الأزمة اللبنانية «مكانك راوح» ومفتاح الرئاسة مازال مفقوداً

22-11-2007

الأزمة اللبنانية «مكانك راوح» ومفتاح الرئاسة مازال مفقوداً

«مكانك راوح»... وإذا استمرت المعطيات السياسية التي أدت الى إرجاء جلسة الحادي والعشرين، قائمة، حتى مساء اليوم، فإن الإرجاء سيكون من نصيب جلسة يوم غد، وبالتالي يكون لبنان قد أصبح على عتبة مرحلة الفراغ الدستوري، مع ما قد تستجلبه من مخاوف ومخاطر في ظل واقع الاشتباك السياسي المفتوح، خاصة منذ سنة حتى الآن... إلا إذا حصل أمر ليس في الحسبان.
وقبيل أربع وعشرين ساعة، من موعد الجلسة النيابية التي أصر رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، أمس، على أنها ستعقد غدا وستشهد انتخاب رئيس جديد، رفع الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وتيرة جهوزيتهما الى الحد الأقصى، حيث ألغيت المأذونيات وتم سحب لواء كامل من الجيش اللبناني من منطقة الجنوب ووضع في حالة تأهب، في موازاة انتشار عدد من الأفواج والسرايا العسكرية في بيروت الكبرى وصولا الى قضاء المتن الشمالي، تحسبا لأي طارئ، فيما كان قائد الجيش العماد ميشال سليمان، يتابع ساعة بساعة عملية الانتشار ويعطي أوامر صارمة للعسكريين «بالتصدي لأية محاولة للإخلال بالأمن والنظام العام».
وقبيل أربع وعشرين ساعة من موعد جلسة الثالث والعشرين، تحولت دارة العماد ميشال عون، في الرابية، الى محط أنظار الموفدين وكل العاملين على خط إنتاج تسوية داخلية للاستحقاق الرئاسي، بحيث بدت «الكلمة الفصل» بيد «الجنرال»، خاصة بعد أن أدت، بكركي، قسطها للعلى بتسليمها لائحة خطية لمن يعنيهم الأمر في الداخل والخارج، ليتبين، لها لاحقا، أنها «خدعت» عندما قيل لها إن الضمانات متوافرة للسير بأحد مرشحيها التوافقيين.
وبينما كان المرشح التوافقي ميشال إده يحاول إزالة تحفظات العماد عون وبعض قوى الأكثرية على ترشيحه، ظل النائب سعد الحريري محاصرا بتحفظات مسيحيي الأكثرية الذين بدا مرشحوهم خارج دائرة الاتصالات، علما أن الرئيس أمين الجميل أعاد، أمس، الاعتبار الى اقتراحه القاضي بجمع الأقطاب المسيحيين الأربعة (هو وعون وسليمان فرنجية وسمير جعجع) في دارته ببكفيا.
وعشية الجلسة، سقط الاقتراح
المفاجئ الذي قدّمه الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، الى الرئيس بري، بأن يبادر الى دعوة أركان الحوار الأساسيين الى جلسة تعقد اليوم وغدا ويتم خلالها اتخاذ قرار حاسم في موضوع الرئيس التوافقي أو تنظيم التوجه نحو الفراغ الهادئ بما في ذلك إمكان إعادة النظر بالوضع الحكومي!
وكان لافتا للانتباه قيام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، بإجراء اتصال، هو الأول من نوعه، مساء أمس، مع العماد عون، حيث تمنى عليه أن يبادر والنائب الحريري الى اتخاذ خطوات إنقاذية متبادلة من شأنها تسهيل عملية إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها.
وجاء اتصال ساركوزي بالعماد عون، غداة اتصاله، أمس الأول، بالرئيس السوري بشار الأسد حيث طلب منه أن يساعد بإقناع حلفائه في لبنان بتسهيل عملية الانتخابات، وتردد أن الجانب السوري نصح الفرنسيين بالاتصال مباشرة بالعماد عون لأنهم «يمونون» عليه أكثر من غيرهم.
وأجرى ساركوزي اتصالا مماثلا بالنائب سعد الحريري، وأعقب الاتصالين، انعقاد جولة حوار هي الثانية، بين عون والحريري في دارة نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري في الرابية، بعد الجولة الأولى التي عقدت بينهما في باريس.
