عصابات حماة: تكتيك بلا استراتيجية يفقدهم البيئة الحاضنة

04-01-2013

عصابات حماة: تكتيك بلا استراتيجية يفقدهم البيئة الحاضنة

تشهد المنطقة الوسطى في سوريا، وهي المنطقة التي تضم كلاً من حمص وحماه وتقريباً ثلث الأراضي السورية، اشتباكات واسعة بين الجيش والمعارضة المسلحة. وإذا كانت الأخيرة قد فتحت أبواب ما يسميها المسلحون معركة «تحرير حماه»، فإن جارتها الحمصية قد سكنت جبهة القتال فيها لفترة طويلة قبل أن تشتعل من جديد وتجري الرياح بغير ما تشتهي أهواء المسلحين.
في حمص، سقط حي دير بعلبة بأيدي الجيش وسقطت معه ورقة التوت الإعلامية التي جهدت للاحتفاء بالمسلحين. وبعد أن كانت لجان التنسيق المحلية سربت أنباء عن مجزرة ذهب ضحيتها أكثر من مئتي شخص في الحي، فوجئ الناشطون أن القضية لم تكن سوى تصفية حسابات إعلامية وشخصية بين محركي «الثورة الحمصية»... وفي النتيجة صدحت سيمفونية من التخوين والتخوين المضاد بين الكتائب المسلحة، بينما يدفع السكان وحدهم ضريبة ما يحدث.مسلحون على خط المواجهة بالقرب من قاعدة تفتناز في ريف إدلب، أمس الأول (رويترز)
وعلى الجبهة الحموية، تقاتل اليوم ثلاث جهات معاً تتفق بالهدف الأساسي لكنها تختلف في البنية والتنظيم والتسلح. وتبدو في الطليعة «جبهة النصرة»، صاحبة التنظيم الفائق الدقة والتمويل الضخم، وقد اقتنعت أخيرا بالتنسيق مع بقية المجموعات المقاتلة. ولعلها تتفوق على الباقين بقدرتها على التعاطي مع الشارع أكثر من غيرها، فهي تتبع أسلوب العمليات الكبرى أي الضرب والفرار من دون التمركز في منطقة معينة.

