مايا ناصر: قتل بتهمة قول الحقيقة

03-10-2012

مايا ناصر: قتل بتهمة قول الحقيقة

الجمل ـ فينيان كانينغهام ـ ترجمة رندة القاسم: عرض الصحفي ذو الثلاثة و الثلاثين عاما حياته للخطر مرات عديدة لأنه أراد للعالم أن يعرف الحقيقة وراء معاناة  الشعب السوري.  و رغم تلقيه تهديدات بالقتل بسبب تقاريره الخطيرة، إلا أنه كان و بشجاعة يعود دائما إلى جبهة الواجب. مايا ، من سورية، قال عنه زملاؤه أنه كان معنيا بشكل مؤلم بمعاناة الناس العاديين، و أراد أن تسمع حقائقهم و أصواتهم.

يوم مقتله كان نموذجيا لروحه، فحين وقع انفجاران خطيران في وسط دمشق العاصمة، صباح يوم أربعاء، كان مايا و زملاؤه من "بريس تي في" أول المتواجدين في المشهد، حيث الجيش السوري في معركة إطلاق نيران مع المجرمين. و تعرض لجرح مميت في سعيه للحصول  على خبر و تقديم تقرير حقيقي للشعب السوري  و العالم.

و بينما الإعلام الغربي يقدم تقاريرا كاذبة، و غالبا من مكاتب بعيدة في المنطقة، حول كيفية قيام الجيش السوري بقصف مناطق مدنية و قتل متظاهرين أبرياء.كان مايا يعرض نفسه لخطر كبير و يبث تقاريرا من أماكن مثل حلب. لقد كانت تقاريره أصلية و ليست نسخة مستهلكة من قبل "ناشطين" مجهولي الأسماء مقيمين في بريطانيا و دول أخرى. و منح أداؤه الصحفي الشجاع رؤية صحيحة لما يجري حقا في سورية.

كان مايا يدرك الخطر المحدق به، و كتب: (شعبي يموت و أنا أنتظر دوري). و عرف أن قوى ضخمة تعمل للافتراء على وطنه، و بأن الحكومات الغربية، الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا، تدعم حربا سرية ضد بلده بتسليح مرتزقة ارتكبوا خلال  الثمانية عشر شهرا الماضية شرورا و مجازرا بحق الشعب السوري. و مع ذلك، هذه الحكومات و مؤسساتها الإعلامية القوية قلبت الحقائق رأسا على عقب بتأكيدها أن الانتهاكات ترتكب من قبل الحكومة السورية ضد الشعب و "الثوار". 

أيقن مايا أن قوى إقليمية مثل تركيا و السعودية و قطر و إسرائيل متواطئة أيضا في مؤامرة أجنبية لتدمير وطنه و الاستعاضة عن حكومة الرئيس بشار الأسد بكيان يمكنه أن يخدم مصالح القوى الأجنبية لا مصالح شعبه. و مايا المسيحي، أدرك أن خراب بلده يعتمد على نشر الخوف الطائفي بين المسلمين و المسيحيين ، لتقويض قرون من العيش المشترك السلمي و التسامح، و إحلال التحزب و القبلية التي تخدم بشكل جيد مصالح قوى أجنبية.

المؤامرة ضد سورية حقيقة ، و ليست مجرد خطابات أطلقتها حكومة الأسد. فالشعب السوري يعاني من إرهاب مدعوم أجنبيا منذ آذار 2011، و مع ذلك، الإعلام الغربي الى جانب ذاك التابع للسعودية و قطر مثل العربية و الجزيرة، منغمس في أضخم عملية تلفيق و خداع. قتل أكثر من عشرين صحفيا حتى الآن بسبب العنف في سورية، معظمهم سوريين , و آخرون كثر خطفوا أو جرحوا، و معظم الهجمات قام بها مرتزقة مدعومون من الغرب ضد صحفيين سوريين لأنهم قالوا الحقيقة عن الإرهاب الذي يدعمه الغرب في وطنهم. و حجبت المحطات الإخبارية السورية من أقمار صناعية تدعمها السعودية و قطر في محاولة لخنق الحقيقية و الحيلولة دون فهم العالم ما  يجري في سورية.

شهرا اثر شهر ، و وابل الأكاذيب و التحريف من نيويورك تايمز، سي ان ان، فاينانشيال تايمز، بي بي سي، الاندبندنت ، الغارديان، آيريش تايمز، تخدم أجندة "تغيير النظام" في سورية من قبل الحكومات الغربية.

