رسالة إلى مدير عام الإذاعة والتلفزيون حول الأغنية السورية

11-01-2007

رسالة إلى مدير عام الإذاعة والتلفزيون حول الأغنية السورية

الجمل  ـ أنور بدر:

 السيد ماجد حليمة المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون في سوريا:
قد لا يختلف اثنان حول تردي الأغنية السورية، والتي باتت بلا لون ولا طعم ولا رائحة- إن صح التعبير- حتى أن أي مستمع للأغنية العربية يمكنه الحديث عن أغنية لبنانية أو مصرية، عن أغنية عراقية أو خليجية، عن أغنية تونسية أو جزائرية... لكنه بالتأكيد لن يستطيع الحديث عن أغنية سورية، فلماذا؟
إذا اعتبرنا أن مكونات الأغنية هي الكلمات واللحن ثم الصوت والأداء، فسوف نكتشف أن هذه العناصر الأولية متوفرة في الساحة السورية، بل أن الكثير من المطربين العرب يتكئون على كلمات سورية، لعل أشهرها قصائد الشاعر نزار قباني، وبعضهم يتكىء أو يشدو بألحان سورية، وحتى في مجال الصوت والأداء فإننا لا نعدم كوكبة من الأصوات الجميلة والمهمة في مجالها، وقد اشتهرت خارج سورية، فخيري حمام معروف في تونس مثلاً أضعاف ما هو معروف في سورية.
وحتى لو أضفنا إلى لعبة الإنتاج في السنوات الأخيرة، إضافة للعناصر السابقة، عنصر التصوير أو ما يسمى الفيديو كليب، سنكتشف أنها لعبة متاحة للجميع، بل سوف نكتشف أن بعض المطربين العرب يلجأون للتصوير في سورية أو عبر شركات سورية لخفض تكاليف الإنتاج، وبعضهم يذهب بها إلى فرنسا أو هونولولو، لا بأس ما دام هذا العنصر لن يغير من هوية الأغنية.
وما دمنا ننفي وجود أزمة في العناصر الأولية لإنتاج الأغنية السورية، فإن هذا يفترض الانتقال لقراءة تلك الأزمة ضمن مزدوجة العلاقة ما بين الإنتاج والتوزيع حيث تكمن معادلة صناعة النجوم، وهي معادلة التسويق التي تتحكم بأي سلعة مادية أو ثقافية في هذا الزمن الذي يجري فيه تسليع كل شيء في حياتنا.
وأسجل بشيء من التقدير- للسيد حليمة- أنك اعترفت بأهمية موضوع الأغنية المحلية، في سياق حديثكم عن تطوير الأعلام السوري، صحيفة تشرين 11/12/2006، ووعدت بإيلائه كل عناية واهتمام، كما وعدت ببحث جوانب الأزمة التي تعاني منها تلك الأغنية، وصولاً على وضع الحلول المناسبة والملائمة لها، مكتفياً مبدئياً باستعادة برنامج "ليالي التلفزيون" بشكل شهري.
ونحن انطلاقاً من التسليم بجدية هواجسكم لتطوير الإعلام ودعم الأغنية المحلية، نقول كمساهمة في حوار يهدف لإخراج زير الأغنية السورية من بئر أزمتها العميق، أنها تحتاج إلى ما هو أكثر من برنامج شهري أو حتى أسبوعي، تحتاج إلى إعادة النظر بوظيفة الإعلام ومسؤوليته عن تطوير الأغنية السورية، متذكرين أن الإذاعة السورية كانت سباقة في النصف الأول من القرن الماضي لإطلاق العديد من الأصوات الجميلة على مستوى المنطقة العربية، لعل أهمها فيروز مثلاً، فلماذا تبدو هذه الإذاعة الآن وتوأمها التلفزيون السوري عاجزان عن إطلاق أصوات جديدة؟

