سليمان يتصل بالأسد ودمشق تندد بتفجير «الشيفروليه» ببيروت

26-01-2008

سليمان يتصل بالأسد ودمشق تندد بتفجير «الشيفروليه» ببيروت

أصيب كل لبناني بشظايا انفجار «الشيفروليه» وباستشهاد الرائد وسام عيد والمعاون أسامةمكافحة النيران المندلعة في السيارات في ساحة الانفجار مرعب وأربعة مواطنين عرف منهم ايلي فارس وألان صندوق.
لم تكن «جريمة الشيفروليه» تخص عائلة أو بلدة أو منطقة أو طائفة، بل جريمة تستهدف الوطن من أقصاه الى أقصاه. جريمة جعلت الخوف يتسلل الى بيوت وقلوب كل اللبنانيين الذين تسمروا أمام الشاشات وقد هالهم مشهد النيران تلتهم أجسادا يافعة تنبض بالحيوية والشباب والعطاء وسرعان ما تحولت الى كتل من الفحم الأسود والأشلاء المتطايرة.
لم يكن المستهدف أمس وسام عيد ولا فرنسوا الحاج من قبله، بل رمزية المؤسسات العسكرية والأمنية الضامنة للسلم الأهلي، والتي شكلت بمعزل عن اختلاف اللبنانيين أو اتفاقهم على تقييم أداء هذه أو تلك، عنوانا جامعا، على الرغم من الكلفة الكبيرة التي دفعها لبنان واللبنانيون، من دمهم وأعصابهم ورزقهم، منذ الانكشاف الكبير لبلدهم على الارهاب بكل صنوفه قبل ثلاث سنوات تقريبا، حيث لم تستثن الرموز السياسية والاعلامية والمؤسسات التجارية... وجاء أخيرا دور المؤسسات العسكرية والأمنية.
ومن ضرب كان يضرب في المكان الأكثر وجعا والأصعب أمنيا والأدق استخباراتيا، وكأنه أراد القول إن يده طولى وتستطيع الوصول الى حيث لا يمكن لأحد أن يتوقع، بدليل اختيار منطقة تعتبر تقنيا، منطقة عسكرية وأمنية، حيث تقع في نقطة فاصلة، بين مقري قيادتي قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني، بالاضافة الى وجود مراكز عسكرية وأمنية (يوجد مركز لفرع المعلومات على مقربة من الانفجار) وليس بعيدا عنها خط الوصول الى مقر رئاسة الجمهورية وبعثات دبلوماسية أجنبية ومنازل قيادات سياسية تقع في البقعة نفسها.
كما أن النقطة المنتقاة للتفجير، مكشوفة بالمعنى الأمني والمكاني وأن من يريد التحرك فيها يحتاج الى امكانات كبيرة، ولذلك بدا الاستنتاج الأول للمشرفين على التحقيق أننا أمام شبكة من المحترفين ممن وضعوا «بنك أهداف» وقد قرروا، بعد عملية رصد واستطلاع طويلة، اختيار ضابط في قوى الأمن الداخلي، تعمد أن يموّه تحركاته، لا بل قام بتغيير مكان سكنه، ولم يكن يسلك هذه الطريق بصورة ثابتة، لكن هناك من رصدوا حركته منذ انطلاقه من منزله في الدكوانة باتجاه المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في أوتيل ديو، وعندما بلغ نقطة «الشيفروليه» كانت كبسة زر واحدة كافية لاصابة المؤسسة الأمنية في الصميم.
وما زاد من هول الجريمة السياسية بامتياز، أن الهدف الذي تم اختياره تحديدا، هو من الضباط الذين كانت لهم بصمات استثنائية في ملف الحرب ضد الارهاب، بكل تشعباته منذ جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حتى جريمة التفجير التي وقعت في الكرنتينا قبل عشرة أيام مرورا بباقي جرائم الاغتيال والتفجير ومنها جريمة عين علق، بالاضافة الى بصماته الجلية في الامساك بعدد من الخلايا الأصولية الارهابية وخاصة مجموعات «فتح الاسلام» حيث صار يعتبر أحد أبرز المتخصصين في التعامل التقني والمعلوماتي مع بنيتها التقنية التي تتصل في جزء منها مع بنية «القاعدة» وشبكات ارهابية أخرى.
وفي التفاصيل، أنه خلال مرور سيارة الرائد عيد وهي من نوع «جيب تويوتا برادو» خاصة بـ«فرع المعلومات» في قوى الأمن، دوى قرابة العاشرة من صباح أمس، انفجار كبير تبين انه ناتج عن تفجير عبوة ناسفة لاسلكيا زنتها ما بين 60 إلى 70 كلغ من مادة «ت.ان.ت» الشديدة الانفجار وضعت في سيارة «بي ام دبليو» على جانب طريق قريب من الجسر العلوي الدائري المؤدي الى الأشرفية نزولا وإلى الحازمية بعبدا صعودا، وأدت لاحداث حفرة كبيرة بقطر خمسة أمتار وبعمق أكثر من متر ونصف متر.
وأدى الانفجار الى استشهاد عيد (31 سنة) ومرافقه مرعب واربعة مواطنين، فيما تجاوز عدد الجرحى الـ.35 كما أدى الى احتراق عشرات السيارات فضلا عن تكسر زجاج وواجهات بعض الأماكن المجاورة.
