أوروبا: «جهاديو» سوريا تهديد رئيسي لنا تنسيق دولي لمواجهتهم وحملة دعائية ضدهم

07-12-2013

أوروبا: «جهاديو» سوريا تهديد رئيسي لنا تنسيق دولي لمواجهتهم وحملة دعائية ضدهم

الجهاديون الغربيون مصنفون على أنهم «تهديد رئيسي» لبلدانهم. هذه الظاهرة تشغل الأجهزة الأمنية، وفي أوروبا أصبحت من أوليات الاستخبارات. هذا ما يعلنه مسؤول أوروبي عن مكافحة الإرهاب. يتحدث عن ظاهرة «معقدة»، مطالباً الدول الأوروبية بالعمل أكثر على الاحتياط لها. لا يخفي أن تطويقها يشكل تحدياً لقدراتهم الأمنية، ويجب لهذا تكثيف التعاون مع دول المنطقة. هذا التوجس دفع للإعلان عن تنسيق دولي، ومنه منصة تعمل بمبادرة أوروبية.مسلحون يستعدون لإطلاق قذيفة هاون في حي بستان الباشا في حلب أمس (رويترز)
هذه القضية تصدرت اجتماع وزراء الداخلية الأوروبيين، الذي اختتم أمس في بروكسل.  حصلنا على تقرير داخلي تسلمه الوزراء، وأعده المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دي كيرشوف. التقرير تم تسطيره بخلاصة تقول إن «المقاتلين الأجانب الذين ينتقلون إلى سوريا يشكلون تهديداً أمنياً رئيسياً للاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء».
التقرير يوضح أن الجهود المبذولة «غير كافية»، على الرغم من «العمل الكثير» الذي تم. طالب كيرشوف ببذل جهود أكبر، في مجال الرصد والتعقب عبر الانترنت والملاحقة القضائية. يوصي أيضا بزيادة التعاون مع دول المنطقة. يذكر خصوصاً تركيا، ويعتبرها أولوية، ويطالب بتوفير المساعدة لأنقرة في مراقبة حدودها ومطاراتها.
طلب المزيد من العمل، يفسره بيان الوضع الجاري كما أورده تقرير منسق مكافحة الإرهاب: «أعداد الجهاديين تتزايد. أول العائدين رجعوا، وهناك حالات لأفراد يواصلون السفر ذهاباً وإياباً. لذلك يجب تسريع الجهود».
المقصود بهذه الجهود 22 توصية، سلمها كيرشوف للدول الأوروبية في حزيران الماضي، وقيم مكتب مكافحة الإرهاب ما أنجز فيها.
ولا يكاد يُذكر مجال يمكن العمل عليه إلا وتليه سلسلة عقبات وصعوبات. هذا ما ظهر جلياً في حديث مسؤول رفيع المستوى في الدائرة الأوروبية لمكافحة الإرهاب، قدم إفادة لبعض الوسائل الإعلامية كانت بينها . طلب عدم الكشف عن هويته، ولخص عمل الأشهر الماضية بالقول «نحتاج إلى معلومات أكثر، وإلى تحليل أوسع للظاهرة لأنها معقدة. الأعداد تتزايد بشكل متواصل».
قال إن رصد كل شخص يحتاج 20 أمنياً، موضحاً أن «هذا أحياناً خارج قدراتنا الأمنية». تحدث عن سهولة الانضمام للقتال في سوريا، فهو لا يكلف أحياناً سوى تذكرة طائرة رخيصة إلى تركيا، لا تكلف مرات أكثر من 50 دولاراً. قبل ذلك، وفي حال تم رصد المتأهبين للسفر، لا يمكن التحديد بدقة إن كان «الجهاد» وجهتهم. والمشكلة تتعلق أيضاً بأي الفصائل سيلتحقون. إذ عملياً لا يمكن للملاحقة القضائية أن تنطلق من دون أدلة على الاتصال بمنظمات تعدّ «إرهابية». هنا تحضر مشكلة تواجه الأوروبيين في تصنيف مجموعات المعارضة السورية: من هو «الجيش الحر» ومن هم المتشددون المرتبطون بتنظيم «القاعدة».
