محارق النفايات الطبية في سورية

30-01-2007

محارق النفايات الطبية في سورية

في الوقت الذي تتجه فيه دول العالم الى الحد من استخدام المحارق الطبية بسبب نشرها غاز (الديوكسين المسرطن), وبالرغم من معارضة وزارتي البيئة والصحة اللجوء الى هذه الطريقة للتخلص من النفايات الطبية, إلاّ ان أربعة محارق جديدة وصلت البلاد كجزء من دفعة جديدة, هذا ما أظهره مسح قامت به صحيفة الثورة.‏

المحارق الجديدة تم تركيبها في: مكب النفايات الرئيسي في دمشق, والمشفى العمالي المركزي في حرستا (البيروني حالياً), مشفى الشهيد ابراهيم نعامة في جبلة, ومشفى الحفة, كما كشفت وزارة الإدارة المحلية في العام 2005 عن خطتها للسنوات القادمة التي تتضمن شراء أربعة محارق كبرى ومركزية في (دمشق وحلب وحمص ومنطقة اللاذقية وطرطوس).‏

ومع تعارض هذه الإجراءات مع متطلبات منظمة الصحة العالمية التي دعت للحد من استعمال المحارق, فقد اعتبرت الجمعية البريطانية للطب البيئي استخدام المحارق انتهاكا (لاتفاقية استوكهولم للحد من الغازات السامة) وهي الاتفاقية التي أقرتها سورية عام 2005.‏

يذكر الدليل العام لإدارة النفايات الطبية, والذي نشرته وزارتا البيئة والصحة عام 1999 (إن الطريقة الاكثر أماناً في معالجة النفايات الطبية هي الترميد باستخدام مرمدات خاصة (محارق), لذا يوصى بتركيب عدد كاف من المرمدات في القطر).‏

وفي عام 2004, عندما صدر (المخطط التوجيهي لإدارة النفايات الصلبة في سورية) كدستور لإدارة النفايات البلدية والطبية في سورية, قررت سورية استبعاد المحارق. (فقد كانت خطة الشركة الفرنسية المشاركة في المخطط, تقضي بالاعتماد فقط على التعقيم البخاري أو التظهير الكيميائي لمعالجة النفايات الطبية. لكن تعاقد عدد من الجهات الرسمية (منها محافظتي دمشق وحمص) على شراء محارق أو إعلان مناقصات لهذه الغاية (اضطر) معدّو المخطط لإضافة (سيناريو ثاني) نص على مشاركة المحارق إلى جانب التعقيم البخاري), هذا ما أفادنا به الخبير البيئي المهندس أمير بخاري والمهندسة رولا أبازيد رئيسة دائرة النفايات الصلبة في وزارة الإدارة المحلية والبيئة, وهما من المشاركين الرئيسيين في إعداد هذا المخطط الذي بُدئ بتنفيذه اعتباراً من عام 2005.‏

لكن التساؤل الذي يثار: كيف يمكن أن يذعن معدو المخطط التوجيهي ومعهم الشركة الفرنسية تريفالور للأمر الواقع? رغم قناعتهم بأضرارها فضلاً عن ارتفاع سعرها قياساً بالأساليب الأخرى الصديقة للبيئة? (نحن معدو التقرير والشركة الفرنسية), أجاب المهندس بخاري, (برّأنا ذمتنا عندما ذكرنا في المخطط ذاته, وبعد أن تحدثنا عن المحارق أن المخطط لايوصي بهذه الطريقة, ولكن يجب أن يذكرها مشيراً إلى التأثير الجاد والمتعدد لحرق النفايات الخطرة).‏

كما أجرى معدو المخطط دراسة مقارنة حول أسعار المحارق وأسعار وحدات المعالجة بالتطهير والتعقيم مع تكاليف تشغيلهما, فأثبتوا بالأرقام, أن تكاليف المحارق, هي أكثر بالضعف تقريباً مقارنة مع تقنية التطهير.‏

بالرغم من ذلك, اعتمد المخطط التوجيهي المحارق بناءً على السيناريو الثاني, ونص على إنشاء أربع محارق جديدة في دمشق وحلب وحمص ومنطقة اللاذقية وطرطوس.‏

من المعلومات التي تلقاها (المخطط التوجيهي) والتي دفعته لإضافة (السيناريو الثاني) أن: (محرقة مشفى الأسد الجامعي في دمشق والمشفى العمالي المركزي في حرستا) وُصفت بأنها (محارق حديثة وصلت إلى سورية). لكن التحقيق الميداني يكشف أن: محرقة الأسد الجامعي تعود ل17 عاماً خلت, بينما لم يجر تشغيل محرقة العمالي المركزي حتى الآن, بسبب عدم تشغيل المشفى ذاته الذي أصبح مؤخراً (مشفى البيروني المتخصص بعلاج الأورام).‏

