لعبة حلف الناتو فوق رقعة الشطرنج الليبية

26-03-2011

لعبة حلف الناتو فوق رقعة الشطرنج الليبية

الجمل: تحدثت التقارير والتسريبات عن عملية انتقال قيادة العمليات العسكرية الدولية الجوية ضد ليبيا من سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية إلى سيطرة حلف الناتو: فما هي طبيعة هذه العملية الانتقالية وما هي مبرراتها وما هي تداعياتها على التوازنات العسكرية الإقليمية والدولية؟

* حلف الناتو وقيادة العمليات الجوية ضد ليبيا: توصيف المعلومات الجارية

تقول التقارير الجارية بأن مركز قيادة العمليات العسكرية الجوية الدولية الجارية حالياً ضد ليبيا سوف ينتقل من سيطرة القيادة العسكرية الأمريكية الإفريقية الموجود حلياً في مدينة شتوتغارت الألمانية إلى سيطرة قيادة القوات الجوية التابعة لحلف الناتو، وتقول التسريبات بأنه من المتوقع أن تتم إقامة مركز قيادة الناتو للعمليات الجوية ضد ليبيا في قاعدة مدينة أزمير التركية العسكرية التابعة لحلف الناتو، وأشارت التسريبات إلى أن تركيا وافقت على ذلك ولكن ضمن شروط محددة على الأغلب أن يوافق عليها مجلس الحلف.قواعد الناتو والولايات المتحدة الأمريكية في المتوسط
أبرز التأكيدات جاءت على لسان وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني الذي صرح قائلاً بأن حلف الناتو سوف يتولى قيادة إدارة العمليات العسكرية الجوية ضد ليبيا بشكل كامل بدءاً من يوم غد الأحد 27 آذار (مارس) 2011 م أو بعد غد الاثنين. وأضاف قائلاً بأن حلف الناتو سوف يعقد اجتماعاً هاماً بشأن ملف ليبيا في العاصمة البريطانية لندن يوم الثلاثاء 29 آذار (مارس) 2011 م.
هذا، وقد تحدث وزير الخارجية البريطاني وليام هاغيو يوم أمس الجمعة قائلاً بأن بريطانيا تتوقع أن يستلم حلف الناتو قيادة العمليات ضد ليبيا خلال بضعة أيام، برغم الفشل والإخفاق في التوصل إلى اتفاق نهائي يضم كافة أعضاء مجلس حلف الناتو.

* حلف الناتو: إشكالية بناء الإجماع حول الملف الليبي

أشارت المعلومات إلى أن أعضاء حلف الناتو قد عقدوا المزيد من المناقشات والحوارات الداخلية لجهة بناء الإجماع حول كيفية التعامل مع أزمة الملف الليبي، وأشارت المعلومات إلى النقاط الآتية:
•    استمرت المناقشات بين أعضاء الحلف لفترة أربعة أيام.
•    الأطراف الرئيسية التي شاركت في هذه المناقشات هي: أمريكا ـ بريطانيا ـ فرنسا ـ إيطاليا ـ تركيا. أما بقية أعضاء حلف الناتو فقد كان دورهم ثانوياً في هذه المناقشات.
•    نقطة الاتفاق بين أعضاء الحلف هي الإقرار التام بضرورة العمل والتعاون المشترك بين أعضاء الحلف لجهة القيام بحماية السكان المدنيين الليبيين عن طريق فرض منطقة حظر الطيران ضد ليبيا إضافة إلى القيام بمنع وصول إمدادات السلاح والعتاد العسكري للنظام الليبي. أما نقطة الخلاف بين أعضاء الحلف فهي استلام الحلف للدور الكامل في قيادة العمليات العسكرية ضد ليبيا والإشراف الكامل عليها، وذلك لأن الحلف يستطيع قيادة العمليات الجوية والإشراف عليها، أما عملية الرقابة البحرية ومنع الإمدادات وما شابه ذلك فإن قدرات الحلف الحالية لا تسمح له لجهة القيام بذلك خاصة أن قدرات أعضاء الحلف على تحمل نفقات هذه العمليات لا تسمح بذلك.
إضافة لهذه النقاط الخلافية، فقد جاءت التحفظات التركية وهي مليئة بالشكوك إزاء مدى مصداقية النوايا الأمريكية ـ الأوروبية الغربية إزاء ليبيا، وأشارت التسريبات بأن تركيا تطرقت في تحفظاتها إلى الشكوك القائلة بأن أمريكا وحلفاءها الأوروبيين يسعون ليس إلى حماية المدنيين الليبيين، وإنما إلى الآتي:
•    السيطرة على مخزونات وإمدادات النفط والغاز الليبي.
•    الاستفادة من موقع ليبيا الجغرافي الهام، لجهة الحصول على المزايا الاستراتيجية مثل نشر القواعد العسكرية في المناطق الصحراوية الليبية، إضافة إلى نشر الأساطيل البحرية في السواحل الليبية.
•    التطبيق الانتقائي المتحيز للقرار الدولي الخاص بليبيا، وتحديداً ما يتعلق بـ: وقف إطلاق النار واستخدام القوة، فالأطراف الدولية تستخدم القوة لجهة استهداف قوات النظام الليبي تحت ذريعة منعها من إطلاق النار ضد المعارضة. وفي نفس الوقت لا تقوم الأطراف الدولية باستخدام القوة ضد قوات المعارضة عندما تقوم قواتها بمهاجمة قوات النظام الليبي.
•    ضرورة امتناع الحلف عن استهداف المدنيين الليبيين لأنهم مواطنين مسلمين. وتركيا بلد إسلامي لا يمكن أن يقبل بقتل المسلمين.
•    ضرورة امتناع الحلف عن استهداف البنيات التحتية الليبية مثل الطرق أو الجسور أو محطات الكهرباء. لأن ذلك يشكل استهدافاً لقدرات الشعب الليبي.
نلاحظ أن نقطة الخلاف الرئيسية داخل حلف الناتو تتمثل في حجم نطاق عمليات القيادة والإشراف والسيطرة، وذلك لأن بعض أطراف حلف الناتو يطالبون بأن تكون سيطرة الحلف جزئية على العمليات ضد ليبيا. بما يؤدي بالضرورة إلى إفساح المجال أمام الأطراف الأخرى لجهة القيام بالعمليات التكميلية المطلوبة. الأمر الذي سوف يؤدي بالضرورة إلى إفساح المجال أمام أمريكا وفرنسا وبريطانيا لجهة القيام بإنشاء مركز قيادة خاص منفصل عن الحلف. وتكون له أجندته العسكرية الخاصة بمعزل عن سيطرة مجلس حلف الناتو.

