ليفني: مذبحة قانا أحبطت اتفاقاً مع بيروت وقلصت التأييد الأوربي

02-08-2006

ليفني: مذبحة قانا أحبطت اتفاقاً مع بيروت وقلصت التأييد الأوربي

بدت الحكومة الإسرائيلية، أمس، وهي تتخبط في مواقف لا تشير إلا إلى أنها باتت تنفذ استراتيجية الانسحاب من الأزمة بأقل الأضرار. فبعد يوم واحد من إعلان رئيس الحكومة إيهود أولمرت أن الحرب لن تتوقف لأن الأهداف المركزية لإسرائيل لم تتحقق، قام أمس بإعلان النصر. وفي اليوم التالي لاتخاذ المجلس الوزاري المصغر قراراً بتوسيع العمليات البرية في العمق اللبناني، أعلنت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني أن مجزرة قانا شكلت نقطة تحول.
وفي التظاهرة الكبرى التي أرادها وزير الدفاع عمير بيرتس لإظهار سمو دوافع الجنود للقتال، أعلن ضباط وجنود احتياط أمامه أنهم غير مؤهلين لقتال كالذي جرى في مارون الراس وبنت جبيل. وجاءت نتيجة معارك عيتا الشعب وإعلان إسرائيل عن مقتل ثلاثة جنود وإصابة 25 آخرين لتزيد شعور الإسرائيليين بالخيبة من هذه الحرب.
وتبدى يوم أمس أنه، بخلاف التقارير الأولية التي أشارت إلى أن المجلس الوزاري المصغر منح الجيش الفرصة لتوسيع العملية البرية والاقتراب من الليطاني، فإن المجلس لم يصادق إلا على توسيع لا يزيد عن خمسة إلى ستة كيلومترات. ورفض المجلس اعتبار أن هذه المصادقة مرحلة أولى من مراحل العملية، مؤكدا أنها مصادقة بذاتها غير مرتبطة بأية مراحل أخرى.
ودفع هذا الوضع المعلقين العسكريين إلى القول إن خطة توسيع العملية البرية بشكلها الراهن ترمي إلى السيطرة تقريبا على منطقة كالتي كانت تعرف بالحزام الأمني، وأن رغبة الجيش في الوصول إلى الليطاني غير معقولة لأنها تتطلب قوة غير متوافرة ووقتا لا يمكن الحصول عليه. ولاحظ هؤلاء أن المعارك لا تزال تدور في القرى المحاذية للحدود، أو في المربع الأول الذي لم تنجح القوة العسكرية الإسرائيلية حتى الآن في إخراج المقاومة منه.
وربما لهذا السبب لاحظ المعلقون السياسيون اختلاف نبرة وتشديد أولمرت في خطابه أمس، عن كل الخطابات التي أطلقها منذ بدء الحرب. فقد حاول أمس، أمام خريجي كلية الأمن القومي، إعداد المجتمع الإسرائيلي للتراجع عن الأهداف المعلنة وتخفيض سقف التوقعات. وأعلن النصر الذي لم يسبق له مثيل وشدد على الإنجازات الهائلة وقال إن أحداً لم يعد الإسرائيليين بوقف سقوط الصواريخ.
واعلن أولمرت انتصار إسرائيل في الحرب الجارية ضد حزب الله، حيث قال إنها تنتصر في المعركة وتحقق إنجازات، ربما لم يسبق لها مثيل. ولو أن المعركة تنتهي اليوم لكان بالوسع القول بالتأكيد إن وجه الشرق الأوسط قد تغير. وأثنى على الجنود وسكان المناطق الشمالية وقال إنه برغم صعوبة الظرف إلا أنه يبدو لي أن هذه الأيام تمثل فرصة لشيء ما مختلف، ينشأ وينضج داخل هذه الأجواء، التي فيها ضائقة غير قليلة، ولكنها تنطوي على الكثير جدا من العزم.
وأشار أولمرت إلى الخطر الذي كان يمثله حزب الله وإلى أن إسرائيل اضطرت لسنوات عديدة للعيش في ظل هذا الخطر الذي خلق توازن رعب غير معقول. وقال كنا نعيش إحساساً بأن كل مواجهة وكل تبادل لإطلاق النار يمكن أن يقود إلى خطر مميت لنيران على الشمال. وقد أثر هذا الخطر مراراً على آلية اتخاذ القرارات عندنا. وقبل ثلاثة أسابيع قررت دولة إسرائيل مواجهة هذا الخطر بحزم. وهذا التغيير سوف يلقي بظلاله على الشرق الأوسط لسنوات طويلة.
