مفاعيل التعبئة الإسرائيلية ونواياها تجاه سوريا ولبنان

29-04-2010

مفاعيل التعبئة الإسرائيلية ونواياها تجاه سوريا ولبنان

الجمل: تحدثت مؤخرا العديد من الأوساط المحلية والإقليمية والدولية المرموقة عن التوقعات باحتمالات اندلاع مواجهة عسكرية كبرى في منطقة الشرق الأوسط, وبرغم أن مثل هذه الأحاديث لم تعد جديدة بالنسبة لمجريات الواقع الذي تعيشه المنطقة, فإن هذه الأحاديث وتوقعاتها على خلفية وجود الكثير من مفاعيل التعبئة العسكرية والسياسية الضاغطة, تتطلب المزيد من عمليات الفحص والتدقيق المستمرة: ما هي طبيعة وخلفيات هذه التوقعات وإلى أي مدى يمكن تشريحها وفحصها بشكل دقيق يوضح اليقين واللايقين؟

السياق الأمني الكلي الشرق أوسطي: بؤر النزاعات المتجددة
عند تحليل متغير السياق الأمني الكلي الشرق أوسطي نلاحظ وجود علاقة متبادلة بينه وبين متغير بؤر النزاعات الشرق أوسطية, وذلك بما يجعلنا نصل إلى الإشكالية الآتية: هل تغزي بؤر النزاعات الصراع الكلي, أم أن الصراع الكلي هو الذي يغذي هذه البؤر, خاصة وأننا نجد أن الأطراف المغذية موجودة وناشطة من خلال ممارسة حضورها القوي على المستويين الكلي والجزئي وبتحديد أوضح تلعب أميركا وإسرائيل دورا كبيرا في توجيه الوضع الكلي للصراع بما يؤدي إلى تغذية بؤر الصراع الجزئية, وبنفس الوقت فإن أميركا وإسرائيل تقومان بتصعيد توترات هذه البؤر الجزئية ودفعها باتجاه التصعيد وتوتير الوضع الكلي, هذا وعلى سبيل المثال لا الحصر نشير إلى المكونات الجزئية الآتية وأداءها السلوكي خلال الفترة الحالية:
- ملف النزاع حول الجولان: تصاعد هذا الملف بقيام إسرائيل باحتلال الجولان وإعلان ضمها القسري لإسرائيل, ثم تصاعالشرق الأوسطد أكثر فأكثر بسبب التعنت الإسرائلي في مفاوضات استرداد سوريا للجولان ثم تصاعد هذا الملف أكثر فأكثر بسبب رفض الإسرائيليين الاستمرار في المفاوضات, ثم أكثر فأكثر بسبب سعي الإسرائيليين إلى فرض الشروط الجديدة التي تهدف لإسقاط حق سوريا في الجولان, ثم تصاعد بما شمل بعض الأطراف الإقليمية الأخرى التي لم تكن طرفا في الصراع مثل تركيا والتي وجدت نفسها مضطرة لمباشرة حضورها كبلد شرق أوسطي ملتزم بتحمل المسئولية عن تحقيق أمن واستقرار المنطقة الأمر الذي أدى إلى الصدام السياسي بين طرفي خط علاقات أنقرا-تل أبيب.
- ملف النزاع حول الأراضي الفلسطينية: وهو ملف أصبح حافلا بالمزيد من الملفات الفرعية ذات القابلية للانشطار بدورها إلى ملفات فرعية أخرى وكلما مرت الأيام كلما سعت تل أبيب إلى بناء ملف نزاع فرعي جديد وإذا تتبعنا تسلسل هذه الملفات التي يصعب حصرها هنا ولكن آخرها يتمثل في ملف تهويد القدس وملف طرد الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية وليست هي الأراضي التي توجد داخل إسرائيل وإنما أراضي سبق وأن اعترفت بها أميركا وإٍسرائيل باعتبارها الأراضي الفلسطينية: الضفة الغربية وقطاع غزة.
- ملف النزاع اللبناني-الإسرائيلي: حتى قبل بضعة أعوام كان ملف هذا النزاع يتضمن المواجهات الإسرائيلية اللبنانية المتعلقة بوجود وتمركز حركات المقاومة المسلحة في الأراضي اللبنانية, ولكنه وتحديدا خيار الخمسة أعوام الماضية تفرغ إلى العديد من الملفات الفرعية مثل: أسلحة حزب الله والمقاومة اللبنانية, شبكة اتصالات حزب الله, المؤسسات السياسية اللبنانية, وظيفة ودور الجيش اللبناني, العلاقات البينية الطائفية-السياسية اللبنانية- وهلمجرا.
وجميع النقاط المشار إليها في هذه الملفات وغيرها, تسعى حاليا إسرائيل والولايات المتحدة إلى استخدامها لجهة إدارة دواليب مفاعيل الازمة في منطقة الشرق الأوسط وفق ما يحلو لها, فهي تديرها باتجاه التصعيد والتوتر عندما تقتضي مصالحها بذلك وأيضا باتجاه التنفيس والتهدئة عندما يكون التصعيد في غير مصلحتها.

