دمشق ـ طـهـران: خـــلاف الأولويات

12-05-2007

دمشق ـ طـهـران: خـــلاف الأولويات

الجمل ـ  سعاد جروس: لم تُبد إيران ارتياحها للقاء وزير الخارجية السوري وليد المعلم مع نظيرته الأميركية كوندوليزا رايس الذي تم على هامش مؤتمر شرم الشيخ, ما دعا طهران إلى إرسال إشارات غير مباشرة للتعبير عن موقفها غير الراضي عن هذا اللقاء عبر تسريبات إعلامية على لسان مصادر مطلعة اعتبرت السياسة السورية إزاء الولايات المتحدة «ارتجالاً», وان نتائج اللقاء جاءت «في غير مصلحة دمشق».
سوريا قامت, بدورها, بطمأنة إيران عبر تصريحات نقلت عن مصادر مطلعة تؤكد أن العلاقات السورية ­ الإيرانية «علاقة تنسيق وصداقة متميزة», وأنه «من الطبيعي أن تكون بين الدول في بعض الأحيان تباينات في قراءة التطورات وتحليلها». فهل تعكس تلك التطورات على مسار العلاقات السورية ­ الإيرانية, تعارض مصالح يبدو في الأفق, أم أن ذلك ليس سوى تباين عارض في قراءة المتغيرات الطارئة على السياسة الأميركية؟

مؤتمر دول جوار العراق الذي انعقد في شرم الشيخ بداية الشهر الحالي كشف عن اختلاف في النظر حول الحلول الممكنة لإخراج العراق من محنته. وبحسب مصادر حضرت الجلسات تركز الخلاف على نقاط عدة أولها الفدرالية, كذلك جدولة انسحاب قوات الاحتلال, ومطالبة الحكومة العراقية بتحمل مسؤولياتها في وضع آليات تنفيذ سريعة لوعود المصالحة من خلال إعادة النظر في الدستور العراقي وقرار اجتثاث البعث, وحل الميليشيات, وقانون النفط وتوزيع الثروة.
في تفاصيل الاتفاق والاختلاف, ظهر بوضوح أن المواقف العربية عموماً وفي مقدمتها الموقفان السوري والسعودي انسجما في رفض الفدرالية, وكادت سوريا تنفرد بالإصرار على حذف كلمة فدرالية من البيان الختامي, أثناء الاجتماع التحضيري لاجتماع دول جوار العراق, بينما صمتت إيران حيال طروحات تقسيم العراق كتعبير عن تفضيلها هذا الحل في مساندة منها لحكومة المالكي المؤيدة للمشروع... لتكون هذه واحدة من أهم نقاط التباين بين القراءتين السورية والإيرانية للوضع في العراق. ولقد جرى إهمال ذكر كلمة الفدرالية من دون التوصل إلى اتفاق واضح, بعد أن شكلت موضوعاً خلافياً بين العراقيين عموماً, وداخل الحكومة العراقية خصوصاً. وحسب المصادر الخلاف ليس حول المبدأ وإنما حول المفهوم. وبذلك تم تجاوز هذه العقبة بإرجاء النقاش حولها. إلا أن القراءتين السورية والإيرانية توافقتا حول مطالبة الإدارة الأميركية بوضع جدولة للانسحاب من العراق, وهو ما اختلفت حوله طهران مع الحكومة العراقية. وقد أصرت الأخيرة على أنها لا تزال بحاجة الى القوات الأميركية, وخلص النقاش إلى ان يكون وضع جدولة للانسحاب بالاتفاق بين الحكومة العراقية والإدارة الأميركية حسب ما يمليه الوضع الأمني والحاجة الى تلك القوات.
