الأهداف الأولى التي حققتها جريمة اغتيال الجميل
الجمل : لدى القراءة الأولية لتداعيات جريمة اغتيال وزير الصناعة اللبناني بيار الجميل، يبدو واضحاً أن عدة أهداف فورية قد تحققت ، أولها كان تعطيل أو تأجيل خطة نزول المعارضة وحزب الله الى الشارع بهدف إسقاط حكومة فؤاد السنيورة، وهو ما يوجه الأنظار نحو أطراف لها مصلحة في استغلال الجريمة لحرف مجرى الأحداث، بعدما سجلت تراجعاً كبيراً بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز الماضي، باعتراف أحد زعماء "الأكثرية "وليد جنبلاط على طاولة التشاور لدى قوله لممثل حزب الله ، بأن تيار وحزب الله تقدم وتيار 14 آذار تراجع.
أما الهدف الثاني فيتمثل بوضوح في إقصاء شاب مثل بيار الجميل كشخصية مسيحية قد تنافس على رئاسة الجمهورية في المدى المنظور، إذ أن ثمة طرف مسيحي يسعى أو يتمنى إفراغ الساحة المسيحية من منافسيه الأشداء. لتزيد فرصه بالوصول الى رئاسة الجمهورية، والتي تبدو أنها ما تزال ضئيلة رغم عمليات التلميع التي تسهم بها بشكل رئيسي وسائل الإعلام السعودية.
ويمكن القول أن جريمة الاغتيال حققت عدة أهداف فورية ملموسة:
1 ـ إعادة الزخم لشارع قوى 14 آذار الذي تراجع كثيراً .
2 ـ تعطيل خطة المعارضة وحزب الله لإسقاط الحكومة واختطاف الشارع إذ تم الإعلان عن التظاهر اليوم الخميس .
3 ـ وهو الأهم: تمرير قرار المحكمة الدولية "موضوع الانقسام والاختلاف بين الأقطاب اللبنانية" وقد تمت الموافقة عليه في مجلس الأمن بعد ساعات من الاغتيال، علماً أن المعارضة كانت تهدف من إسقاط الحكومة تعطيل قرار المحكمة الدولية لأن فيه بنودا خطيرة تؤدي الى تكريس الهيمنة والتدخل في لبنان ، وبإقراره تكون قوى 14 آذار قد حققت هدفها بالاستفادة من أجواء الاغتيال.
4 ـ توجيه ضربة الى محاولات إعادة الحوار المباشر بين واشنطن ودمشق ، فقد نفذت الجريمة في الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية السوري وليد المعلم في بغداد يعلن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد انقطاع ربع قرن ، ووسط ترحيب أمريكي ودولي، وجاءت جريمة الاغتيال ، لتتم إعادة سوريا إلى قفص الاتهام ، وفوراً تجاوب الرئيس الأمريكي وصرح بأن سوريا تعمل على زعزعة الاستقرار في لبنان وطالب بدعم حكومة السنيورة، كما دفعت كل من أمريكا وفرنسا نحو توسيع مهام لجنة التحقيق الدولية لتشمل اغتيال الجميل ، وتوجيه الاتهام لسوريا .