و يلقى اللوم على القوات الحكومية في المجازر التي ترتكب على يد مرتزقة مدعومين من الغرب و العرب، و تفجيرات السيارات التي تودي بحياة المئات تنسب إلى الاستخبارات العسكرية التابعة للأسد على أساس الغاية تبرر الوسيلة. بل إن الجزيرة و ال "سي ان ان" عملتا على تلفيق فظائع و الادعاء بأنها تمت على يد الجيش السوري، و حذفت ا ل "بي بي سي" مشاهدا تظهر بوضوح الانتهاكات المرتكبة بيد ما يسمون ثوارا.

كان مايا ناصر مدركا تماما للضرر اللاحق بالحقيقة و بلده على يد قوى أجنبية و ما يفترض أنه وسائل إعلام مستقلة. و كان يعلم أن الصورة الأكبر هي تشويه الرأي العام العالمي  لكي يلوم الضحية على العنف و يمجد المجرمين. و أن ستار الكذب و الشيطنة يخلق مشهدا يمهد لتدخل عسكري أجنبي غير شرعي في بلده، ل "تحرير" الشعب السوري من العنف ذاته الذي شنته هذه القوى الأجنبية بإجرام في وطنه.

و حتى في تقاريرها الواردة عن موته، لم تمتلك وسائل الاعلام الغربية الاستقامة لتروي الحقيقة.فعلى سبيل المثال ذكرت الغارديان و ال بي بي سي و رويترز و آيريش تايمز أن مايا قتل برصاص قناص، و نسبوا المصدر الى بريس تي في. ثم مضت هذا الوسائل الاعلامية لتذكر متابعيها أن بريس تي في محطة ايرانية و ايران مؤيدة لحكومة الأسد في سورية. و واحدة من هذه الوسائل لم تذكر بأن مايا تلقى تهديدات بالقتل و أن هذه التهديدات كانت من قبل المرتزقة المدعومين من الغرب، و لا بأن موته كان بسبب ميليشيات أجنبية تسربت الى سوريه للقيام بعمليات ارهابية. كلا، هذه الوسائل ذكرت فقط أنه مات بيد "قناص"، و مرة أخرى يجري العمل على لف الصراع في سورية بالغموض.

قبل يوم من مقتل مايا، أتحف رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما الجمعية العامة للأمم المتحدة بكلمات تقية ورعة. فالرجل الذي يقوم في السر بوضع قوائم الاغتيالات الأسبوعية لهجمات الطائرات التي بلا ربان في أفغانستان و باكستان و الصومال و اليمن، القى محاضرة عن حقوق و فضائل حرية التعبير  و حرية الاعلام فقال :( الديمقراطية الحقيقية، تعتمد على حرية المواطنين في التعبير عما يدور في اذهانهم و الاجتماع بدون خوف).

حسنا، بعد اقل من 24 ساعة خرج صحفي سوري شاب لا يخاف لممارسة مبادئ أوباما، و قتل على يد إرهابيين تدعمهم أميركا في شوارع دمشق.  

و بسبب شجاعة مايا ناصر، منح الغرب رؤية اكثر دقة للعنف الحاصل في سورية. و بينما اتضح أن المؤسسات الاعلامية الغربية التي كان يعتقد أنها جليلة  ما هي سوى  خادم تابع للحكومات الغربية، كان مايا و بشكل حقيقي يعيش و يجسد و يموت لأجل مبادئ الصحافة الصادقة المستقلة. عمله الصحفي مكن الناس من إصدار أحكام دقيقة و تحديد حقيقة العنف و من يرتكبه.عله الآن يرقد في سلام.

  • بقلم فينيان كانينغهام صحفي بريطاني معني بشؤون الشرق الأوسط و شرق افريقيا.

                                     ترجمة رنده القاسم عن Information Clearing House

التعليقات

الى رحمة الله يا مايا ناصر يا اخي: بيني وبينك موعد ولقاء وظننت أني السابق المعطاء فسبقتني هذا شموخك دائماً لا تسبق الألف العزيز الباء كالنجم غبت ونحن اكثر حاجةً لسناك حين تكاثفت ظلماء لهفي عليك مايا وقلّة صار الرجال وفرّخ الجبناء سما الروسان في 4 - 10 - 2012 م الأردن -

شكرا للكاتب والمحلل السياسي والعروبي والمسؤول في الدولة الأردنية - المحامي محمد احمد الروسان على هذا الرثاء الصادق ---- ولمن لا يعرف الأستاذ الروسان فهو بجانب عمله كمحامي وسياسي وكاتب ومحلل فهو مستشار قانوني في الدولة الأردنية في مؤسسة المركز الملكي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...