وجاء أيضاً في معلومات (المخطط التوجيهي) عن هاتين المحرقتين أنهما (تتضمنان تقنية معالجة الغاز المنبعث), بينما أكّد الدليل العام لإدارة النفايات الطبية الصادر عن وزارتي البيئة والصحة, أن هاتين المحرقتين (غير مجهزتين بأجهزة معالجة للغازات المنبعثة منها).‏

و(من المحارق التي كانت قيد الإعلان عن مناقصة, ودفعت لإضافة السيناريو الثاني على المخطط التوجيهي, محرقة المكب الرئيسي للنفايات في دمشق) كما قال المهندسان أمير بخاري ورولا أبازيد.‏

فمع نهايات العام 2005 اشترت محافظة دمشق محرقة هندية جديدة, تحرق لدرجة 1100 درجة, كما ذكر مدير معمل النفايات المهندس موريس حداد. في الوقت الذي يؤكد فيه المهندس أمير بخاري, أنّ آخر الدراسات والأبحاث العالمية, تشترط أن تصل درجة الاحتراق إلى 1200 درجة بدلاً من 1100 مؤكداً أن ال1150 , لم تعد مقبولة وتعتبر مولدة للديوكسين.‏

(أما معالجة الغازات الصادرة عن هذه المحرقة, فقد جاءت في ملحق لاحق لشراء المحرقة) كما قال المهندس حداد.‏

لكن هل حصل معمل النفايات الصلبة من الشركة الهندية الصانعة, على ضمانة بأنها تعالج الغازات فعلاً, ولاتنشر الديوكسين? (الشركة الصانعة-يقول المهندس حداد- يفترض أن تضمن عدم نشر الديوكسين). لكن شروط العقد معها, لم تتضمن إلزام الشركة الصانعة-كما قال- بإجراء اختبارات دورية على الغازات المنبعثة منها, للتأكد من عدم نشرها لغاز الديوكسين.‏

ولذلك, فقد طلب مدير معمل النفايات الصلبة مؤخراً من مسؤولي مخابر الهيئة العامة للبيئة, فحص الغازات الصادرة عن المحرقة, والتأكد من عدم نشر الديوكسين. )لكن أحداً لن يلبي هذا الطلب- كما يقول مدير السلامة الكيميائية فؤاد العك ومدير سلامة الغلاف الجوي م.خالد قلالي- لأنه لايوجد في سورية ولافي أية دولة في الشرق الأوسط جهاز أو مخبر لقياس الديوكسين(.‏

(أيضاً من المحارق التي كانت قيد الإعلان, ودعت لتعديل المخطط التوجيهي وإضافة سيناريو المحارق, كانت محرقة مطمر النفايات في دير بعلبة في حمص( كما قال المهندسان المشاركان في (المخطط التوجيهي).‏

الآن, تنوي محافظة حمص, إعادة الإعلان عن مناقصة لشراء محرقة مركزية بعد فشل الإعلان السابق (لأسباب إدارية) في العام 2005- كما يقول المهندس عبد الهادي النجار من الخدمات الفنية والمهندس حسان درويش مدير النظافة في حمص. ويضيفان: )لكنّ المحافظة تصرّ على أن تكون المحرقة محققة للشروط الأوروبية, فيما يتعلق بدرجة الحرق ومعالجة الغازات وكل مايتعلق بها, وأن تدار بواسطة المتعهد الذي يرسو عليه العرض لمدة خمس سنوات, وأن تكون كافية لحرق 4 أطنان من النفايات الطبية يومياً(.‏

ولا ينفي المهندسان نجّار ودرويش مخاطر ومحاذير المحارق, غير أنهما يعتبران أن (تقنية التعقيم البخاري) لايمكن أن تكون بديلاً للمحارق, لأن التعقيم البخاري-كما قالا- غير مناسب للكميات الكبيرة من النفايات الطبية, وأن الأنسب في هذه الحالة, يكون استخدام المحارق لتقليل كميات النفايات.‏

رغم أن تقريراً لمنظمة السلام الأخضر ( (Green peaceيؤكد أن المشافي الكبرى التي تزيد عن 1000 سرير تستخدم (تقنية التعقيم البخاري) في العديد من الدول, أي أنه مناسب للكميات الكبيرة من النفايات الطبية.‏

-الخبير الياباني ماسايوكي شيدا المقيم في وزارة الإدارة المحلية والبيئة كمستشار للنفايات الصلبة بما فيها الطبية, حذر من الآثار التي يمكن أن تنجم عن المحارق الحديثة المزمع شراؤها, منبهاً من مخاطر الديوكسين المسرطن على المناطق السكنية والزراعية, خاصة في مكب النفايات في دير بعلبة, الذي لا يبعد أكثر من 1,5 كم عن مدينة حمص.‏