* المواجهة التركية ـ الفرنسية داخل الحلف: النوايا غير المعلنة

تقول المعلومات بأن أنقرا قد أصبحت عملياً في حالة مواجهة دبلوماسية داخل الحلف، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
•    على أساس الاعتبارات المؤسسية تعتبر أنقرا الأكثر تفوقاً على باريس داخل الحلف، وذلك لأن أنقرا تتمتع بعضوية كاملة في اتفاقية الحلف العسكرية واتفاقية الحلف السياسية، إضافة إلى أن أنقرا تمثل ثاني أكبر جيش بري داخل الحلف. أما باريس فهي تتمتع فقط بالعضوية في اتفاقية الحلف السياسية، وذلك لأنها انسحبت من اتفاقية الحلف العسكرية قبل فترة طويلة، وبالتالي فهي لا تملك قرار أو تمثيل قيادة الحلف العسكرية.
تقول المعلومات والتسريبات بأن أنقرا أكدت على ضرورة أن يكون مقر قيادة العمليات العسكرية الجوية ضد ليبيا هو قاعدة أزمير العسكرية التركية التابعة لحلف الناتو، وذلك لسبب أساسي يتمثل في أن ليبيا تقع ضمن إطار مسؤولية القيادة الجنوبية التابعة للحلف. ومقر قيادة القوات الجوية الخاصة بهذه القيادة هو في قاعدة مدينة أزمير التركية.
أما فرنسا، فتطالب بضرورة أن يتم الإشراف على قيادة العمليات العسكرية ضد ليبيا بواسطة قيادة سياسية، تتكون من لجنة سياسية عليا تجمع أعضاء حلف الناتو. مع أعضاء البلدان المشاركة الأخرى غير ذات العضوية في الحلف  مثل دول الجامعة العربية التي قررت المشاركة.
وأضافت المعلومات والتقارير، بأن وجهة النظر الفرنسية تطرقت إلى ضرورة أن يختار مجلس الحلف ممثلين للحلف داخل اللجنة السياسية (وعلى الأغلب أن يكونوا: فرنسا ـ بريطانيا ـ أمريكا ـ تركيا وإيطاليا) لكب يجلسوا في اللجنة جنباً إلى جنب مع الممثلين المشاركين من جامعة الدول العربية (وعلى الأغلب أن يكونوا: البحرين ـ قطر ـ السعودية).
إلى حين انعقاد اجتماع حلف الناتو يوم الثلاثاء القادم 29 آذار (مارس) 2011 م سوف تكون قد جرت مياه كثيرة في طاحونة الصراع الليبي ـ الليبي، إضافة إلى احتمالات تزايد الخلافات في مواجهات دبلوماسية خط أنقرا ـ باريس، وعلى الأغلب أن تتزايد خلال هذه الفترة الضغوط الأمريكية والبريطانية لجهة دفع مجلس حلف الناتو باعتماد خيار القبول بالقيادة الجزئية التي تنحصر في عمليات الحلف الجوية العسكرية. مع ترك المجال مفتوحاً لأمريكا من أجل القيام بالمزيد من المهام التكميلية بالتعاون مع بريطانيا. وبالنسبة لفرنسا، فهي وإن كانت من جهة تسعى لاستهداف ليبيا. فإنها من الجهة الأخرى تريد أن تكون "قطعة اللحم" الليبية هي من نصيب "الذئب الفرنسي" طالما أن "قطعة اللحم" العراقية أصبحت عملياً من نصيب "الذئب الأمريكي".

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...