وسجل المؤتمر توافقاً عربياً حول مطالبة الحكومة العراقية القيام بخطوات عملية تفيد تحقيق المصالحة العراقية وعدم الاكتفاء بتقديم الوعود, في ما يتعلق بالنقاط الثلاث: الدستور واجتثاث «البعث» وحل الميليشيات. وكانت هذه المواقف متقاربة مع الرؤية الأميركية, فيما نأت عنها بوضوح رؤية كل من حكومة المالكي وطهران. خلال مناقشة هذه النقاط, بدا أن هناك تناغماً بين سوريا والسعودية وأميركا, وهو ما فسر إيرانياً على أنه تنسيق بين تلك الأطراف, ما أثار حفيظة الإيرانيين. فيما رأى مراقبون أن مصالح تلك الأطراف كما جرى التعبير عنها في مؤتمر شرم الشيخ, أفرزت ما يشبه الاصطفاف. طرف وقفت في مقدمته سوريا والسعودية, كانت مصالحه تقضي بالحفاظ على وحدة العراق, وإشراك جميع الأطياف العراقية في العملية السياسية لتحقيق المصالحة, ووضع حد للنزاعات الطائفية لدرء أخطارها الإقليمية. وطرف آخر في مقدمته حكومة المالكي وبعض الأطياف العراقية وإيران الساعي إلى إقرار الفدرالية واجتثاث البعثيين, والتغاضي عن إعادة النظر في الدستور, وإرجاء حل الميليشيات, وهي بمجملها تتعارض مع مصالح دول الجوار العربية, كما ان من شأنها إعاقة أي حل ممكن لعودة الاستقرار إلى العراق في الأمد المنظور. وفيما تحاول إيران ربط تعاونها في العراق بملفها النووي, تسعى سوريا إلى ربط تعاونها في العراق بالملفات العربية الساخنة, وأولها تحرير الجولان وإنهاء الملفين اللبناني والفلسطيني من خلال عملية سلام شامل, من دون أن يعني ذلك تخليها عن تحالفها الاستراتيجي مع إيران, وأيضاً من دون أن يكون هذا التحالف على حساب مصالحها الوطنية في تحرير أراضيها المحتلة والوصول إلى سلام عادل, طبقاً لمعادلة عبر عنها الرئيس السوري بشار الأسد في خطابه أمام مجلس الشعب الخميس الماضي بالقول: «إن سوريا مع الانفتاح على الجميع, وتسعى الى علاقات جيدة ومتوازنة مع الجميع, ونحن مع الحوار الذي يحترم عقولنا وإرادتنا والعلاقات التي تحترم سيادتنا».
في ضوء هذه المعطيات, لم يكن اللقاء الذي تم بين وزير الخارجية وليد المعلم ونظيرته الأميركية كوندوليزا رايس, أكثر من خطوة أولى لإعادة الحوار مع الإدارة الأميركية, الذي تسعى سوريا لأن يشمل القضايا كافة, لا أن ينحصر فقط في الشأن العراقي, ما جعل إيران حسبما سربت مصادر إيرانية للإعلام تعتقد بوجود تنسيق بين سوريا والسعودية يأتي ضمن إطار المساعي الأميركية, وحتى الدولية والإقليمية, لإيجاد فجوة بين الموقفين الإيراني والسوري من قضايا وملفات الشرق الأوسط. وقد أبدت طهران عدم ارتياحها بشكل مبكر إزاء المساعي السورية سواء خلال استقبال دمشق رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوزي, أو ما سبقه من مواقف على هامش قمة الدول العربية التي عقدت أخيراً في الرياض, وحجم التنازلات التي قدمتها سوريا مقابل وعود بتطبيع العلاقات بينها وبين عدد من الأقطاب العرب, وتخفيف الضغوط عليها في الملف اللبناني والمحكمة الدولية. وبهذه التسريبات تكون طهران قد كشفت بشكل غير مباشر عن التطور الحاصل على مسار العلاقات السورية ­العربية, التي شهدت فتوراً بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في تموز €يوليو€ الماضي, وتم ترويجها على أنها خروج لسوريا عن الصف العربي, ما رد عليه الرئيس بشار الأسد في تصريحاته للإعلاميين على هامش قمة الرياض لدى سؤاله: هل عادت سوريا إلى الصف العربي, بالتساؤل: أين تقف سوريا؟ ثم متابعته القول: «سوريا لم تكن إلا داخل الصف العربي». ما يشير وفق مصادر سورية إلى أن العرب هم الذين تخلوا عن سوريا وخضعوا للضغوط الأميركية ليشاركوا في خطة عزلها, والتي أثبتت فشلها بدليل طلب رايس مقابلة وزير الخارجية السوري, بعد أن كانت إدارتها تنتقد أي مسؤول أميركي يفكر بزيارة دمشق. وقد يكون مبرراً لإيران التوجس من تأثير عودة الحوار الأميركي ­ السوري على علاقتها بحليفتها, إلا أن الرئيس الأسد أرسل إشارات تطمينية لدى القول: «إن الإغراء لم يكن ليلبي متطلباتنا الوطنية والقومية, وما كان للوعيد أن يرهبنا بالتخلي عن ثوابتنا على الرغم من كل ما رافق ذلك من حملات إعلامية مزيفة وتصريحات مسعورة لتشويه صورتنا».
