الغرب يسطو على مذبحة باريس

09-01-2015

الغرب يسطو على مذبحة باريس

الجمل- * فينيان كانينغهام- ترجمة: رندة القاسم:
ردة الفعل الغربية على مذبحة المجلة الفرنسية تثير الاشمئزاز. فبكل قوتهم اندفع القادة الغربيون ، من الرئيس الأميركي باراك أوباما الى الأب فرانسيس، و من ملكة بريطانيا اليزابيث الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، من أجل اصدرا بيانات الشجب و المواساة حول قتل اثني عشرة شخصا على يد مسلحين في مكتب باريسي.
أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يوم حداد رسمي ، نكست الأعلام على المباني الحكومية و دور البلدية ، و قرعت أجراس كنيسة نوتردام إجلالا لأرواح الضحايا.
و لكن إذا تابعنا حادثة مقتل الصحفيين الفرنسيين و شرطيين من منظور عام، عندها  يمكن القول أنه يتم أسبوعيا قتل عدد مماثل من الأشخاص بضربات جوية و هجمات طائرات بلا ربان تشنها الولايات المتحدة و حلفاؤها من الناتو، بما فيهم فرنسا، في دول عبر آسيا الوسطى و الشرق الأوسط و إفريقيا.
و جراء هذه الهجمات الأخيرة، قتل آلاف المدنيين خلال السنوات الماضية بسبب العنف العسكري الغربي غير الشرعي في أفغانستان و باكستان و اليمن و الصومال، و يضاف إلى أعدادهم الضحايا في سوريه و العراق منذ بدء القصف الذي شنه الائتلاف بقيادة الولايات المتحدة في أيلول الماضي.
أين كان الشجب و العزاء الدولي رفيع المستوى من أجل هؤلاء الضحايا؟؟؟أين صلوات الشموع؟ ما من أحد.. أين هي العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام الغربية التي تقول : "نحن اليمن" أو "باكستان" أو "الصومال" أو أي كان؟؟؟
هذا الأسبوع أثار القادة الغربيون و وسائل الإعلام الغربية غضبا أخلاقيا حول المذبحة في المجلة الفرنسية شارلي ايدو . غير أنهم ، في موقفهم هذا، كشفوا عن ازدواجية بغيضة و نفاق تجاه ضحايا الإرهاب الآخرين. فأعمال المنظمات المصنفة إرهابية بشكل رسمي، مثل القاعدة و فروعها المرتبطة بحادث باريس، استنكرت بأقصى قوة بلاغية.و لكن لم تُستنكر أعمال الدول الإرهابية  مثل واشنطن و حلفائها الغربيين، بما فيهم حكومة فرنسا، عندما شنت ضربات جوية على قرى بلدان أجنبية في انتهاك كامل للقانون الدولي و الأخلاق.
غير أن الأكثر إثارة للاشمئزاز هو الطريقة التي اتبعتها الحكومات الغربية من حيث استغلال مذبحة باريس كوسيلة للحصول على بعض السلطة الأخلاقية. فالرئيس أوباما شجب القتل بالقول: " ثانية يناصر الشعب الفرنسي القيم العالمية التي دافعت عنها أجيال من شعوبنا"...بكلمة أخرى، أوباما يدس حكومته في صف الضحايا، كما و كأنهم واحد و يقفون في وجه الشر. و أضاف أوباما: " فرنسا، و مدينة باريس العظيمة التي وقع فيها هذا الهجوم الفظيع، منحت العالم مثالا خالدا سيستمر إلى ما بعد  المنظر الكريه لهؤلاء القتلة".
هولاند خاطب شعبه عبر التلفزيون مناديا بالوحدة و معتبرا ضحايا هجوم باريس "أبطالا" ماتوا لأجل فرنسا ، و بلهجة كئيبة قال: "سلاحنا الأفضل هو وحدتنا، ما من شيء يمكنه مقاومتنا، تقسيمنا و تفريقنا..الحرية دائما أقوى من الهمجية.. و اليوم الجمهورية الفرنسية بأكملها أصبحت هدفا"...
اللغة الخطابية نرجسية و منافقة و مخادعة و مثيرة للاشمئزاز. و بحقارة ، كما في الهجمات المشابهة المؤخرة في أستراليا و كندا و بريطانيا، استخدم القادة الغربيون العنف كوسيلة لتبرير حجتهم في "الحرب على الارهاب" و أعمالهم الاجرامية. و منذ حوالي خمسة عشر عاما و الحكومات الغربية بقيادة واشنطن تستخدم ذريعة "محاربة الارهاب" الرثة لشن حروب غير شرعية و حملات مجرمة عبر العالم، و في الدول الاسلامية بشكل خاص.و بنفس الوقاحة التي بررت فيها هذه الدول الغربية حربها ضد الإرهاب، تحولت الآن الى عمليات تغيير الأنظمة في دول أخرى مستخدمة إرهاب  برعاية سرية كما في ليبيا و سورية و أوكرانيا.
و اضافة الى الشرق الوسط و شمال افريقيا، منحت فرنسا نفسها حقا أخلاقيا و شرعيا لشن اعتداءات عسكرية في مالي و جمهورية إفريقيا الوسطى مسببة موت الآلاف و تهجير الملايين عبر السنتين الماضيتين. و الحكومات الغربية ، و على رأسها واشنطن و لندن و باريس، تدير بشكل مسعور ارهاب دولة و أعمال اجرامية في سعيها وراء المصالح الامبرياليه.
و عندما ارتدت أشكال الإرهاب على العواصم الغربية ، فان الاستنتاج المنطقي الملائم هو أن ما حدث هو النتائج العكسية للتخريب الفاسق الذي ارتكبته هذه الحكومات الغربية بحق القانون الدولي و القيم الأخلاقية. و يجب شجب أخطائهم الشنيعة و فهمها على أنها أساس كل التبعات. يجب ألا نسمح للموجدين الأساسيين للعنف الدولي بالاختباء وراء الحزن الانتقائي على ضحايا الارهاب.
و عندما نسمح للقادة الغربيين بالتلاعب بالمشاعر العامة و تسريب تعاطفهم من أجل اكتساب سلطة أخلاقية لا يستحقونها، فان هذا بلا شك سيؤدي الى المزيد من العنف و الصراع. و فعليا، وردت تقارير عن ردات فعل عنيفة ضد الجاليات المسلمة عبر فرنسا، و بلا شك ستسعى المجموعات اليمينية المتطرفة المتصفة بالاسلامفوبيا الى استغلال هذا الوضع.
و لكن ردة الفعل العامة الملائمة يجب أن توجه نحو الحكومات الغربية و القادة الغربيين أوباما، هولاند و كاميرون و كل من دفع العالم نحو المزيد من الأذى جراء رعاية دولهم المتهورة للإرهاب.

 

*بقلم الصحفي الايرلندي فينيان كانينغهام
عن موقع Press TV

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...