لنعترف بأن آليات الإنتاج قد تطورت عما كانت عليه قبل نصف قرن من الزمان، ولنعترف بأن آليات التوزيع أيضاً قد تطورت في العقود الأخيرة، لكن الأهم من كل ذلك يكمن في الرؤية العامة لموضوع الأغنية والدراما والثقافة ككل، وأقصد الرؤية السياسية، بحيث نلحظ أن تأثير هذه الرؤية في تطوير الدراما السورية كان واضحاً على حساب كثير من المسائل كالمسرح وسواه، وحتى في حقل الأغنية، نجد تشجيعاً للون من الأغنية السورية الهابطة على حساب ألوان أجمل وأرقى من الأغاني، وهذا يحيل الموضوع برمته إلى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون التي تتبوأون إدارتها، باعتبارها الجهة المعنية برسم تلك الرؤية العامة نظرياً، ومعنية بتنفيذها عملياً.
لذلك نقول أن هذه الإذاعة ببرامجها المتنوعة والتلفزيون السوري بفضائيته وأرضيتيه الأولى والثانية، يغرقوننا كمستمعين وكمشاهدين بسيول كثيفة من الأغاني التي لا تليق بالإذاعة والتلفزيون السوري، ولا تليق أيضاً بالمستمع أو المشاهد السوري والعربي الذي نتوجه إليه. 
ولنعترف أنه رغم الانتشار الهائل في أشرطة الكاسيت وتسجيلات الـ(CD)، إلا أن التلفزيون  هو العامل الأساسي في نشر وتسويق الأغنية، وفي صناعة الدعاية والإعلان لها بما يكفل صناعة وتسويق نجوم الغناء لدينا. ولن تستطيع أقوى شركات الإنتاج الفني في العالم تسويق أغنية أو صوت دون البث الإذاعي والتلفزيوني والإعلان لها أيضاً. 
وهذا يعيدنا إلى مهرجان الأغنية السورية الذي يصرف عليه ملايين الليرات السورية، دون أن يقدم في دوراته الـ(11) المنصرمة صوتاً واحداً يستطيع أن يحجز لنفسه مساحة في عالم الغناء، بل نشاهد الآن في سورية أن بعض الأسماء المحلية التي فشلت في الوصول إلى اللقب الأخير ضمن برنامج(سوبر ستار) أو أشباهه على الفضائيات العربية، بدأت تكتشف مستمعين لها ومتابعين كشادي أسود أو شهد برمدا وسواهما. فيما الدورة الأخيرة من مهرجان الأغنية السورية والتي أحيلت إلى التلفزيون السوري، لم تترك أي صدى حتى تاريخه، رغم وجودك كمدير لهيئة الإذاعة والتلفزيون عضواً في اللجنة المشرفة على ذاك المهرجان.
من جهتنا لا ندعي امتلاك وصفة سحرية لحل الأزمة، لكن يمكن لنا كمساهمة في الحوار أن نسجل بعض الملاحظات: 
1- يبقى التلفزيون  لدينا هو الجهة الإنتاجية الأساسية،  دون أن يعني ذلك إلغاء للقطاع الخاص أو للشركات الخاصة، فكما يحرص التلفزيون على إنتاج دراما منافسة لإنتاج الشركات الخاصة، عليه أن يحرص على إنتاج أغاني منافسة أيضاً، وأن لا يقتصر نشاطه على تسجيلات الأغاني الوطنية أو الشعبية، خاصة تلك التي لا تتمتع بقدرة تنافسية أو بسوية فنية لائقة.
