ما خلفية زيارة شيمون بيريز لقطر

31-01-2007

ما خلفية زيارة شيمون بيريز لقطر

الجمل:   الزيارة التي قام بها شيمون بيريز نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي يوم الثلاثاء إلى الدوحة عاصمة قطر، لم تجد حظها من التحليل الكافي، فقد توجهت الأنظار إلى الصحف وأجهزة الإعلام القطرية والخليجية من أجل متابعة المعلومات وتطورات الزيارة، ولكن على ما يبدو فقد كانت أجهزة الإعلام القطرية، ومن بينها قناة لجزيرة، والتي –برغم طول لسانها- بدت مدجنة وأكثر استئناساً، فلم تفعل شيئاً سوى التقديم السلبي الذي يصف الخبر شكلياً.
تأتي زيارة شيمون بيريز إلى قطر ضمن خلفية بالغة التعقيد تتضمن الآتي:
• الأبعاد المعلنة في الزيارة: التصريحات والمعلومات الرسمية المعلنة تقول: إن شيمون بيريز قام بهذه الزيارة لأهداف غير دبلوماسية، وكل ما في الأمر أن نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز قد قام بالزيارة تلبية لـ(دعوة) هيئة الإذاعة البريطانية بهدف المشاركة في برنامجها الذي يحمل عنوان (ندوات الدوحة) والذي تبثه الهيئة تحت رعاية وإشراف (الشيخة موزة بنت ناصر المسند زوجة أمير قطر وسيدة قطر الأولى).
كذلك تقول التفاصيل بأن بيريز سوف يظهر في البرنامج التلفزيوني بحيث يجيب على أسئلة تتعلق بـ(قضايا مهمة) يطرحها 300 طالب عربي.
وأفادت شبكة السي.إن.إن  الأمريكية بأن شيمون بيريز قد وصل مدينة الدوحة العاصمة القطرية في زيارة تستغرق يومين، وأفادت وكالة أنباء الأسوشيتيد برس نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين بأن شيمون بيريز يقوم بزيارة غير دبلوماسية وسوف لن يلتقي بأي مسؤول أو مسؤولين قطريين.
• الأبعاد غير المعلنة: ترتبط هيئة الإذاعة البريطانية ارتباطاً وثيقاً بالتوجهات السياسية البريطانية ذات الطابع الانكلوساكسوني، وتتم متابعة أنشطتها وبالذات المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط بإشراف أجهزة المخابرات البريطانية، وعلى وجه الخصوص جهازي الـ(إم.آي-5: MI-5) والـ(إم.آي-6: MI6).
كذلك فإن روابط الحكومة البريطانية مع منطقة الخليج تمتد جذورها إلى عشرات السنين، وذلك منذ أن كانت بريطانيا العظمى تبسط سيطرتها على المنطقة الممتدة من الموصل العراقية شمالاً، وحتى مضيق هرمز وسلطنة عمان واليمن جنوباً.. وبرغم انسحاب الاستعمار البريطاني، إلا أن الحكومة البريطانية استطاعت التغلغل بعمق في منطقة الخليج العربي مستخدمة العديد من وسائل السيطرة المباشرة وغير المباشرة، في تتبع منطقة الخليج واستدامة وجودها ضمن دائرة النفوذ البريطاني.
إن قيام هيئة الإذاعة البريطانية بتوجيه الدعوة لنائب رئيس الوزراء الإسرائيلي ليس لزيارة بريطانيا، وإنما لزيارة بلد عربي، هو أمر لا يمكن النظر إليه بشكل سطحي، فقبول الأشياء على عواهنها في مثل هذه الوقائع هو أمر غير ممكن ولا يطيقه العقل.
كذلك إذا انتقلنا إلى دائرة علم الرسائل الإعلامية وعمليات تحليل المضمون، فمن الممكن بكل سهولة أن نطرح ونثير التساؤلات الآتية:
- من أين جاءت فكرة هذا البرنامج.
- كيف وافقت (سمو الشيخة موزة) على قبول الفكرة وتمويل البرنامج، في وقت ينظر فيه العالم بشكل بالغ الأسى إلى إدانة كل العالم –بما في ذلك البريطانيين- قيام إسرائيل باستخدام القنابل العنقودية واليورانيوم المنضب والأسلحة الكيميائية في قتل اللبنانيين والفلسطينيين، إضافة إلى رفض الإسرائيليين بكل صلف وغرور التفاوض مع سوريا والفلسطينيين، وأيضاً قيامهم بفرض الحصار والضغط الإنساني على الفلسطينيين، والتمادي في بناء المستوطنات الإسرائيلية؟
- ماذا تقول أسئلة 300 طالب؟ وكيف تم إعدادها وجرى ترتيبها؟.. وهل تم ذلك بطريقة عفوية أم أن (جهة ما) مرتبطة بالإذاعة البريطانية، قامت بترتيب محاور هذه الأسئلة، بحيث تغطي جوانباً محددة في الاعتبارات المتعلقة بالرأي العام العربي وموافقة من الكيان الصهيوني؟
- كيف وافقت السلطات القطرية على دعوة نائب رئيس وزراء الكيان الصهيوني بهذه السهولة ودون إيلاء الاهتمام للاعتبارات والثوابت المتعلقة بحماية وصون الكرامة العربية في مواجهة رموز الكيان الصهيوني؟.. وهل تمت (عملية صنع واتخاذ قرار الدعوة) على أساس الاعتبارات المؤسسية السياسية للدولة القطرية؟ أم على أساس الاعتبارات الشخصية المتعلقة بوزن (صاحب الدعوة) وتأثيره على عملية صنع القرار؟.
