فرنسا ساركوزي إلى أين؟

13-11-2007

فرنسا ساركوزي إلى أين؟

كان من المأمول أن تواصل القاطرة الفرنسية  الألمانية، جهودها نحو عقلنة السلوك الأمريكي اليميني المتطرف في الشرق الأوسط، بعد ما أصمّت الإدارة الأمريكية آذانها، ولم تصغ حتى لأصدقائها العرب والفرنسيين وغيرهم، قبيل كارثة احتلال العراق، وما شهده بعد الاحتلال من تداعيات خطرة، وفوضى شاملة، وضعت المنطقة على حافة هاوية من غير قاع.

البيانات والتصريحات والمواقف التي صدرت عن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، خلال الأشهر القليلة الماضية، تشي بتغير جذري في العلاقات الفرنسية  الأمريكية، وبخاصة تجاه الأوضاع المتفجرة في العراق وفلسطين والخليج وبلاد الشام، وصولاً إلى شبه القارة الهندية. كما تؤكد هذه السياسات الفرنسية حتى الآن أنها ترقص “التانجو” المثير مع يمين أمريكي بائس، ومع رئيس أمريكي بلغت أخطاؤه وخطاياه حداً غير مسبوق، وقارب عهده على الغروب.

ساركوزي يجدف الآن ضد التاريخ، خصوصاً من مواقفه المتطرفة تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، وابتعاده عن سياسات ديجولية، ومواقف فرنسية وطنية مشهودة، تجاه حق تقرير المصير للشعوب المحتلة، ومفاهيم الإنصاف والعدل والمساواة والتحرر.

ساركوزي، في تعامله الأخير مع قادة الاحتلال “الإسرائيلي” ومع دعوات الحرب لحل النزاعات الدولية، ومع قبوله التفسيرات التوراتية لحركة التاريخ والواقع الراهن، يتوغل بفرنسا إلى عهود مظلمة، وينزع عن جوهرها النبض، في سعيها لإعادة بناء نظام دولي جديد أكثر تعاوناً ومشاركة، وأفضل أمناً واستقراراً.

إن الظروف الراهنة في المنطقة أكثر من استثنائية، وأكثر من شاذة، والعواصف على أشدها، وأصوات الهذيان والتطرف تملأ الآفاق وعلى كل الضفاف، وخطط التفتيت مبثوثة تحت أضواء ساطعة، والإنهاك جارٍ لكل الديناميات الحضارية، فهل من قوة أو قوى تستدرك الأمر، وتحول دون حدوث انهيار شامل، على شاكلة الهذيان بحرب عالمية ثالثة؟

هل يدرك ساركوزي مرارات شعوب المنطقة، من تربويات ومسلكيات أصحاب الرؤوس الساخنة، والسياسات العبثية في واشنطن والكيان الصهيوني؟

وهل يستدرك الأمر، قبل الولوغ في تشجيع البطة الأمريكية العرجاء والبائسة، في عمليات جراحية كبرى، في فضاءات الشرق الأوسط، واطلاق اليد للمجرم ايهود أولمرت والمجرم ايهود باراك، لتنفيذ وادارة اوركسترا العدوان في أكثر من موقع، في غزة ودمشق وبيروت وطهران، مروراً بتغيير الخرائط والجغرافيا.

سياسات ساركوزي ذات اللون الأمريكي المحافظ والبائس، لا تليق بالمقام الفرنسي، ولا بالمصالح الفرنسية البعيدة، ولا بالتوجه الأوروبي الأصيل نحو عقلنة الكاوبوي الأمريكي في البيئة الدولية.

إن التشخيصات السريعة لقضايا الشرق الأوسط، والمواقف الاسترضائية للهيمنة الأمريكية وللقوة “الإسرائيلية” المحتلة لأراضي الغير، ستقود إلى فخ يصادر أي حلول موضوعية شاملة وعادلة في المنطقة، وبالتالي في العالم أجمع.

والعالم لا يحتاج من ساركوزي أن يكون توني بلير آخر، بجانب بوش أو خلفه، بعدما تعثرت تبعية بلير، وأخرجته من الحكم، وجعلت خلفه غوردون براون يراجع كل هفواته وخطاياه التي سجلت على بريطانيا نتيجة لهاثه وراء بوش ومقامراته.

وبوش الذي تذوي شعبيته إلى الحضيض، بعدما جعل صدقية أمريكا في الحضيض، وتحتاج صورتها إلى عقود لتجميلها، كما تقول كارين هيوز، كان مطلوباً من ساركوزي أن يعمل على ترشيده وهديه إلى جادة الصواب، بدل هذا الاندماج معه، حتى بدأت أصوات تصدر من فرنسا نفسها تنتقد الاصطفاف خلف أمريكا بوش. إن التوازن في السياسة الدولية هو المطلوب، لأن الاصطفاف خلف طرف مهيمن، ولا يرى إلى العالم إلا من منظار البطش وطحن الأوطان والشعوب، ضوء أخضر اضافي يمد بعمر هذا الخلل الذي يعيشه عالم اليوم، ويكاد يودي به إلى التهلكة.

المصدر: الخليج

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...