2- المسألة الأخرى المهمة، هي وجود كم من الأصوات المتميزة في سورية، من خريجي المعهد العالي للموسيقى، اختصاص غناء، أو من خارج المعهد، بعضهم حاصل على جوائز عالمية أو تصنيفات متقدمة دولياً وعربياً في هذا الحقل، نذكر منهم على سبيل المثال: لينا شاماميان، لبانة قنطار، ليندا بيطار، وعد بوحسون، سيلفي سليمان، ميرنا قسيس، شمس إسماعيل.... وما لا يقل عنهنّ من الأصوات الذكورية الشابة، لكننا لا نلتقي بهم إلا في حفلات خاصة جداً ضمن المركز الثقافي الفرنسي أو في دار الأوبرا أحياناً.
فأين التلفزيون السوري من هذه الأسماء؟ لماذا لا يجري الاهتمام بها وتسويقها محلياً وعربياً؟ لماذا لا ننتج أغاني لهذه الطاقات الصوتية المثقفة والأكاديمية؟ لماذا لا يبث التلفزيون السوري- بشكل دوري أو متقطع- الحفلات التي سجلت لأصحاب هذه الأصوات؟وأخيراً لماذا نصرف الملايين على مهرجان الأغنية السورية على أمل أن نكتشف صوتاً جميلاً، ونتجاهل تلك الأصوات المتميزة؟
3- كذلك لدينا أصوات مهمة ومطربين كبار يجري تجاهلهم من قبل التلفزيون السوري، فكم مرة في الشهر نستمتع بصوت صباح فخري مثلا؟ ومن من طلاب الجامعة يميز مثلاً بين شادي جميل وخيري حمام؟ ولماذا تحتفي دار الأوبرا المصري بالفنان الكبير صفوان بهلوان بينما لم يظهر على الشاشة السورية منذ سنوات طويلة؟ ولماذا يتجاهل التلفزيون السوري رحيل شيخ المطربين العرب صبري مدلل منذ أشهر؟ ولماذا تجاهل الإعلام السوري رحيل مطربة مهمة بقامة ربا الجمال، ويصّر على عدم تقديم أغانيها أو حفلاتها؟
4- في سورية إضافة لكل ذلك, عدد من الفرق الفنية الهامة لا نسمع بها إلا في حفلات خاصة جداً، كفرقة قدري دلال في حلب، أو فرقة شيوخ سلاطين الطرب، وهي فرق لها حضور متميز على صعيد معهد العالم العربي في باريس، أو في دول المغرب العربي، ولها تسجيلات في التلفزيون السوري، لكنها موجودة للحفظ في الأرشيف على ما اعتقد, وليس للاستفادة منها كثروة وطنية،ومن من المشاهدين  يعرف فرقة "قوس قزح" ؟ ومن منهم يميّز ما قدمته من تلوينات على الأغاني الأصلية وبتوزيع موسيقي رائع؟ ومن منا يعرف تلك المنوعات الخفيفة التي شكلت علامة فارقة وجيدة في إمكانية التعامل مع هذا اللون الغنائي؟ ولماذا لا تقدم في برامج المنوعات التي يحفل التلفزيون السوري بها؟
5- المشكلة إذاًَ ليست في الأغنية السورية، بل في تسويق الأغنية السورية، وهذه مهمة التلفزيون السوري أولاً وأخيراً،ونحن نقترح في هذا الصدد إعادة النظر أولاً بسوية الأغاني المنتجة في التلفزيون، لصالح أصوات متميزة اشرنا لبعضها.  ونقترح ثانياً إعادة النظر ببرامج المنوعات مع التركيز على الأغنية السورية الراقية والمتميزة، وإعادة تقديم التسجيلات والحفلات المصورة لصالح التلفزيون بشكل دوري، ضمن هذه البرامج، وكفواصل غنائية فيما بين البرامج.
الاقتراح الأخير في وضع خطة لتسويق هذه الأغاني، ليس عبر الشاشة السورية فقط. بل عبر الفضائيات العربية، ضمن خطة لتبادل التسجيلات والأغاني، وكلي ّ ثقة أن الأغنية السورية قادرة على أن تنافس عربيا، وأن تصنع تميزها ونجاحها في حال توفر الدعم والرعاية الذي تستحقه.

 

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...