تلك المعطيات تشير الى المسؤول ـ مع الانتباه ان المسؤولية لا تعني بالضرورة الضلوع بالتدبير والتنفيذ ـ عن الاغتيال، إذا اعتبرنا التحليل السابق ينطوي على بعض الصحة فإن المسؤول هو بعض الأطراف في قوى 14 آذار لأنها الجهة المستفيدة أو المستغلة للحدث، كما أن السلطة بيدهم ومسؤولية الأمن ملقاة على عاتقهم، والجريمة وقعت في المتن على اتوستراد سن الفيل الجديدة أي منطقة فيها تمركز كثيف للقوات اللبنانية ،كما أن كل طرف من الأطراف السياسية اللبنانية يضرب حول منطقته طوقاً أمنياً مشدداً ، وعدا كل ذلك فإن بيار الجميل كان يتخذ كافة الاحتياطات الأمنية اللازمة ، من حيث استخدامه لسيارة كيا للتمويه، لذا فإن منفذ العملية كان في وضع مريح للغاية ، إذ تمت العملية بوضح النهار ، وكان الجناة مكشوفي الوجوه !! بالإضافة الى تصويبهم الرصاص الى بيار دون أن يصاب مرافقه الذي يجلس خلفه بأذى ، كل تلك المعطيات تشير الى الجهة التي دبرت الجريمة. كما تلقي جزءا كبيرا من المسؤولية على عاتق قوى 14 آذار الذين لم ينتظروا ليبرد دم بيار الجميل "على الأقل مراعاة لمشاعر أهله والمفجوعين به" وسارعوا للإعلان فوراً عن تمسكهم بتمرير مشروع المحكمة الدولية فكانت تصريحات الحريري ـ جنبلاط ـ السنيورة ـ ومن ثم بيان 14 آذار ، جميعها تركز على المحكمة الدولية بدل إدانة الجريمة وتحديد مسؤوليات الأجهزة الأمنية، فكانت أول كلمة لجنبلاط قبل تعزيته لأمين الجميل :"المحكمة الدولية آتية آتية" وكذلك السنيورة الذي قال "أن الاغتيال يزيدنا إصراراً على قرار المحكمة الدولية".
أما رد الفعل الذي صدر عن سعد الحريري فيمكن القول أنه كان فضيحة بكل معنى الكلمة، فالارتباك الذي اعتراه أثناء المؤتمر الصحفي فسر من قبل كثيرين بأنه كان ينتظر وقوع حدث ما، وعندما تم تبليغه ابتسم قبل أن يعلن إنهاء المؤتمر ، ومن ثم عاد ليعلن أن سوريا هي التي قامت بالاغتيال، فلم تكن الحبكة موفقة ولا مقنعة بل كثر لم يتمكنوا من هضمها، وقد سمعنا هذه الملاحظات من أكثر من شخص كان يتابع المؤتمر الصحفي لسعد الحريري. ثم جاء تركيز قناة الجزيرة على تكرار بث اللحظات التي تلقى فيها سعد الحريري النبأ كرست الشك والريبة بتصرفاته. بالإضافة إلى توجيهه الاتهام فوراً إلى سوريا، مع أي محلل سياسي مبتدئ لا بد أن يستبعد هذا الاحتمال لأن سوريا تخوض عملية دبلوماسية في غاية الدقة ، وكادت تقترب من تحقيق أهدافها، على صعيد الملفين العراقي والفلسطيني وأيضاً ملف الحوار مع أمريكا، إذ مكث وزير الخارجية السوري عدة أيام في بغداد من أجل هذه الغاية، ولدراسة الدور السوري الممكن تأديته في العراق ، كما نشطت الدبلوماسية الفلسطينية باتجاه دمشق لبحث موضوع حكومة التوافق الوطني ، وبالتالي أي عمل مثل اغتيال بيار الجميل من شأنه تعكير أجواء العمل الدبلوماسي إن لم يكن تخريبها ، و سوريا في هذه الفترة بحاجة لهدوء يمكنها من الحصول على مقابل يتلاءم وحجم ما تقدمه، وأي خلل أو تدهور أمني على الساحة اللبنانية لا شك سنعكس سلباً على العمل الدبلوماسي، من هنا فإن اتهام سوريا باغتيال بيار الجميل ، يعتبر تسييساً يجافي المنطق . ومع ذلك فهو لم يفاجئ السوريين بل كان متوقعاً ، كما كان متوقعاً أن يخرج جنبلاط ليدلي هو الآخر بدلوه بكيل الاتهامات لسوريا ، التي أصبحت نمطية وممجوجة الى درجة تثير الاشمئزاز.
الجمل قسم الدراسات
إضافة تعليق جديد