المشهد الميداني لمدينة حمص بعد استعادة حي الخالدية

30-07-2013

المشهد الميداني لمدينة حمص بعد استعادة حي الخالدية


برغم التطورات المتسارعة في كل من حلب وريف دمشق، اتجهت الانظار فجأة إلى حي الخالدية، بعدما بدأت الأنباء الواردة من هناك تتحدث عن سيطرة الجيش على مسجد خالد بن الوليد. وتعزز ذلك بصور بثتها قناة «المنار» اللبنانية وقناة «الدنيا» السورية، نفت ما قالته «تنسيقيات» المعارضة عن استمرار الاشتباكات في المنطقة.
وقد وصف ناشطون الاشتباكات بأنها الأعنف، خصوصاً في الأيام الثلاثة الأخيرة، حيث لم تتوقف هجمات الجيش السوري وعمليات القصف، وصولاً إلى دخول مسجد خالد بن الوليد الواقع على مدخل الحي. ويعتبر الخالدية الخط الاول لمنطقة حمص القديمة التي يفرض عليها النظام حصاراً منذ اكثر من سنة.
والمنطقة المحاصرة في قلب المدينة عبارة عن أحياء الحميدية، والخالدية، وجورة الشياح، والقصور، والقرابيص، ووادي السايح، والميدان، وهي تعرف باسم حمص القديمة، ويقيم فيها حوالى ثمانية آلاف مدني، بالإضافة إلى مقاتلين من «الجيش السوري الحر». ويقع على مدخلها «مسجد خالد بن الوليد» ذو الأهمية التاريخية والدينية.
وفي المقابل، يسيطر النظام على ما يحيط بالمدينة القديمة، أي أحياء السبيل، والبياضة، والدبلان، والغوطة، وعكرمة، والنزهة، والزهراء، والحمرا، وكرم الشامي، والإنشاءات، والوعر.
ويعتبر حي الوعر مدخل المدينة بالنسبة إلى الريف الشمالي وحماه، حيث تتمركز كتائب المعارضة المسلحة خصوصاً في منطقتي الرستن وتلبيسة.
وفي المقابل، أصبحت منطقتا بابا عمرو وباب السباع في قبضة النظام، بعد معارك امتدت لعدة اشهر في الشتاء الماضي، وهما اليوم من أبرز مواقع النظام التي يشن منها هجماته على المعارضة في الكلية الحربية في الوعر، وفي قلعة حمص التي تشرف على جزء واسع من المنطقة المحاصرة، بالإضافة إلى المطارات العسكرية في الريف الغربي.
وعبر منصات القذائف والصواريخ التي تم نصبها في المقار العسكرية والأمنية يعمد النظام إلى قصف المنطقة القديمة ومحاصرتها. وتجهد الكتائب المحاصرة في رد الهجمات لمنع تقدم قوات الجيش.
وفي مقابل فوضى المعارك في مناطق سيطرة المعارضة، تشهد أحياء النظام الهدوء التام، ولا يكسر هذا الهدوء سوى بعض التفجيرات بالسيارات المفخخة، أو القصف المتباعد بين الحين والآخر.