وأوضح أولمرت : بالوسع سؤالي لماذا ليس لدينا اليوم وقف لإطلاق النار. والجواب بسيط جدا: كل يوم يمر تنفد قوتهم. كل يوم ينقضي هو يوم يتاح فيه للجنود تقليص قوتهم. ونحن سنقبل بوقف النار عندما نعلم على وجه اليقين أن الظروف القائمة على الأرض ستكون مغايرة لتلك الظروف التي أدت إلى اندلاع الحرب.
وأضاف : إن هذه الحرب خلقت معادلة جديدة تماماً في النسبة بين القوات الإسرائيلية وأعدائها. ولا شك بأن هذه المعادلة تساعد في خلق واقع جديد أفضل لإسرائيل. فنحن في أوج عملية ستؤدي إلى وقف إطلاق النار في ظروف مختلفة تماماً، بدعم من دول عربية تقف للمرة الأولى ضد منظمة عربية.
وقال أولمرت :لا يمكن بأي حال من الأحوال قياس الحرب بحسب عدد الصواريخ التي تسقط علينا. ومنذ اللحظة الأولى، سواء وزير الدفاع أو القيادة أو أنا، لم نتعهد بعدم سقوط صواريخ أخرى، وفي هذا المجال لم نسع أبداً للوصول إلى أي نقطة. وتابع أنه :قبل 21 يوماً كان حزب الله يبث الرعب في المنطقة واليوم لم تعد لديه القدرة أبداً على تهديد هذا الشعب بإطلاق الصواريخ. فشعبنا يواجه الصواريخ وينتصر.
وأكدت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، في عرض قدمته أمس أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أن التأييد الأوروبي للعملية الإسرائيلية في لبنان قد تآكل. وقالت إن :الحادث في قانا كان إشكالياً لإسرائيل ليس فقط من الناحية الإعلامية وإنما لأنه شكل نقطة تحول سياسية جوهرية خلقت تفاعلا إشكاليا ضد إسرائيل.
وأضافت أنه جراء مجزرة قانا تقلص هامش المناورة السياسية وتآكل دعم دول أوروبا لحق إسرائيل في تنفيذ هجمات على الأراضي اللبنانية. وأشارت ليفني على وجه الخصوص إلى الموقف الفرنسي تجاه الحرب معتبرة إياه إشكالياً من ناحيتنا. وأضافت أن الموقف الروسي ابتعد كذلك عن الموقف الإسرائيلي الذي تجلى في قمة الدول الصناعية الثماني.
وشددت ليفني على أن هناك في الحلبة الدولية خلافاً بين موقفين: الولايات المتحدة وإسرائيل تطالبان بأن يكون وقف النار جزءاً من إطار شامل لسلسلة خطوات لإنهاء الأزمة، فيما تطالب الدول الأخرى بوقف فوري للنار، تليه مفاوضات لإبعاد حزب الله عن الجنوب اللبناني وإعادة الجنود. وقالت انه لم تحسم بعد قضايا كثيرة ذات صلة بإنشاء القوة المتعددة الجنسيات وعملها، وبينها حجم هذه القوة، مكانتها، صلاحياتها، والوسائل التي ستوضع تحت تصرفها.
وقارنت ليفني بين رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة والرئيس الفلسطيني محمود عباس. وقالت إن الاثنين زعيمان ضعيفان يفضلان عدم العمل فيما يقوم العالم بدفعهما إليه. ومع ذلك شددت على أن الضرر الأكبر الذي نجم عن مجزرة قانا ليس فقدان الدعم الدولي وإنما تراجع الحكومة اللبنانية عن اتفاق تبلور بمساعدة أميركية. وقالت إنه بات مطلوباً العودة إلى بناء الاتفاق من جديد، بما في ذلك نشر القوة الدولية في الجنوب. وأشارت إلى أن نشر القوة الدولية يحتاج إلى أسابيع، الأمر الذي دفع إسرائيل إلى البحث في الخيارات المتوافرة لها في الفترة الانتقالية بين انتهاء القتال ونشر هذه القوة. وقالت إن إسرائيل تفضل أن تضم القوة الدولية ممثلين عن دول إسلامية من أجل ألا تكون القوة نفسها مشكلة من قوات مسيحية، الأمر الذي يمكن تفسيره في الجانب اللبناني بصورة إشكالية.
وتحدث في الجلسة أعضاء من الكتل البرلمانية. فتساءل ران كوهين من ميرتس حول سبب الانشغال في هدم المواقع الأمامية لحزب الله إذا كانت إسرائيل واثقة من أن القوات الدولية والحكومة اللبنانية ستعملان على تدميرها. وطالب كوهين بالعمل من أجل تحقيق وقف إطلاق نار فوري على سبيل التوصل لحل سياسي يعيد الأسرى وينشر القوات الدولية ويجرد حزب الله من سلاحه.