الأوروبيون هنا محرجون لأنهم يدعمون «الجيش الحر»، لهذا يرجح المسؤول الأوروبي فوائد إدخال تعديلات على التشريعات الأوروبية الإطارية، واعتبار أن «الذهاب للجهاد بحد ذاته جريمة قانونية». هذا بتقديره «ربما سيساعد الوكالات الأوروبية ويساعد العملية القضائية».
وفق الأطر القانونية الحالية، مسألة إيقاف «الجهادي» قبل سفره صعبة جداً. لكن التحدي والجهد يجب أن ينصبّا على جمع الأدلة، كي يمكن إيقاف «الجهاديين» وتحويلهم للمسار القضائي حال عودتهم. يتحدث المصدر عن عنصر غير مسبوق هنا، ويقول عما يجري في سوريا «إنها أول حرب يوتيوب نشهدها في التاريخ». برأيه هذه الوسيلة يجب أن تستثمر لجمع الأدلة أيضاً.
لكن حتى مع أدلة كهذه تبدو الإدانة غير مضمونة. مثال: ما حدث مع واحد من أشهر الجهاديين البلجيكيين، كما نشرتها صحف هنا. الشاب ياييون، الذي لحق به والده بعدما أعلن أن مجموعات متشددة تحتجزه وتمنع عودته. تمكن الشاب من العودة، لكنه قال للمحققين إنه كان يقاتل مع «الجيش الحر». عندما عرض عليه المحققون فيديو «يوتيوب»، يظهر فيه مع مجموعة متشددة، قال إن الشخص الذي يشيرون إليه ليس هو. حاصروه وقالوا له «والدك قال إنك أنت من يظهر»، عندما أطلق مناشدة للبحث عن ابنه وإنقاذه. رغم ذلك رفض الاعتراف.
تعقيد الظاهرة يكمن أيضاً في مجاهيل أفقها: ماذا سيحدث، وإذا حدث فكيف؟ يوجز مسؤول مكافحة الإرهاب التهديد كالتالي :«لا أريد أن أقول إنه صار لدينا الآن ألفا إرهابي، لكن العائدين سيكونون مدربين أكثر على القتال واستخدام الأسلحة. سيكون لديهم دائرة اتصالات واسعة، من اليمن إلى باكستان». جانب من المجهول يكمن هنا أيضاً، كما يوضح. فهؤلاء العائدون سيكون لديهم دائرة صداقات مع أشخاص شغلهم في الحياة هو «الجهاد». هذه حالة تهديد ستكون معيشة وقابلة للتطور.
من هنا يأتي تحول الظاهرة إلى هاجس دولي. المسؤول الأوروبي قال إنه حضر مؤخراً اجتماعاً لقيادات أمنية أوروبية «وكان هذا الموضوع على رأس أوّلياتهم». زار الولايات المتحدة قبل أسبوعين: «التقيت مسؤولين أمنيين، ورأيت أن هناك قلقاً عاماً». شرقاً، سافر إلى البوسنة والهرسك: «فوجئت بحجم المعلومات التي لديهم عن المقاتلين الأجانب، رأيت أنهم مصممون ويعملون بشكل مكثف على موضوع الوقاية». روسيا أيضاً تتحدث إلى الأوروبيين عن خطر عليها يمثله «مقاتلو القوقاز».
ينقل المسؤول الأوروبي رضى الأجهزة الأمنية الغربية عن التعاون مع تركيا. رفض التعليق على خبر إعادة أنقرة أكثر من ألف «جهادي» إلى أوروبا. التعاون يجب برأيه أن يشمل أيضاً دول الخليج، حيث «أحد أهم مصادر التمويل» للمعارضة المسلحة. قال المسؤول الأوروبي إنه يجب العمل أكثر مع السعودية وقطر، خصوصاً كي يصل لهم أن «إطلاق الدعوات للجهاد ليست فكرة جيدة». ذكر أيضاً رئيس الاتحاد الدولي للعلماء المسلمين يوسف القرضاوي، والانزعاج الأوروبي من ظهوراته التلفزيونية الداعية إلى «الجهاد».