- قال المسؤولون الإسرائيليون: إن شيمون بيريز نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي يقوم بزيارة غير دبلوماسية، وسوف لن يلتقي بأي مسؤول قطري، ولكن حملت وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة (استقبال أمير قطر سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني صباح الثلاثاء في العاصمة القطرية الدوحة لشيمون بيريز نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي). هذا ولم تنقل وسائل الإعلام القطرية أي شيء عما دار في هذا اللقاء، وبرغم أنه يشكل حدثاً من العيار الثقيل، فإن قناة الجزيرة –وللمرة الثانية نقول- برغم طول لسانها، لم تقم حتى بمحاولة التكهن حول ما دار بين الزعيمين، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد تبين أن نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي سوف يقوم بزيارة قناة الجزيرة بلحمها ودمها.
إن متابعة وقائع وأحداث زيارة نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، وتفحص وتدقيق وتحليل أداءها السلوكي الميداني في دولة قطر، يشير إلى الآتي:
• الحقيقة الظاهرة: كانت الأسئلة التي رد عليها شيمون بيريز مرتبة بعناية فائقة، وذلك بشكل يعكس (عملية نفسية إعلامية) ناجحة، استطاعت الأجهزة البريطانية والإسرائيلية تنفيذها، وللتوضيح أكثر نقول: لقد غطت الأسئلة الجوانب الآتية:
- الانتقادات الإسرائيلية لحركة حماس، وحزب الله، وسوريا، وإيران.
- الإشادة بتجمع المعتدلين العرب، إلى الحد الذي قال فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي (...لو كنت فلسطينياً لتصرفت مثل أبو مازن...).
- الإدلاء بإجابة مضللة حول المستوطنات الصهيونية، والتي قال فيها بأن إسرائيل (...تقوم بدراسة الأوضاع وبالحد من توسيع المستوطنات...)، ونلاحظ عدم الإشارة إلى إزالة المستوطنات، وكلمة الحد نفسها يمكن أن تتضمن بناء العدد الإضافي الذي تراه إسرائيل معقولاً من المستوطنات.
- أما الملفات الأخرى مثل: الجولان، والمفاوضات مع سوريا، والأزمة العراقية... وغيرها، فلم يقم نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي بالحديث الواضح عنها، وفقط عندما سألوه عن ماهية الدور الإسرائيلي في العراق أجاب باقتضاب قاطع (..كلا).
• الحقيقة المخفية: تستضيف دولة قطر على أراضيها قاعدتين أمريكيتين عسكريتين، تعتبران الأكبر والأهم في العالم وعلى وجه الخصوص في الخليج العربي، حيث يوجد فيهما (مقر القيادة الوسطى الأمريكية).. وعلى غرار عملية إشراف هذه القيادة من قطر وإدارتها لأجندة حرب الخليج الأولى، وحرب الخليج الثانية التي أسفرت عن غزو واحتلال العراق، فمن المؤكد أن هذه القيادة سوف تشرف على تنفيذ وإدارة الحرب المتوقعة ضد إيران.
ولما كانت إسرائيل تعد العدة لبدء عملية الهجوم العسكري العدواني ضد إيران، فإن زيارة شيمون بيريز قد أتت ضمن عملية (توضيح الصورة ووضع النقاط على الحروف) بما يؤدي لإعداد الرأي العام العربي والخليجي تمهيداً (لابتلاع الحجر) القادم، الذي يتمثل في جعل الشراكة العسكرية الأمنية الأمريكية- الإسرائيلية- القطرية، في الهجوم على إيران وتأمين الخليج أمراً واقعاً، خاصة وأن التعاون الاقتصادي الإسرائيلي- القطري الذي بدأ بفتح مكتب تجاري إسرائيلي في قطر قبل عدة سنوات قد مهد لذلك.
كما يمكن القول: إن الزيارة هدفت إلى تعزيز قدرة إسرائيل في استخدام (دول الخليج) كذراع خفي تستطيع توظيفه في الضغط على سوريا والفلسطينيين وحزب الله، على النحو الذي يعزز قدرة إسرائيل في إدارة أجندة الصراع العربي- الإسرائيلي.
وعموماً يمكن القول: إن الزيارة هدفت إلى تقديم إشارة مادية ملموسة للرأي العام العالمي الذي يدعم الحق العربي ويدين الجرائم الإسرائيلية، على النحو الذي يؤدي إلى دفع هذا الرأي العام إلى التراجع وتبني فكرة أن التعايش والتطبيع بين العرب والإسرائيليين ممكن إنجازه على أساس الشروط الإسرائيلية القائمة.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...