أبرز الكتائب المقاتلة

يتندر أهالي حمص بمقولة إن عدد الكتائب في المدينة أصبح اكثر من عدد السكان، فالانتشار الكبير للكتائب حوّل عملية إدارة المعارك مع النظام إلى فوضى لا حدود لها، كانت سبباً في فشل العديد من عمليات المعارضة العسكرية.
وبرغم كل ذلك، تبرز في الواجهة ثلاثة تجمعات أساسية للكتائب، أولها «لواء الحق»، الذي يعتبر الأقوى في المدينة ويضم 11 كتيبة، من بينها اثنتان في داخل المنطقة المحاصرة، وهما كتيبة «اتباع الرسول» وكتيبة «الأنصار».
وتنتشر باقي مجموعات اللواء في الريف الشمالي والشمال الشرقي، ومن بينها «لواء الإيمان» و«فوج المهام الخاصة»، وهذه المجموعات تقوم باستهداف مواقع النظام باستخدام صواريخ «غراد» أو أخرى محلية الصنع.
يذكر أن «لواء الحق» عضو في «الجبهة الإسلامية السورية»، التي لا تعترف بقيادة «الجيش السوري الحر» ولا بهيئة الأركان.
وبالإضافة إلى «لواء الحق»، تنتشر «كتائب الفاروق»، التي ذاع صيتها كثيراً في بدايات تحول الحراك السلمي إلى العمل العسكري خصوصاً إبان معركة بابا عمرو حين تزعمه الملازم عبد الرزاق طلاس، قبل ان يتم عزله بعد عدة اشهر. وتنتشر تجمعات «كتائب الفاروق» في شمال سوريا، وبات ينظر إليها على أنها كتائب مسيسة تعمل بأمر الجهات الداعمة لها والقائمة على تمويلها، بل ان البعض يلقي باللوم عليها بسبب تخاذلها في معركة القصير، بالإضافة إلى قيامها بتخزين السلاح بما فيه المعدات الثقيلة.
أما ثالث تجمعات المعارضة المسلحة، فيتمثل بـ«هيئة حماية المدنيين»، ويقودها شخص يدعى هيثم رحمة. وتعتبر الهيئة بمثابة الذراع العسكري لجماعة «الإخوان المسلمين»، ولا تتحرك إلا بأوامر مباشرة من قادة الجماعة. أما سمتها الأساسية فهي انها أول من قام بتخزين السلاح بكميات كبيرة، على اعتبار انه مخصص لليوم التالي بعد سقوط النظام.
ولكن تجدر الإشارة إلى أن الدعم «الإخواني» لا يقتصر على «هيئة الحماية»، بل يمتد بشكل أو بآخر إلى باقي التجمعات وخصوصاً «الفاروق»، وإن تبدلت العلاقة بينهما بين مد وجزر مع توافر اكثر من داعم سعودي وتركي لـ«الفاروق».
وتجدر الإشارة إلى وجود تجمع آخر، ولكنه ليس بحجم الثلاثة المذكورة، وهو لواء «أحفاد الرسول». ويمثله في حمص كل من لواء «العهد بالله» ولواء «أنصار الحق» فقط. وينتشر اللواءان في المدخل الشمالي للمدينة، حيث يستهدفان قوات الجيش بصواريخ «كاتيوشا».

تشتت وسوء تخطيط عسكري

لا يبدو مصطلح «الجيش الحر» ملائماً لمشهد المسلحين في حمص، فلا هو يشكل جيشًا متكاملا منظمًا، ولا هو يعتبر سيد قراره. ولعل هذا هو توصيف معظم الكتائب في المنطقة، إذ تسود حالة من سوء التخطيط والتخبط بالقرارات، التي غالبا ما تكون خاضعة لرأي الجهة الداعمة، والتي ترفض إرسال التمويل والسلاح لمن يخالف قراراتها بالتدخل أو مساندة أي موقع يتعرض للضرب، الأمر الذي حصل في القصير، وكان سبباً في سقوطها بيد النظام، حتى بات نشطاء حمص الإعلاميون يتحدثون علنا عن قرار من المعارضة السياسية بترك حمص مقابل التركيز على مواقع أخرى.
وكثيرا ما قامت بعض الكتائب بتصوير مقاطع فيديو لعمليات لم تقم بها، ثم نسبتها لنفسها لإيهام الرأي العام بقدرتها على «التحرير». ويبلغ الانقسام ذروته بتشكيل أربع غرف عمليات لريف حمص الشمالي بحجة التدخل «لتحريرها». ويتوج الانقسام العلاقة الفاترة مع «هيئة الأركان» ورئيسها سليم إدريس.
ويضاف إلى ذلك حالة المناطقية بين الفرق المقاتلة، إذ لا تشترك كتيبة إن حضرت أخرى منافسة لها، كما يمكن لأي خلاف أن يولد كتيبة جديدة، ناهيك عن سوء الإدارة الإعلامية للمعارك التي حولت بعضها إلى استعراضات.
كل ذلك لم يَجُر سوى المزيد من الضعف إلى هذه التجمعات والمدنيين من حولهم، وهي عوامل تتجمع مع بعضها لترتسم معها صورة حمص في جبهة الصراع بين الطرفين، حيث تفشل خطط التنسيق والتوحيد بين الفرق العسكرية، وتعيش المدينة يوميات الدمار والقصف من دون أي امل بإنقاذها.

طارق العبد

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...