القراءة في خطوط سيناريو الأزمة الأخيرة
شهدت الساحة السياسية الشرق أوسطية, وتحديدا في الاتجاه الاستراتيجي المطل على الحدود الشمالية الإسرائيلية (سوريا ولبنان), والاتجاه الاستراتيجي الأوسط المطل على وسط إسرائيل "الضفة الغربية" الحركيات الآتية:

• التعبئة السلبية الإسرائيلية الفاعلة ضد سوريا ولبنان: وتضمنت اتهام سوريا بتقديم صواريخ سكود المتطورة والعتاد العسكري المتطور لحزب الله اللبناني واليوم ظهرت المزيد من الاتهامات القائلة بأن سوريا قد زودت حزب الله اللبناني بالأسلحة الكيماوية بما جعل من حزب الله اللبناني قادرا على محو إسرائيل من الوجود.
• التعبئة السلبية الإسرائيلية الفاعلة ضد الفلسطينيين: تضمنت اتهام الفلسطينيين بعدم الجدية والرغبة في مفاوضات السلام, إضافة إلى التمادي في عمليات استهداف استقرار أمن وحياة الإسرائيليين.
تزامنت عمليات التعبئة السلبية الفاعلة هذه بالتحركات الإسرائيلية الآتية:
• توسيع نطاق بناء وحجم المستوطنات الإسرائيلية.
• تهويد المكونات الإسلامية الرئيسية والتي بدأت بعملية تهويد الحرم الإبراهيمي وحاليا تهويد القدس بما أدى إلى جعل المسجد الأقصى نفسه يقع تحت دائرة استهداف التهويد على المدى القريب.
تزامن عمليات التعبئة الإسرائيلية السلبية الفاعلة ضد سوريا ولبنان وضد الفلسطينيين, مع تطورات عملية التهويد الجارية داخل إسرائيل, هو تزامن يمكن التأسيس عليه لجهة احتمالات الآتي:
1- أن يكون هذا التزامن يهدف إلى التغطية وتحويل الانتباه, بحيث تتحول جهود الفلسطينيين من جهة باتجاه التركيز على مشكلة الترحيل والطرد من الأراضي الفلسطينية, بما يؤدي من جهة أخرى إلى جعل عمليات تهويد القدس والمقدسات الإسلامية الفلسطنية أمرا واقعا.
2- أن يكون هذا التزامن يهدف إلى فرض عملية شد الأطراف بحيث تتم من جهة عملية انشغال السوريين واللبنانيين بكيفية مواجهة الخطر العسكري الإسرائيلي المحتمل, ويؤدي من الجهة الأخرى إلى انفصام الارتباط بين ما يحدث داخل إسرائيل من عمليات تهويد, وردود أفعال الرأي العام السوري واللبناني وبالتالي الرأي العام العربي والإسلامي.
3- أن يكون الهدف الفعلي من هذا التزامن هو إشعال الحرب, بما يتيح لإسرائيل تحقيق العديد من الأهداف الداخلية والخارجية والتي يأتي في مقدمتها هدف استعادة قوة الردع الإسرائيلية. وهدف إضعاف حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية.