وامتدح داني ياتوم من حزب العمل عدم مهاجمة سوريا وطالب بإدراجها في التسوية التي يجري العمل للتوصل إليها في لبنان من أجل الفصل بينها وبين إيران. وهاجم يوسي بيلين قرار توسيع العمليات البرية واعتبر أن إسرائيل تقع في مصيدة نصبها لها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
ورأت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن إسرائيل التي تبدي من جهة قلقاً من احتمال فتح الجبهة السورية، أبدت على لسان نائب رئيس الحكومة شمعون بيريز عدم خشية من ذلك. وقال بيريز إن الاقتصاد السوري في وضع مريع، ووضعهم العسكري متدهور، وضباطهم ليسوا شباناً، وعتادهم قديم جدا. وقال إنه لا يخاف التهديد السوري، فهم لن يخرجوا للحرب. إنهم يعرفون قوة جيشهم وضعفه، فعتادهم غير حديث وهم لن يذهبوا للحرب وحدهم. فلن تقع حرب شاملة في المنطقة لأن مصر والأردن لن تهرعا للوقوف إلى جانب سوريا. وسوريا تمتعت حتى اليوم من فضائل العالمين، وقد بات عليها اليوم أن تقرر إن كانت في معسكر الإرهاب أم في المعسكر المناهض للإرهاب.
وكرر بيريز، في محاضرة ألقاها أمس في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أن إسرائيل ستوقف إطلاق النار عندما يوقف حزب الله إطلاق الصواريخ. وامتدح بيريز الدعم الدبلوماسي الأميركي لإسرائيل وشدد على أنها ستواصل القتال مبدياً ثقته بقدرتها على تحقيق أهدافها.
وأوضح بيريز أن نشر القوات المتعددة الجنسيات من دون وقف لإطلاق النار يعتبر عملا عديم الجدوى. وأبدى تقديره بأن هناك مصاعب جمة تعترض تشكيل هذه القوة التي تحتاج إلى أيام وربما لأسابيع لإنشائها.
واعتبر أن هذه هي المرة الأولى التي تخوض فيها دولة ديموقراطية الحرب ضد جماعة إرهابية لا ترتدي زياً عسكرياً ومن دون حدود ولكنها مزودة بأسلحة حديثة: مئات الصواريخ التي تطلق يوميا، على المدارس والكنائس. لقد أملت المنظمات الإرهابية أن ننكسر أمامها نفسيا، اقتصاديا وماديا. وانتظر نصر الله و(رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد) مشعل حدوث ذلك، ولكن الحال لم يعد كما كان. لقد وجدونا موحدين بشكل لا نظير له، وعازمين على تحقيق النصر.
وفي لقاء مع القوات الاحتياطية التي تم حشدها لإدخالها في المعركة البرية في الجنوب اللبناني، أصيب بيرتس بالصدمة. فبعدما سعى لرفع معنوياتهم، وإظهار أنهم يخوضون حرباً حاسمة، لم يطلب الجنود منه شيئاً سوى إبعادهم عن القتال تقريباً. فقد تحدث ضابط باسم الجنود وقال إنهم غير مؤهلين لقتال كالذي دار في مارون الراس وبنت جبيل. وقال الضابط إن العتاد الذي تلقوه غير مناسب لظروف الحرب وان مطلبهم هو إيكال مهام لهم تتلاءم مع قدراتهم العسكرية. رد بيرتس على ذلك بأن على كل جندي أن يعي أن المهمة التي يتلقاها تفحص ويصادق عليها على مستويات عديدة من مستوى اللواء وحتى مكتب رئيس الحكومة. وأشار قائد ميداني، بغضب، إلى أن الجيش ليس شركة تأمين على الحياة. وبدا بيرتس في السياق الذي سار فيه أولمرت إذ أعلن أن الأيام المقبلة ستحسم إمكان أن يتجرأ أي تنظيم على التفكير بضرب الجبهة الداخلية، كما أن قرار الطاقم الأمني السياسي يمكن من حسم المعركة في الجنوب حتى قدوم قوة دولية. هدفنا الآن هو أن تتمكن هذه القوة من فرض الواقع الجديد الذي يحاول الجيش خلقه، حيث لا يتمكن حزب الله من التجوال في الجنوب. وهدف الجيش منع التهديد على الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
تذكر الإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي أقر بمقتل ثلاثة من جنوده، بينهم ضابط، وإصابة 25 آخرين في عيتا الشعب. واستمرت الاشتباكات على طول الجبهة. ويستخدم الجيش الإسرائيلي في حملته البرية حتى الآن خمسة طواقم لوائية باتوا يعملون في القطاعات الثلاثة، الغربي، الأوسط والشرقي من الحدود. ومن الجائز أن تراجع الحدة في الحديث عن غزو بري واسع يعود أصلا إلى عدم جاهزية القوات والخشية من الخسائر الكبيرة.

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...