وقد أكدت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) أن ملوثات الديوكسين تنتقل إلى مسافات بعيدة عبر الهواء, كما أنها )تتراكم في التربة الزراعية دون أن تتحلل أو تتغير( كما تقول المهندسة البيئية سونيا عباسي التي أجرت بحثاً في النفايات الطبية لمشافي جامعة دمشق.‏

وخلصت الوكالة الأمريكية لحماية البيئة في تقريرها حول تقييم الديوكسين, أنه(مادة قد تتسبب السرطان بصرف النظر عن نسبة الجرعة التي يتعرض لها الإنسان) وذكرت الوكالة الأمريكية, أن (الديوكسين ينتقل في الهواء ويدخل في السلسلة الغذائية, ويصل إلى مناطق بعيدة عن مكان إصداره, وأن اللحوم ومشتقات الحليب والبيض والأسماك, تعتبر المواد الغذائية الأساسية التي ينتقل عبرها ثم يتراكم في الأنسجة الدهنية. وبسبب النسبة المرتفعة من الدهون في حليب الأم, فإن الأطفال الرضّع, يتعرّضون للديوكسين بنسبة تفوق الراشدين بخمسين مرّة).‏

ويربط (صندوق الدفاع عن البيئة) في الولايات المتحدة الأمريكيةبين انتشار أو تراجع السرطان و بين نسبة وجود الديوكسين في الهواء الناجم عن تطور عدد المحارق.‏

-عندما أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريرها الأخير عن إدارة النفايات الطبية, أوصت باتباع خطوات ضرورية على المدى القريب, بالنسبة للمحارق الموجودة أصلاً, عبر: ) إبعادها عن المناطق السكنية, والحرق بدرجات أكثر من 800 كبداية للاحتراق, وعزل النفايات وفصلها قبل حرقها واستبعاد البلاستيك والمواد المحتوية على الكلور كأكياس الدم, ومراقبة الانبعاثات الغازية ومعالجتها...).‏

أما على المدى الطويل, فقد أوصت المنظمة الدولية, واعتبرت أن: )هدفها تشجيع طرق معالجة النفايات الطبية التي لاتعتمد على الحرق, تجنباً للأمراض والمخاطر المحتملة بسبب الديوكسين والفيوران(.‏

وهكذا بدأت حملة عالمية لإغلاق المحارق واستبدالها بتقنيات جديدة لمعالجة النفايات الطبية, تعتبر صديقة للبيئة أولاً وأقل تكلفة من المحارق. تعتمد الحملة أولاً على تقليص كمية هذه النفايات الطبية من خلال إدارة مختصة في كل مشفى, وكذلك فرز كل نوع من أنواعها وصولاً إلى إعادة تدويرها أو معالجتها بالتقنيات الأحدث والأسلم والأرخص مثل ( تقانة المايكروييف, المعالجة الكيماوية, المعالجة الحرارية دون حرق, المعالجة بالتعقيم البخاري, المعالجة بالتحلل والأكسدة).‏

وفي سورية, أعدت وزارة الصحة خطة في العام 2005 بعنوان )خطة وزارة الصحة لإدارة النفايات الصلبة( ووجهها وزير الصحة لوزير الإدارة المحلية المسؤولة وزارته عن معالجة النفايات الصلبة في سورية.‏

جاء في الخطة, أن وزارة الصحة تفضل اعتماد )التعقيم البخاري الذي أثبت فعاليته وتم اعتماده في معظم بلدان أوروبا وأمريكا( بدلاً من المحارق في معالجة النفايات الطبية بسبب مبررات وردت في الخطة منها: )أنها غالية جداً.. تصدر السموم وليس هناك علاج للغازات السامة..مصدر للعاهات والعقم...وتحتاج لدرجة حرارة عالية 1200-1600 والوصول لهذه الدرجة العالية يتطلب استخدام وقود صاف ومحرقة تعمل بالطاقة القصوى ولوقت طويل..).‏

وفي وزراة الإدارة المحلية والبيئة قال المهندس صادق أبو وطفة معاون الوزير, ورئيس اللجنة التنفيذية لتنفيذ المخطط التوجيهي لإدارة النفايات الصلبة: إنه )شخصياً ضد استخدام المحارق, وأن تقنية التعقيم البخاري هي المتبعة في معظم المشافي الأوروبية(.‏

لكن استخدام المحارق -من وجهة نظره- قد يكون مفيداً في حال وجود جائحة مرضيّة للحيوانات في ظروف معينة, أي لحرق جثث الحيوانات النافقة.‏

ومع معارضة وزارة الصحة لاستخدام المحارق, وقناعة وزارة البيئة بأضرارها ومخاطرها كما ذكر المهندس أبو وطفة ورئيسة دائرة النفايات الصلبة رولا أبا زيد.‏

إلاّ أن المحارق تسرّبت إلى (المخطط التوجيهي), وأصبحت أعدادها إلى تزايد في سورية بحكم السيناريو الثاني الذي أضيف الى المخطط وأصبح بمثابة القانون.‏

حمود المحمود

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...