كلام الأسد يؤكد ما كشفت عنه مصادر سورية, بأنه لم يكن هناك تنسيق مسبق في المواقف مع السعودية في شرم الشيخ ولا حتى مع الولايات المتحدة الأميركية, وإنما الأولويات السورية هي التي فرضت اتخاذ هذه المواقف الواضحة, وهي ذاتها المواقف السابقة التي لم تتغير حيال المسألة العراقية. وقد عاد الأسد وأكدها في خطابه الأخير بالقول «وقفنا ضد الحرب ورفضنا الاحتلال, وأعلنا ضرورة وضع جدول زمنى لانسحاب قوات الاحتلال, وأكدنا حق الشعب العراقي في المقاومة مع دعم العملية السياسية في العراق على قاعدة عدم استبعاد أي مكون من المكونات الوطنية للشعب العراقي, كما عبرنا عن استعدادنا لأداء دورنا في إقامة الحوار الوطني العراقي ليس إرضاء لأحد بل لإيماننا في تحقيق الاستقرار لأبناء الشعب العراقي وفى المنطقة», مؤكداً «أن سوريا تعمل من اجل مساعدة الشعب العراقى لتجاوز محنته, وليس من اجل مساعدة قوات الاحتلال للخروج من ورطتها».
وفي حديث الى «الكفاح العربي» قالت مصادر سورية مطلعة: لا يمكن لسوريا بأي حال من الأحوال الموافقة على تقسيم العراق تحت أي صيغة كانت, لما يمثله هذا المخطط من خطر على استقرار سوريا والمنطقة, وهي ترى أن قانون اجتثاث البعث يعتبر من الأخطاء الأميركية الفادحة بالإضافة إلى قرار حل الجيش العراقي والتي شكلت احد عوامل تأزيم الوضع في العراق. ومن المؤسف أن الإدارة الأميركية أدركت متأخرة النتائج الكارثية التي ترتبت على هذين القرارين وتميل الآن الى تداركهما. وتابعت المصادر: لا يمكن تحقيق المصالحة العراقية من دون إعادة النظر في هذين القرارين, وبالأخص اجتثاث «البعث» المنطلق من خلفية طائفية, فكما هو معروف أن غالبية البعثيين هم من السنة العراقيين الذين كانوا ممسكين بمفاصل مؤسسات النظام السابق ويمتلكون خبرات علمية وعملية, واستبعادهم أو اجتثاثهم تحت زعم القضاء على المتورطين في أعمال إجرامية في الحقيقة هو استبعاد لمئات الآلاف من العراقيين غالبيتهم العظمى من السنة. ومن شأن ذلك بقاء جذوة العنف الطائفي متوقدة. أما لو كان الهدف من اجتثاث «البعث» القضاء على المتورطين بأعمال إجرامية, فهؤلاء أعدادهم لا تتجاوز المئات بأعلى تقدير ويمكن ملاحقتهم ومحاكمتهم. وتضيف المصادر ان إبقاء العمل بقانون اجتثاث «البعث» لا يمكن تفسيره إلا بالعمل على تكريس الخلافات المذهبية والأهلية لتشريع قيام الفدرالية كحل لا مناص منه, والإصرار على تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات شيعية وسنية وكردية. وتتابع المصادر أنه وفق التصور المرسوم لهذه الفدرالية من الصعب عودة الاستقرار للعراق, لأن المناطق السنية ستكون مناطق معزولة ومحرومة من الثروات, وبالتالي ستبقى بؤرة للتوتر وتصدير المقاومين إلى الكيانات الأخرى. وقد نبه محللون سياسيون أميركيون إلى هذه الفجوة في المشروع الفدرالي, ما دفع الإدارة الأميركية للتفكير بسدها في حال أُقرت الفدرالية بمراضاة السنة بتقاسم جزء من الثروات. لكن السوريين لا يحذرون من الخطر الناجم عن تقسيم العراق, بل من خطورة الطريق المؤدية إليها, وما سيعترضها من صراع مدمر ومفتت للمنطقة, فالحرب الأهلية التي ستسهل الفدرالية إذا استمرت في التصاعد لن تبقى داخل حدود العراق. من هنا تأتي معارضة سوريا لهذا المشروع الخطير, الذي يمثل تهديداً مباشراً لأمنها, وهي إذ تقبل بالحوار مع أميركا حول الشأن العراقي للحد من تصاعد العنف, تعمل على الوقوف بوجه هذا المشروع التقسيمي, إلى جوار الدول العربية المتفقة معها على ضرورة تحقيق المصالحة العراقية لضمان وحدة العراق. وتم ربط تلبية الطلب الاميركي بالانضمام إلى اللجنة الأمنية السورية ­ العراقية, بتوافر بيئة سياسية مناسبة وقيام علاقات دبلوماسية طبيعية تتضمن تعيين سفير أميركي في دمشق والعودة عن قرار سحب السفيرة مارغريت سكوبي.