وقال بيان صادر عن الجانبين إن الجولة الحوارية الثانية خصصت للبحث في سبل إنجاز الاستحقاق الرئاسي وفقا للدستور «وقد اتفق عون والحريري على إبقاء المشاورات مفتوحة بينهما من أجل المساهمة في إنضاج حل للأزمة في أسرع وقت ممكن».
وعلمت «السفير» أن الحريري حمل معه اقتراحا يقضي بانتخاب روبير غانم لمدة سنتين، على أن يعقد مؤتمرا صحافيا، يعلن فيه ذلك، ربطا بإجراء الانتخابات النيابية، وذلك في نسخة غير منقحة، عن الاقتراح الذي كان المرشح ميشال إدة قد طرحه على البطريرك الماروني والسفير البابوي وحظي بموافقتهما.
وقد رفض العماد عون اقتراح الحريري وأصر على «أن يأخذ حقه»، كما فعل غيره، وذلك بوصفه ممثلا للغالبية المسيحية، مجددا السؤال «لماذا تعترفون بحيثيتي مسيحيا ولا تقدمون جوابا مقنعا حول رفضكم ترشيحي».
وقالت مصادر الجانبين ان الجلسة الثانية كانت جدية وإنه تم الاتفاق على متابعة البحث، في إقرار ضمني بفشلهما في التوصل الى أي مخرج.
واجتمع عون، بعد اللقاء بحليفه سليمان فرنجية وذلك على مأدبة عشاء. وقال مصدر قيادي في المعارضة اللبنانية إن أية تسوية لا يشارك فيها العماد عون سيرفضها «الجنرال» وبالتالي سترفضها المعارضة، ولذلك، فإن الإخراج (الرئاسي) يوازي في أهميته المضمون».
في هذه الأثناء، بدا الفرنسيون يدفعون باتجاه الانتخاب في موعده الدستوري لأن حدود التفويض الممدد أميركيا لهم ينتهي مفعوله عند منتصف ليل الرابع والعشرين من تشرين الثاني، وبرزت إشارات عبر الموقف الذي أطلقته، أمس، وزيرة الخارجية الأميركية تركت علامات استفهام حول ما اذا كان الأميركيون قد أعادوا الاعتبار الى خيار النصف زائدا واحدا بعد الرابع والعشرين من الجاري. وتوقعت مصادر دبلوماسية فرنسية (باريس ـ محمد بلوط) أن تعيد الولايات المتحدة الإمساك بالملف اللبناني في حال الفشل الفرنسي. وفي اعتقاد الفرنسيين «أن الاتفاق الذي أبرمه كبيرا مستشاري الإليزيه جون دافيد لوفيت وكلود غيان مع السوريين قبل أكثر من أسبوعين نص على تفويض الحريري وبري اختيار إسم من لائحة بكركي.
وتابعت المصادر الفرنسية أن المسؤولين السوريين لم يقولوا إنهم يمانعون باختيار إسم ثان وحتى ثالث من بين الأسماء التي كان البطريرك الماروني يستعد لتسليمها للفرنسيين لكن حلفاء دمشق في لبنان تصرفوا على غير مقتضى الاتفاق». وقالت المصادر «لو قاطع نواب «حزب الله» والرئيس نبيه بري والجنرال ميشال عون الجلسة (غدا) فسيتحملون المسؤولية».
وفي هذا السياق، بادرت وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس أمس، الى اتهام، دمشق بالتدخل في الانتخابات الرئاسية اللبنانية، مطالبةً إياها بالسماح للبنان باختيار الرئيس «من دون ترهيب».
وقالت رايس، التي أجرت، أمس، اتصالاً هاتفياً بنظيرها الفرنسي برنار كوشنير، إن «اللبنانيين بحاجة لأن يكونوا قادرين على ممارسة عملياتهم الدستورية»، مضيفة «لا بد أن يتخذ القرار من دون أي تدخل أجنبي، وبالتأكيد من دون أي ترهيب أجنبي، وقد وجهنا هذه الرسائل بوضوح».
وأضافت «نسمع، دائماً، أن سوريا تقول إنها تريد تحسين علاقتها بالعالم العربي، وتحسين علاقتها بالولايات المتحدة. حسناً، التراجع والسماح للبنانيين باختيار رئيس للبنان سيكون بداية جيدةً بشكل كبير».
وعما إذا كانت تظن أن سوريا قد غيرت من سلوكها منذ اللقاء الذي جرى بينها وبين نظيرها السوري وليد المعلم مؤخراً، أجابت رايس «كلا».
