فلسطين شوكة في حلق أميركا

23-11-2008

فلسطين شوكة في حلق أميركا

حتى قبل بدء الانتخابات كان السياسيون  و المثقفون الإسرائيليون يتساءلون :هل ستكون حكومة اوباما جيدة مع إسرائيل؟ "أن تكون جيدة مع إسرائيل" هي الشيفرة التي نستخدمها و نقصد بها: " هل ستسمح لنا الولايات المتحدة بالاحتفاظ بمستوطناتنا  و تستمر بدعم جهودنا لمنع المفاوضات مع الفلسطينيين من حمل أية ثمار؟" 
و بالنسبة للأميركيين يجب أن يكون السؤال : " هل ستفهم إدارة أوباما بأنه من دون مخاطبة الاحتياجات الفلسطينية لن تكون قادرة على إخراج نفسها من ورطاتها الأعقد في الشرق الأوسط و من إعادة الانضمام للمجتمع الدولي و من إنقاذ اقتصادها؟
يجب أن يكون الصراع الإسرائيلي –الفلسطيني في مركز اهتمام الأميركيين و قريبا من رأس  قائمة مهمات الحكومة.ربما هو ليس بأكثر الصراعات دموية في العالم ،إذا ما قارناه مثلا بالعراق،و لكنه يشكل بالنسبة  للمسلمين و الشعوب  في العالم رمزا للعدائية الأميركية و حب القتال. و الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ليس مجرد صراع محلي بين قبيلتين متشاجرتين ،بل انه قابع في مركز زلزال الاستقرار العالمي . اذهب أينما شئت حول العالم و ستواجه الظاهرة ذاتها، ألا و هي الشعور  بأن المعاناة الفلسطينية تجسد كل ما هو غير عادل في عالم تحكمه أميركا .
مع وصول   أوباما إلى منصبه سيواجه حقيقة عالمية مختلفة تماما عن تلك التي كانت قبل  ثمان سنوات،  إنها حقيقة متعددة الجوانب و فيها يجب أن تجد أميركا الضعيفة و المعزولة مكانا لها .و سيكتشف أن جزء كبيرا من العزلة الأميركية سببه الرأي بأن احتلال الأراضي الفلسطينية هو في الواقع احتلال  أميركي – إسرائيلي.
و إذا كان ترميم الاقتصاد الأميركي الضعيف يعتمد على إصلاح العلاقات مع بقية العالم، فان أوباما سيدرك بأنه بدون حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني لن يستطيع خلق تلك الظروف التي يمكن أن تقبل فيها الولايات المتحدة ثانية في المجتمع الدولي الأوسع.
و لكي أكون  أكثر دقة  أقول بأن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني يؤثر مباشرة على الأميركيين على الأقل في خمسة طرق:
- انه يعزل الولايات المتحدة عن الأسواق العالمية الرئيسية ، مجبرا إياها على الشروع في إجراءات عدائية لضمان الأسواق عوضا عن التسوية السلمية.
- و هو بذلك يحول الاقتصاد الأميركي إلى إنتاج غير منتج ، و يجعله معتمدا على تمويل المصروفات العامة بالاقتراض الأمر الذي يزيد من الاعتماد على التمويل الأجنبي في الوقت الذي تحول فيه الموارد إلى الجيش عوضا  عن التعليم أو الصحة أو الاستثمار.
- دعم الجيش الإسرائيلي يكلف دافعي الضرائب في الولايات المتحدة أكثر من ثلاثة مليارات دولار سنويا في وقت التراجع السحيق و تقوض البنية التحتية القومية.
- انه يؤدي إلى التدخل الأميركي في العالم و الذي هو عسكري بشكل رئيسي، و بهذا يتولد العداء و المقاومة و ما ينتج عنهما من تهديدات  للأمن يخاف منها الأميركيون كثيرا  .
- و ينتهي الأمر بتهديد الحريات المدنية الأميركية بتشجيع تشريعات مثل القانون الوطني(باتريوت أكت) و بإدخال التكتيكات الإسرائيلية لمواجهة المتمردين و الأسلحة المتطورة لاستخدامها في الضفة الغربية و غزة إلى قوات الشرطة الأميركية.
بالنسبة للكثير من الشعوب في العالم يمثل الفلسطينيون حالة الأكثرية .فهم حبات رمل صغيرة تقاوم ما لا يراه  معظم الأميركيين و الأغنياء في الغرب.إنهم شعب محروم من الحق الأساسي بامتلاكهم لدولة، حتى و لو على الاثنين و العشرين  بالمائة من فلسطين التاريخية التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1967.و بالنسبة لمعظم البشرية التي تعيش في ظروف اقتصادية و سياسية لا يمكن تخيلها في الغرب ،ترمز  المعاناة التي سببها الاحتلال الإسرائيلي ( الإفقار و النكران الكامل للحرية واللذين يستطيعا الاستمرار فقط بدعم من أميركا) لمعاناتهم هم المستمرة .
فالاضطهاد الإسرائيلي للفلسطينيين بدعم فعال من الولايات المتحدة   يظهر بجلاء وجود نظام عالمي من السيطرة الغربية يمنع الآخرين من تحقيق أحلامهم بالرفاهية السياسية و الاقتصادية .
كما الشوكة  في الحلق،كذلك الاحتلال الإسرائيلي لا يمكن تجاهله أو تجاوزه. و إن لم يناقش، فان الولايات المتحدة(حتى بقيادة اوباما) ستبقى غارقة  في صراعات مع الشعوب المسلمة ، و ستبقى عرضة لشتائم الشعوب التي تتوق إلى الحرية الحقيقية و لن تجد الأمن و لا حتى الرفاهية التي تسعى إليهما.
إننا نعيش في حقيقة عالمية لا في سلام أميركي . و منطق إدارة بوش قد شق طريقه . و ما عاد بإمكان الولايات المتحدة أن ترمي بثقلها في الحرب ضد الإرهاب . و ما عاد من الممكن أن يكون تدخلها  عسكريا صرفا . المنطق الجديد الذي يجب أن يرافق أوباما  يختصر بكلمة واحدة : التسوية. و الولايات المتحدة لن تضع حجر الأساس الأول إلا إذا حققت تسوية مع العالم الإسلامي مما يعني إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. ما يحدث للفلسطينيين يحمل أهمية عالمية .و إزالة الشوكة من الحلق ، أي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي و السماح للفلسطينيين بدولة و مستقبل ملك لهم ، يجب أن يكون أولوية عليا في الإدارة الأميركية الجديدة . و بالطبع، محاولة أميركا لاستعادة مكانتها في العالم يعتمد على ذلك.إذ في الحقيقة العالمية التي نعيشها يحدث و أن يكون مصيرا الأميركيين  و الفلسطينيين متشابكين.
*بقلم جيف هالبير مدير اللجنة الإسرائيلية ضد تدمير المنازل.

ترجمة : رنده القاسم

المصدر: الثورة
عن موقع counter Punch

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...