إلا أن إيران التي خشيت من سرعة الخطوات السورية ­ الأميركية, ولا سيما ان هناك ترتيبات تجري لمتابعة الاتصالات, حاولت كبح نتائج لقاء المعلم ­ رايس بالتعبير عن عدم الرضا عن السلوك السوري إزاء الولايات المتحدة الأميركية, كما حرص وزير الخارجية منوشهر متكي خلال يومي مؤتمر شرم الشيخ, وعلى الرغم من التنسيق المسبق مع سوريا على استعراض عدم الرغبة بلقاء الوزيرة رايس, متجاوزاً الجهود العراقية الحثيثة التي بذلها وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري لإجراء هذا اللقاء. والمتابع لتحركات الوزير الإيراني خلال المؤتمر يلحظ بوضوح المناورة الإيرانية في عدم إخفاء بل وإظهار الرفض الإيراني في دعوة العشاء التي رتبت فيها المائدة كي يجلس جميع الفرقاء حول طاولة مستديرة بانسحاب الوزير الإيراني من الصالة بالتزامن مع دخول رايس, بحجة وجود عازفة في المكان ترتدي ملابس مكشوفة, ولم يتم الكشف عن هذه الأسباب إلا بعدما تداولت وسائل الإعلام رفضه الدخول كي لا يجلس مع رايس على طاولة واحدة. كما كذبت مصادر إيرانية ما نقلته وسائل الأعلام عن مصادر اميركية أنه جرى تبادل التحية وعبارات مجاملة لدى لقائهما مصادفة. هذه المناورات المحسوبة أظهرت وزيرة الخارجية الأميركية رايس بأنها تلاحق متكي, بينما هو لا يعيرها اهتماماً, جعلت الوزيرة الأميركية تصرح في مؤتمر صحفي بأنها لا تجري وراء أحد... إلا أن تصريحها لم يبدّل شيئاً في النتائج التي سجلت نقاطاً لمصلحة السياسة الإيرانية في هذه الجولة, لتترك باب الاحتمالات مفتوحاً على أكثر من سيناريو منها ما يتصل بمستقبل العلاقات السورية­ الإيرانية, على خلفية أولويات كلا البلدين, والدور الممكن لسوريا أن تؤديه للحفاظ على علاقات جوار إيرانية­ عربية مطمئنة, كالدور الذي سبق ومارسته في عقود ماضية لدى اشتداد العداء بين إيران والعراق, وهو دور نجاحه منوط بسياسات إيران ومدى تعارض ملفها النووي وعلاقتها مع اميركا وأجندتها في العراق مع انخراط سوريا في عملية تفعيل مبادرة السلام العربية, وسعيها للاستفادة من الزخم العربي (السعودي­ المصري) في ممارسة ضغوط على الإدارة الأميركية كي تحث إسرائيل على القبول بالمبادرة, بهدف التوصل إلى سلام عادل يكون أساساً لوضع حلول لكل القضايا العربية المتأزمة من فلسطين إلى العراق وحتى لبنان.


بالاتفاق مع الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...