وقالت رايس «اعرف أن هناك مباحثات تدور حول ما إذا كانوا يستطيعون التوصل إلى مرشح سيكون مرضيا لجميع الأطراف، وهذا أمر جيد. وأعتقد أن هذه المباحثات يجب أن تتواصل. لكن في التحليل النهائي، هناك غالبية في لبنان، غالبية منتخبة، وفي التحليل النهائي هذا الأمر يحتاج إلى الذهاب إلى البرلمان وتقرير أمره... وهذه هي النقطة التي نحاول توضيحها. وينبغي أن يتقرر ذلك من دون تدخل أجنبي، وبالتأكيد من دون ترهيب أجنبي. هذه الرسائل وجهت بوضوح شديد».
وقال المستشار الدبلوماسي للرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزي، جون دافيد لوفيت، خلال مؤتمر صحافي، في باريس، «إننا اعتبرنا أننا لا نجازف في شيء عبر محاورة سوريا، وهذه النقطة تشكل قطيعة مع مرحلة ماضية». محذرا من أن تجاهل دمشق «في الوقت الذى يتم فيه إجراء حوار مع دول أخرى فى المنطقة يمكن أن يدفع بدمشق إلى العمل على عرقلة الانتخابات الرئاسية اللبنانية».
ونقل عن دبلوماسي فرنسي في باريس قوله «إذا تبين ان سوريا تملك القدرة على التأثير إيجابا على بعض حلفائها حينها سنعلن للملأ أنها قامت بعملها». وأضاف «نطالب سوريا بأن تبذل جهدا موازيا لجهدنا لحل هذه القضية».
وظل الملف اللبناني محور مشاورات دولية، حيث أجرى وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، اتصالات شملت الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزير خارجية سوريا وليد المعلم، بينما تبلغت الدوائر الدبلوماسية اللبنانية أن وزيري خارجية اسبانيا ميغيل أنخيل موراتينوس وماسيمو داليما سينضمان اليوم، الى «زميلهما اللبناني» وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير الذي أمضى يوما لبنانيا ثالثا، من دون أية نتائج، كما شارك في الاتصالات المنسق الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا.
وغادر الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى بيروت، لارتباطه باجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة اليوم، وقال إن حظوظ الانتخاب معادلة لعدمها، مشددا في الوقت نفسه على وجوب أن يضع اللبنانيون في الحسبان سيناريو الفراغ الرئاسي وكيف يمكن أن يتم التعامل مع ذلك من دون الإضرار بوحدة المؤسسات ومن خلال الحفاظ على السلم الأهلي والاستقرار.
ونقل موسى عن رئيس الجمهورية إميل لحود أنه لن يقدم أبدا على أية خطوة يمكن أن يعطى لها أي بعد تقسيمي بما في ذلك خيار تشكيل حكومة ثانية، وقال إنه سمع كلاما بهذا المعنى أيضا من الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله.
يذكر أن الرئيس إميل لحود ألقى آخر خطاب له في مناسبة عيد الاستقلال وشدد فيه على انه سيقدم على إجراء ما قبل أن يترك منصبه إذا لم يتم اختيار خلف له وقال حرفيا «أي إجراء يمكن أن أتخذه إذا ما تعذر علي تسليم مسؤوليتي الدستورية الى رئيس وفاقي تلتف حوله الغالبية العظمى من اللبنانيين سيعكس إرادتكم (اللبنانيين) في أن يبقى وطنكم مرفوع الرأس وعالي الجبين وقويا ومتماسكا». وجدد تعهده بـ«السعي حتى آخر دقيقة من ولايته من أجل المحافظة على وحدة لبنان وأمنه واستقراره»، محييا «دور الجيش الوطني الذي واجه الإرهاب في الربيع الماضي». ونوّه بدور المقاومة الوطنية وقيادتها الحكيمة والشجاعة وسواعد المقاومين اللبنانيين وسندها الجيش الوطني». واستذكر أبرز المحطات في سنوات ولايته التسع ولا سيما التحرير في العام ألفين.
ووضع لحود ما شهده لبنان في السنوات الأخيرة في خانة «ضرب وحدتنا الوطنية وإضعاف إرادتنا، تمهيدا لتمرير المؤامرات، وأخطرها مؤامرة توطين الفلسطينيين في لبنان».

المصدر: السفير

  

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...