الشباب السوري في دبي يحلم بالوطن ولا يفكر بالعودة

29-11-2006

الشباب السوري في دبي يحلم بالوطن ولا يفكر بالعودة

الجمل ـ دبي ، حسان عمر القالش:   اطمئنوا..هم هم مازالوا كما غادروكم (لكن) أحيانا لن تعرفوهم!.. شبابنا هؤلاء الذين سافروا وربما هاجروا الى "دبي" سويسرا الشرق – بعد لبنان – وحلم كل شاب طموح وجامح في طموحه المادي. جاؤوا الى هنا يحملون معهم أيضا براءة لا تزول وشجن لا يغيب, وهذه احدى مشكلات العيش هنا في "دبي" أن تحافظ على أصالتك وألا تزول انسانيتك عنك, فهي بلد "شغل شغل شغل" كما يقول "فادي", ويتابع بصوت محترق:" لا مجال هنا للعواطف أبدا, ولا مجال لتذكر الأهل والأصحاب والتحسـّر على أوقات جميلة ودافئة تظن بأنها تمر دونك". هكذا تروهم يعيشون فبعد دموع بداية الغربـة عليك أن تقتـلع قلبـك من بين صدرك وتضعه في "الفريـزر" ولا تسترجعه الا عند العودة الى الوطن, هذا ان لقيتـه كما كان لم يتقلـّص أو ينكمش.

"فادي" مهندس معماري مازالت أصداء أعماله ومشاريعه المبدعة في كلية هندسة العمارة في جامعة تشرين تتردد حتى يومنا هذا, لكن الوطن خسره بعد أن "كسـّره" الى مهندس في احدى بلديات ضواحي دمشق يهدم البنايات المبنيـّة بشكل غير قانوني ويتعرض لخطر وتهديد متعهديها أو"تجار المخالفات" الذين عملوا على النيل من سمعته وتدمير مستقبله بالتعاون مع شركائهم الحكوميين في المحافظة والوزارات لأنه "تغابى" ورفض التعاون معهم والعمل لحسابهم, الى أن أحاله وطنه على "الغربـة" وهو الآن يرسم بيده أحلى ديكورات وتصاميم مباني وشقق دبي.

على رصيف الكورنيش البحري عند "ممزر دبي" افترش فادي ومحمد وعصام الأرض كعادتهم مساء كل ليلة خميس, وما ان تجلس معهم على حصيرتهم وتشاركهم "المتة" حتى يتهيأ لك أنك تجلس عند "الجندي المجهول" في الشام أو في احدى برندات "الرمل" أو "الجمعية" في طرطوس. لكن حديث "المال والفلوس" والأعمال الدخيل على الجلسة يعيدك الى صحارى هذي البلاد المزروعة بالترف والثروات.

حكـى لنا محمد عن طبيب شـاب من حلب لم يدع عملا أو استثمارا مهما كان محترما أو حقيرا الا وأقبل عليه فهو "يعبد الفرنك" وآخر استثماراته الزواج بفتاة من أوروبا الشرقية والاستفادة والكسـب من جسدها وتشغيلها في الدعارة, و"هاهو الآن استأجر عيادة في شارع الشيخ زايد حيث نحلم بأن نملك دعسة قدم هناك".
يستظرف عصام استغرابنا وتقززنا من القصة ويقول "عادي..ما في شي حرام هون بـدبي, حتى الجنس هنا شيء طبيعي تماما كأنك تشتري علبة سجائر من الدكان". و"العادي" أن يكون الأمر "عادي" عند عصام الذي لا يعرف طرطوس الا لأيام فقط في السنة والقادم من "بيروت" حيث قضى فيها سنوات الصبا في العمل والكسب ومنها الى "دبي".
هؤلاء الشباب وكثيرين مثلهم لا يحسـون بانسانيتهم وبأرواحهم تتنفس الا بجمعـات كجلسة "الممزر" هذه, حيث يفضلون شرب المتة والاسترخاء بعد أسبوع قاتل من العمل على الذهاب الى الكازينوهات والبارات المنتشرة هناك, خاصة وأن أغلبهم لا يعيش حياة اجتماعية مثالية وصحية بل حياة وحدة  و"عزوبية" تنهش نفوسهم وآدميتهم, والمتزوج منهم يترك زوجته في البلد.. بينما يظن معارفهم وأصدقاؤهم في سوريا بأنهم "يا لطيف..شي شغلة هون" وبأن أرضهم مفروشة بالدراهم والدنانير فهم كما يقول محمد "مضروبين بحجر كبير" بالنسبة لمجتمعهم في سوريا.

ومع أن الحنين الى ناسـهم وأرضهم يدغدغ أحلام لياليهم الحارة وشرودهم في لحظات نادرة, الا أن بعضهم يعود ويستيقظ من رومانسية الحياة وسذاجـتها في الصور غير الموجودة الا في أذهانهم, ويأخذون جرعة من الواقعية ويؤكدون بقاءهم هنا, وذلك اما برفع سقف أحلامهم ومتطلباتهم أو بالاستمرار باليأس من واقع الحال والحياة في الوطن وبأنها ستبقى "عوجة" كما يقول أيمن زيدان.

فادي من جهته لن يعود الى طرطوس الا راكبا سيارة "هـامـر" فأحد أبناء عمومته في الضيعة أرسل له مسج على هاتفه الخلوي قال له فيه "عقبال ما ترجع بـالهـامـر" ومن يومها "عـبـّأت رأسي هذه الجملة" كما يقول. وعلى عكس عادة كل من يتغرب عن بلاده بالتركيز على ايجابياتها وتذكر محاسنها, مازال الشباب زاهدين في العودة والبدأ من جديد فيها ولا أمل لهم بتغير الأحوال, ولا ينفع معهم جدال أوسجال حول ظواهر وعلامات الأمل التي حدثت في البلاد, واذا اقتنعوا بها ساءهم بطئها وتأخر تنفيذها. وكانوا يسألون السؤال التاريخي لكل مغترب والذي تراه السلطة عندنا تعجيزيا غير منطقيا ويـروه هم واقعيا وضروريا: هل نضمن أن يكون لنا في وطننا نفس مدخولنا هنا؟

 

الجمل

إلى الندوة

التعليقات

لاترجعوا أحسن لكم

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...