وإلى جانب «النصرة»، تنشط «كتائب أحرار الشام»، ورغم تنظيمها وتمويلها أيضا إلا انها تبقى في الصف الثاني خلف «النصرة»، التي خبر مسلحوها العمليات الجهادية في العراق، بينما لم تصل «أحرار الشام» إلى مرحلة الانفتاح على خبرات الجهاديين القادمين من الخارج. وفي مقابل «النصرة» و«أحرار الشام» تتجمع عدة كتائب أخرى أبرزها «الفاروق»، المتصلة بشكل أو بآخر بالكتيبة الأم في حمص، وهي ذات تمويل وتنظيم غير محدود، إضافة إلى لواء «شهداء اللطامنة» و«كتيبة عبد الله بن الزبير» و«لواء الفتح» و«لواء أحفاد الرسول»، وهي بحسب مقربين منها الأكثر تواجدا على الأرض.
وتقاتل هذه الجماعات على ثلاث جبهات هي الشمال الغربي والشمال والجنوب، وخاصة من إدلب في الشمال عبر معرة النعمان، من أجل قطع أية إمدادات عسكرية للنظام الذي ما زال يحتفظ بالسيطرة على قلب المدينة وكامل المقار الأمنية والعسكرية، بالإضافة للمطار وقلعة حماه التي تتمركز فيها مدفعية تستهدف تحركات المقاتلين المعارضين. يُضاف إليها المطار العسكري وكتيبة الهندسة في الرستن والمكننة الزراعية، وكذلك مدينتا محردة والسقيلبية اللتان أرسل اليهما قادة «الجيش الحر» بياناً تحذيرياً للأهالي بطرد الجيش العربي السوري وإلا فسيقوم بقصفهما للرد على مصادر النيران مع عبارة «أُعذر من أنذر».
وبينما يعتمد المقاتلون على ما ينهبونه في معاركهم  أو ما يطلقون عليه «الغنائم» في قتالهم، تحدّ معظم الجهات الداعمة في الخارج لإمدادها تلك الكتائب، بينما تحتجز تركيا جزءاً كبيراً من تلك الأموال والأسلحة وفقاً لمقربين من المعارضة المسلحة.
والسبب هو إما للضغط من قبل حكام أنقرة لتفعيل دور القيادة العسكرية الجديدة، التي تم تشكيلها في أنطاليا مؤخرا، أو لاستياء تركي من انتشار «جبهة النصرة» بدلاً من تحجيمها أو لحصار قائم من قبل عدة دول كما أشار عضو «الائتلاف» المعارض أحمد رمضان. ما سبق كان سبباً رئيسياً في تحول مصدر التسليح إلى الغنائم بما فيها السلاح النوعي كمضاد الطائرات والدبابات، فيما تراجع الحديث كثيراً عن قدرة استخدام الأسلحة الكيمائية سواء من قبل النظام أو المعارضين ذلك أن استخدامها سيؤدي إلى انتشار واسع سيصيب أطرافا كثيرة ناهيك بصعوبة السيطرة عليها.
ولعل الوضع المنفلت إلى حد ما في حلب لا ينسحب بالضرورة على حال حماه وريفها، إذ تغيب حالة الاحتقان الطائفي، وهو ما يميز الأخيرة إلى حد بعيد. وعلى عكس حماه، فكل كتيبة في حمص تعتمد مصدرها الخاص للتمويل والتسليح ويرتفع منسوب شراء الولاءات كثيراً بحيث بات النفوذ الإخواني والسلفي والقطري والتركي واضحاً في العديد من الكتائب، بينما تعاني أخرى ما زالت تعتقد بضرورة حماية المدنيين من التمويل الشحيح وأحيانا الحرب من قبل كتائب أخرى بنت شعبيتها على استعراضات إعلامية وعلى دعم إعلامي لا محدود. ويروي أحد الناشطين خدعة تقوم بها الكتائب حيث تصور أحد قادتها أمام مبنى أو شارع «محرّر» من قبل مجموعة أخرى فيظن الناس أنهم من قام بذلك، ثم تنهمر الأموال حصرياً لهذه المجموعات الاستعراضية التي ترفع شعار الطائفية البحتة حتى بات الذبح والقتل والاختطاف من طوائف محددة أمرا شائعاً.
أضف إلى ذلك تضخيم الأخبار والفبركة واللعب بأرواح السكان، وفق أهواء الناشطين الإعلاميين كما حصل مراراً، مع حالة الغطرسة والتكبر التي يمارسها قادة الكتائب في حمص حيث يخزنون السلاح لتصفية بعضهم البعض دون أي اعتبار لأرواح المدنيين الذين لا يتردد هؤلاء القادة بالحديث يومياً أنهم يقتلون ويموتون لأجلهم. ما سبق أدى إلى انسحاب تكتيكي من حي دير بلبعة الحمصي ثم رمي الاتهامات بين الكتائب والناشطين حول مسؤولية ما حصل، لتصل الأمور إلى التخوين والتهديد بالتصفية في ما بينهم.
على أن مفاجأة كبرى تبدو عند استعراض المجموعات المسلحة في حمص وهي: أين «جبهة النصرة»؟ يشير الكثيرون إلى غياب التنظيم السلفي عن الساحة الحمصية والاكتفاء بإرسال المساعدات من دون أن يعني ذلك غياب بقية المجموعات السلفية الأقل تشدداً عن حمص، التي كانت الجبهة الأساسية لأشهر طويلة، حيث ساد التضخيم والفبركة والحقد والطائفية من دون أن يشعر بذلك القائمون عليها، حتى بات هناك قناعة تامة بأن حمص هي الخاصرة الرخوة لـ«الثورة السورية».

طارق العبد

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...