذه الخلافات بشكل يصل إلى مستوى الحرب الأهلية.. وبرغم تجربة عمليات القتل على الهوية التي سادت في فترة الحروب الأهلية اللبنانية، إلا أن غياب النظرة العلمية العميقة، وغياب القدرة على إسقاط الدروس والتجارب من أجل درء المخاطر المستقبلية، كانت النتيجة تحول الخطر الثانوي للخلافات الداخلية إلى خطر رئيسي أصبح يهدد انتشار تداعياته بتحويل كامل المنطقة العربية إلى محرقة اثنية طائفية.
العلاقات السياسية الدولة لم تكن تخضع للتقييم والمعايرة، وكذلك بالنسبة للمواقف الدولية، وكان الجميع ينظر إليها باعتبارها أمراً قد تترتب عليه بعض المخاطر الثانوية، ومن الأمثلة على ذلك:
- قيام الدول العربية في منطقة الخليج بتقديم التسهيلات العسكرية لأمريكا بشكل ينم عن مشاعر (الكرم الحاتمي)، والتي جعلت النخب الخليجية الحاكمة تتبارى وتتنافس متسابقة في تقديم الأراضي والتسهيلات للقواعد العسكرية الأمريكية، ولكن بمرور الزمن، أصبحت هذه القواعد بمثابة الحاكم الرئيسي في المنطقة، الأمر الذي يجعلنا نقول: إن منطقة الخليج أصبحت ترزح حالياً تحت حالة من الاحتلال العسكري الأمريكي غير المعلن، وهكذا تحول خطر السياسة الخارجية الثانوي إلى خطر رئيسي.
- المعارضون العراقيون خلال فترة صدام حسين انخرطوا في التحالف مع الغرب والاستقواء بأمريكا، ودفعها بكل ثمن من أجل الإطاحة بصدام حسين، ظناً منهم أن أمريكا، سوف تساعدهم على بناء دولة ديمقراطية، وبالتالي فإن وجود القوات الأمريكية في العراق سوف لن يترتب عليه سوى قدراً ضئيلاً من الخطر الثانوي، ولكن لاحقاً تحول الخطر الثانوي إلى خطر رئيسي.
خارطة الصراع في المنطقة العربية أصبحت تتسم بالمعالم الآتية:
- حالة انقسام بين القوى السياسية الفلسطينية.
- حالة انقسام بين القوى السياسية اللبنانية.
- حرب أهلية دامية في العراق.
- انقسام بين النخب الحاكمة والقواعد الشعبية في منطقة الخليج العربي على النحو الذي أدى إلى وقوع أعمال العنف، والتي تنذر الأجواء بحدوث المزيد منها.
- تفاقم حالة الاستقطاب السياسي في مصر بين النظام والقاعدة الشعبية.
- تفاقم حالة الاستقطاب السياسي في الأردن بين النظام الملكي والقاعدة الشعبية.
- سيطرة الإسلاميين على الصومال على النحو الذي أصبح يهد باندلاع حرب إقليمية.
- عودة القتال الداخلي في السودان ضمن مسرحين للحرب الأهلية، في الجنوب، وفي دارفور.
وبقية الدول الغربية ليست استثناء من حالة الاصطفاف والاحتقان، فالمغرب العربي مايزال على موعد مع الحركات الأصولية الإسلامية.
العنف هو حالة هيكلية وظيفية تتضمن الاستخدام الفعلي للقوة المادية أو التهديد باستخدامها، وعند تطبيق هذا التعريف على العالم العربي تجد العناصر البارزة الآتية.
• الحالة الهيكلية التي يتسم بها مفهوم العنف، تتجسد في البيئة الجيوبوليتيكية العربية ضمن مجالين:
- عنف ظاهر: ويتمثل في الصراعات الدائرة حالياً.
- عنف كامن: ويتمثل في (مخزونات) العنف الموجود بشكل مخفي دخل البنى الاجتماعية، مثل الخلافات الطائفية والاثنية والعرقية... وغيرها، وهي (مخزونات) للعنف ظلت موجودة منذ مئات السنين، ولم تقم النخب العربية بعملية (سحب وشفط) احتقاناتها، وذلك بتطبيق البرامج التي تؤدي إلى تفريغ هذه المخزونات.. وتجدر الإشارة إلى أن بعض النخب العربية قامت بدعم وتعزيز محتوى هذه المخزونات عن طريق توجهاتها الخاطئة التي كرست الظلم الاجتماعي وروح الاستعلاء الطبقي والثقافي والديني، كما هو في حالة تعامل النظام السعودي والبحريني مع السكان الشيعة.
• الأطراف التي تستخدم العنف: ويمكن تقسيم هذه الأطراف إلى قسمين هما:
- أطراف داخلية: وتتمثل في النخب الحاكمة وزعماء الحركات السياسية والطائفية.
- أطراف خارجية: وتتمثل حصراً في إسرائيل وأمريكا.
• عملية استخدام العنف: كل الأطراف المستخدمة للعنف، تقوم بذلك إما بالاستخدام المباشر الظاهري أو باللجوء إلى عملية التلويح باستخدامه.
وعموماً نقول: إن جزءاً كبيراً من عملية استخدام العنف في البيئة العربية يعود ويرجع على ضعف النخب العربية، خاصة الضعف الإدراكي الذي تتسم به دوائر صنع واتخاذ القرار في البلدان العربية. أما الأطراف الخارجية، فيمكن القول إن هذه الأطراف ما كانت ستجد الفرصة لاختراق المنطقة العربية والتغلغل فيها بهذا القدر، لو لم تجد أطرافاً عربية لا ترحب وتقبل بهذا التغلغل وحسب، وتقدم له المال والأراضي لبناء القواعد العسكرية.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...