 

القراءة في خطوط سيناريو الأزمة الشرق أوسطية بشكلها الجاري حاليا تشير إلى تداخل وتقاطع كل هذه الخطوط ضمن حلقات ودوائر أمنية-سياسية يفضي كل واحد منها إلى الآخر. ماذا تريد إسرائيل؟
في معرض الإجابة على هذا السؤال تتزايد الإجابات الفرعية, فمن المفروغ منه أن إسرائيل تريد السيطرة على أراضي الغير, وإكمال عمليات التهويد, والقضاء على أي احتمالات لنشوء المقاومة, وما شابه ذلك, ولكن وبتحديد أوضح يمكن الإشارة إلى الأهداف النوعية الإسرائيلية الجديدة الآتية:
• توريط أميركا في منطقة شرق المتوسط, وذلك بما يؤدي بدوره إلى تأجيل خروج القوات الأميركية من العراق.
• إفراز المزيد من مصادر الخطر الجديدة, بما يتيح لإسرائيل الحصول على المزيد من القدرات ومبررات ابتزاز أميركا وحلفاءها الغربيين.
• إحداث المزيد منم النقلات النوعية في عملية التطبيع مع البلدان العربية وعلى وجه الخصوص السعودية وبلدان الخليج.
تشير آخر المعلومات الصادرة اليوم على الموقع الالكتروني الخاص بمعهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب إلى وجود مشروع إسرائيلي باتجاه دعم السعودية من أجل بناء القدرات النووية بما يتيح لها موازنة القدرات النووية الإيرانية, وإضافة لذلك من غير المعروف إذا كانت هذه القدرات النووية سوف تكون قدرات نووية سعودية حقيقية, أم قدرات نووية أميركية إسرائيلية يتم نشرها في السعودية بموجب اتفاقيات أمنية خاصة, ونلاحظ أن ما تم نشره اليوم على الموقع الإلكتروني الخاص بمعهد دراسات الأمن القومي أبرز ما فيه يتمثل بأن فكرة التعايش مع إيران النووية قد أصبحت على ما يبدو مقبولة لدى الإسرائيليين وبالتالي فقد أصبح العقل الاستراتيجي الأمني الإسرائيلي أكثر اهتماما بتوظيف مفهوم إيران النووية لجهة تحقيق المزيد من المكاسب وفتح نوافذ الفرص والتي في مقدمتها تعظيم المنافع لجهة المضي قدما في مشروع التطبيع الإسرائيلي السعودي الخليجي, وتقليل المخاطر من جهة أخرى عن طريق الضغط من أجل فصم العلاقة والروابط بين أطراف مربع سوريا-حزب الله-المقاومة الفلسطينية-إيران, وعموما لا نتوقع اندلاع مواجهة عسكرية في المنطقة, ولكن, ما هو أكثر احتمالا يتمثل في اندلاع مواجهة دبلوماسية مرتفعة الشدة, حول المنطقة, وهي المواجهة التي بدأت نذرها بالفعل بعد التصريحات الأخيرة المتعلقة بحملة بناء الذرائع الجديدة حول موضوع صواريخ سكود. فهل يا ترى سوف يفضي مسار هذه الأزمة إلى تفعيل أزمة داخلية لبنانية حول أسلحة حزب الله والمقاومة بما يؤدي إلى إشعال الساحة السياسية اللبنانية من جديد, أم أن الأمر سوف يؤدي إلى جولة قرارات دولية جديدة تستهدف سورية ولبنان وأيضا إيران!! 
 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...