وحسب مصدر أمني، فإن عيد كان يخضع على ما يبدو لمراقبة لصيقة ما ينمّ عن اشتراك فريق عمل كامل، في عملية الاغتيال، سواء لناحية الرصد والمتابعة، أو لجهة تجهيز السيّارة المفخّخة وتهيئتها واختيار مكان ركنها في هذه النقطة المكشوفة والحساسة بين منزله في السبتية ومركز عمله في المقر العام في «اوتيل ديو»، مع أنّه كان يحرص على سلوك طرق متعددة إلى منزله الجديد في منطقة الدكوانة، والذي انتقل إليه بعيد تعرّضه لمحاولة اغتيال في منزله القديم في حيّ الأميركان في منطقة الحدث وكان يومها برتبة ملازم أوّل في شباط .2006
يذكر أن عيد متخصص في المعلوماتية من الجامعة الأميركية واستطاع أن يلعب دورا تقنيا هاما وبارزا في أكثر من جريمة وخاصة في الكشف عن جريمة عين علق من خلال رصد الاتصالات الهاتفية التي جرت بين الجناة مما ادى إلى توقيفهم.
كما أصيب عيد بجروح طفيفة في اشتباك مسلّح مع تنظيم «فتح الإسلام» في شارع المئتين في مدينة طرابلس إيذاناً ببدء معركة مخيّم نهر البارد في 20 أيار .2007
وقد كان مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي أول الواصلين الى مكان الانفجار وكذلك المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، وشدد ريفي أمام الصحافيين على أن عملية الاغتيال «رسالة إلى قوى الأمن الداخلي بعد الرسالة التي بُعث بها إلى الجيش في كانون الأول (قبل 44 يوما) عندما قتل اللواء الركن فرنسوا الحاج في انفجار سيارة مفخخة».
- وكشف ريفي عن أدوار هامة وبارزة كان يتولاها عيد وأخرى واعدة كانت تنتظره، وقال لـ«نيو تي في» انه لو لم نكن قد بدأنا بتحقيق خرق نوعي في بعض التحقيقات بجرائم ارهابية لما كان استهدف الضابط عيد وقبله الضابط سمير شحادة الذي نجا من محاولة اغتيال في بلدة الرميلة. وتحدث عن تمكن قوى الأمن مؤخرا من تفكيك ست خلايا ارهابية كاملة وقال انه في الوقت المناسب سيعلن القضاء المختص عبر قراراته الظنية عن نتائج التحقيقات.
وأكد ريفي أن المعركة ضد الامبراطورية الظلامية الارهابية ليست سهلة بل ستكون مكلفة اذ إننا نقارع ارهابيين متمرسين وليس مجرد هواة، وشدد على أن لا حلول وسطا في الأمن داعيا الى اقفال بعض الثغرات الأمنية التي تسهل الاستهدافات الارهابية للأمن اللبناني، مشيرا الى تحقيق تقدم في تطوير الامكانات، وبالتالي في التحقيقات في عدد من الجرائم، رافضا الخوض في التفاصيل.
سياسيا، بدت الصورة الداخلية جاذبة للمزيد من الانكشاف السياسي عبر تغليب منطق الاتهامات الجاهزة التي لجأ اليها بعض فريق الأكثرية، سواء بتوجيه أصابع الاتهام الى سوريا أو الى «حزب الله» بطريقة غير مباشرة كما فعل وزير الاتصالات مروان حمادة، عبر تحريضه المعلن ضد «المربع الأمني».
وكانت لافتة للانتباه، «زلة اللسان» التي جعلت الوزير المصري أحمد أبو الغيط، رئيس أعرق دبلوماسية عربية، يذهب أيضا، عشية الاجتماع الوزاري العربي الذي سينعقد في القاهرة، غدا، الى توجيه أصابع الاتهام الى أطراف داخلية لبنانية، في موقف لاقى الاستهجان من جانب أوساط سياسية لبنانية وعربية. وقد اعتبر أبو الغيط في تصريح من القاهرة «ان تصور البعض ان الاغتيالات يمكن ان تحسم تسوية الازمة الحالية لصالحه هو تصور مغلوط ولن يؤدي الا الى المزيد من الإصرار العربي والدولي بإنهائها»!
وقد لقيت الجريمة موجة استنكار عارمة، محليا وعربيا وعالميا، وكان البارز فيها مبادرة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله الى ارسال وفد من الحزب الى مقر المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي قدم التعازي باسمه الى المدير العام اللواء أشرف ريفي ورئيس فرع المعلومات المقدم وسام الحسن وكبار الضباط.
ونقل مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» الحاج وفيق صفا عن نصر الله قوله لريفي «هذه جريمة كبرى ونحن نشعر بأننا معا في هذا المصاب الوطني، وما استهداف المؤسسات الأمنية والعسكرية الا استهداف للسلم الأهلي الذي كنا وما زلنا نعتبره أحد ركائز حماية المقاومة ضد العدو الاسرائيلي».