ازدياد القلق من تهديد «الجهاديين» الغربيين، ربما يفسر الأخبار التي تتحدث عن طرق الأجهزة الأمنية الغربية لأبواب دمشق طلباً لتعاونها. بعد كل الضجيج الإعلامي والرسمي حول هذه الظاهرة، يرى الأمنيون عملا إرهابياً باعتباره كابوساً حقيقياً. حدث كهذا سيعتبر فشلا أمنياً، خصوصاً في مجتمعات تعيش بسلام. الرأي العام لن يتسامح مع ذلك، والقضية تهدد أيضاً بإطاحة رؤوس أمنية، إن لم يكن حكومات. لكن المسؤول الاوروبي لم يتطرق إلى قضية التعاون الامني مع دمشق. وعندما سألناه  إن كانوا يتعاونون مع «الجيش الحر»، قال إن «الجيش الحر يقاتل المجموعات المتطرفة أكثر مما يقاتل الجيش السوري».
أحد المشاكل الأساسية التي يواجهها الأوروبيون في تعقب «الجهاديين»، هي قلة المعلومات حول سجلات السفر. فالبرلمان الأوروبي جمد اتفاقات دولية، تحديداً مع الولايات المتحدة. بعد فضيحة التجسس اعتبر المشرعون الأوروبيون أن تبادل بيانات المسافرين يهدد الخصوصية. لكن ذلك بحسب مسؤول مكافحة الإرهاب يجعل الأجهزة الأوروبية «الأداة الأفضل» للتعقب.
ولتجاوز هذه المشكلة، أطلقت في إطار غير رسمي منصة دولية للتنسيق وتبادل كل المعلومات عن الظاهرة. المقصود هو المبادرة التي تحدثت عنها بلجيكا وفرنسا، وأطلقت بجهود من الأولى. وزيرة الداخلية البلجيكية جويل ملكيه، كانت سباقة في التحرك لمواجهة تهديد «الجهاديين». في بلادها أطلقت فريق عمل خاصاً بين الشرطة والاستخبارات، للرصد والتحويل الى القضاء. على نفس المنوال، باتت المنصة الدولية تضم 10 دول أوروبية، إضافة للولايات المتحدة واستراليا وكندا.
التقديرات تتحدث عن تضاعف عدد «الجهاديين» الأوروبيين، فباتت أعدادهم تتراوح بين 1500 و2000. وتقول الوزيرة البلجيكية  متحدثة عن خطورة الظاهرة: «نحن جميعاً مشغولون بهذه القضية، وكل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تواجه المشكلة نفسها». وتضيف «نحن بحاجة إلى المزيد من التنسيق عبر استجابة مشتركة، علماً أنه الآن هناك وجود متزايد من تنظيم القاعدة والمجموعات المرتبطة بها».
هذه المنصة الدولية شهدت ثالث اجتماع لها يوم الأربعاء، وملكيه تتحدث لنا عن ضرورة توسيعها، وتذكر تحديداً لبنان وتركيا، وتقول «ننوي دعوة لبنان إلى الاجتماع المقبل».
مجموعة التنسيق الدولية هذه ستجتمع قريباً أيضاً بكبار الشركات الأميركية المزودة لخدمات الانترنت. لكن ثمة مشكلة هنا تتعلق بهامش «التطرف» بين المعايير الأوروبية والأميركية، فالأخيرة متساهلة أكثر تحت عنوان «حماية حرية التعبير».
ومن التوصيات التي يذكرها تقرير مكافحة الإرهاب الأوروبي، ضرورة تطوير «مكافحة فعالة أكثر لاستخدام الانترنت والميديا الاجتماعية لأغراض نشر التطرف والتجنيد»، ويضيف أنه «يجب أن تعمل الحكومات والقطاع الخاص لمكافحة وإزالة المحتوى الترويجي الذي يحمل رسالة إيجابية (حول الجهاد)».
ولا يتردد المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب في الذهاب أبعد من ذلك، موصياً بإطلاق حملة دعائية ضد الظاهرة، إذ يقول في تقريره :«يجب علينا وضع جهود إضافية لاستغلال القصص ولإبراز تجارب خيبة أمل المقاتلين الأجانب العائدين إلى أوطانهم».

وسيم إبراهيم

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...