وزار المديرية للغاية نفسها النائب سعد الحريري الذي أكد الوقوف وراء المؤسسات العسكرية والأمنية وقال إننا لن نسكت بعد الآن بل سنهجم سياسيا وسيدفع الجناة ثمن جرائمهم، فيما أبلغ النائب وليد جنبلاط وزير الداخلية وقيادة قوى الأمن في اتصالات هاتفية تضامنه معهم، وهو أمر أكدت عليه أيضا لجنة المتابعة لقوى الأكثرية وقيادات سياسية عدة من الأكثرية والمعارضة، سواء بالتصريحات أو بالاتصالات التي جرت مع اللواء ريفي.
وعلى الصعيد الخارجي، صدرت مواقف إدانة للجريمة من قبل مجلس الأمن الدولي الذي أعلن دعمه القوي لسيادة لبنان وتماسك أراضيه ووحدته واستقلاله السياسي، وأصدر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بيان إدانة من أوروبا. كما أدان الجريمة بشدة البيت الأبيض الذي قالت متحدثة باسمه إنه لا يمكن إعفاء سوريا من المسؤولية ولكن في الوقت نفسه «لست متأكدة من ذلك».
وفي كولومبيا، قالت وزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس، ردا على سؤال عن اغتيال عيد، ان لبنان «عانى طويلا من التدخلات الاجنبية» مضيفة ان «من السابق لاوانه» اتهام طرف بارتكاب هذا الاعتداء. وتابعت «لكن سبق ان شاهدنا هذا النوع من الامور في الماضي» منتقدة «النموذج العنيف» و«الترهيب» الذي يمارسه الذين دبروا الجريمة. وقالت رايس «ندعو مجددا جميع المعنيين، وهذا يعني الدول المجاورة للبنان على وجه الخصوص، الى ان يدعموا عملية في لبنان يمكن بموجبها لشعب لبنان ان ينتخب رئيسا... بحرية ومن دون ترهيب».
وأدانت الجريمة كل من موسكو ولندن وباريس وروما ومدريد وبرلين والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ومصر وسوريا وقطر بالاضافة الى المملكة العربية السعودية حيث شدد الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال استقباله، أمس، الرئيس فؤاد السنيورة، في الجنادرية، على وجوب توافق واتفاق اللبنانيين من أجل عدم اتاحة الفرصة لنجاح مخططات من لا يريد خيرا للبنان. وجدد دعم المملكة للمبادرة.
يذكر أن الرئيس السنيورة وقبيل عودته الى بيروت، مساء أمس، اصدر مذكرة قضت بإعلان الحداد الوطني اليوم.
على صعيد سياسي آخر، أجرى قائد الجيش العماد ميشال سليمان، أمس، اتصالات هاتفية بالرئيس السوري الدكتور بشار الاسد وبالقيادة العسكرية السورية. وقالت مصادر اطلعت على أجواء الاتصالات، ان المحادثة بين سليمان والأسد انما أكدت الثقة المتبادلة بين الجانبين والتي لم تهتز بالرغم من محاولة بعض الجهات الخارجية دق إسفين بينهما.
ووصفت المصادر أجواء الاتصال بين الأسد وسليمان بأنها كانت جيدة جدا وتركت ارتياحا لدى الجانبين خاصة أنهما على وعي كامل لمحاولات بعض الجهات الخارجية تخريب العلاقة.
وأشارت المصادر الى أن العماد سليمان باتصاله بالأسد واستمرار التنسيق الثابت والدائم بين الجيشين اللبناني والسوري والذي لم ينقطع في يوم من الأيام، انما يؤكد قناعته الراسخة بالعلاقات بين البلدين. وأكدت المصادر أن الجانب السوري لم يدخل مع العماد سليمان في تفاصيل الحلول المقترحة للأزمة اللبنانية لا سيما منها المبادرة العربية وأنه يترك للبنانيين تفاصيل تنفيذ الحلول على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.
وتزامن الاتصال مع نفي دولة قطر رسميا المعلومات التي سربتها بعض وسائل الإعلام اللبنانية بأن رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني قد «حمل للفرنسيين بطلب من سوريا أسماء جديدة لمرشحين للرئاسة اللبنانية بدلا من المرشح الحالي قائد الجيش ميشال سليمان».
وأكدت قطر استمرار التزامها بالمبادرة العربية، أي بترشيح سليمان. كما صدر توضيح لمصادر فرنسية في السياق نفسه ينفي أن تكون فرنسا قد تلقت اقتراحا قطريا بهذا الشأن وأكدت باريس استمرار دعمها لترشيح سليمان.

المصدر: السفير

  

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...