اتفاق الهدنة الامريكي الروسي في سورية ما زال غامضا

23-02-2016

اتفاق الهدنة الامريكي الروسي في سورية ما زال غامضا

اتفاق وقف اطلاق النار الذي توصل اليه الامريكان والروس، واعلنا بعض تفاصيله امس، يبدو ظاهريا انه يحقق للسلطات السورية في دمشق كل ما تتمناه، اي تثبيت المكاسب التي حققها الجيش النظامي على الارض في الاسابيع الاخيرة في مناطق الشمال الغربي (حلب وريفها)، والجنوب (درعا والقنيطرة)، بينما لم يعط الحليفين التركي والسعودي الا القليل، فلا المنطقة العازلة اقيمت، ولا المعارضة حصلت على اسلحة نوعية مثل صواريخ مضادة للطائرات من الرياض، تغير موازين القوى على الارض، ولا مخططات ارسال قوات برية بقيادة امريكية حظيت بالتطبيق العملي.

القيادة الروسية نجحت في فرض شروطها على نظيرتها الامريكية، بما في ذلك استثناء “جبهة النصرة” من الاتفاق، ووضعها في خانة واحدة مع “الدولة الاسلامية” باعتبارهما “منظمتين ارهابيتين”.

***

 

اتفاق وقف اطلاق النار تعثر الاسبوع الماضي، حسب بعض المعلومات، لان جون كيري وزير الخارجية الامريكي اراد بضغط من السعودية وتركيا استثناء “جبهة النصرة” من الغارات الجوية الروسية، وضمها الى الحركات الجهادية “المعتدلة”، ولكن نظيره الروسي سيرغي لافروف رفض هذا الطلب، مما ادى الى انهيار مفاوضات جنيف الجمعة الماضي بين الطرفين حول هذه المسألة.

التفجيرات الانتحارية التي نفذتها خلايا تابعة لـ”الدولة الاسلامية” في منطقة السيدة زينب جنوب العاصمة دمشق، والاخرى التي استهدفت مدينة حمص، واوقعتا مجتمعتين اكثر من 150 قتيلا، قد تكون لعبت دورا كبيرا في التعجيل بالاتفاق، لابرازها خطورة هذا التنظيم واذرعته الضاربة في العمق السوري.

رفض الادارة الامريكية المزدوج لقيادة قوات برية تتدخل في سورية تحت عنوان محاربة “الدولة الاسلامية”، وتزويد المعارضة السورية بأسلحة نوعية، خشية تسربها الى “الدولة الاسلامية” و”جبهة النصرة”، وحركات اخرى مشابهة تستخدمها ضد طائرات مدنية او حربية، روسية وامريكية واسرائيلية لاحقا، ربما جاء لتجنب اجهاض مبكر للاتفاق، وعدم استفزاز القيادة الروسية بالتالي، وهذا ما يفسر التصريحات التي ادلى بها السيد مولود جاويش اوغلو اليوم (الاثنين)، واكد فيها ان امكانية شن عملية برية تركية سعودية مشتركة في سورية “ليست على جدول الاعمال”، مشددا على “ان اي حركة في هذا الاتجاه يجب ان تكون جماعية”، مما يعني ان واشنطن نجحت في “لجم” حليفيها السعودي والتركي، والحد من اندفاعهما.

الرئيس السوري بشار الاسد ربما كان مطلعا على مثل هذه التطورات دون ادنى شك، عندما قال “ان التفاوض شيء، واستمرار الحرب على الارهاب شيء آخر، ولا تعارض بين الاثنين ويجب ان يستمرا في الوقت نفسه، فمن الواضح، ومن خلال التفاصيل القليلة المسربة عن اتفاق الهدنة، ان الطائرات الروسية المدعومة بقوات الجيش العربي السوري على الارض ستستمر في شن غاراتها ضد مواقع تابعة لـ”جبهة النصرة” و”الدولة الاسلامية” في شرق وغرب سورية، كما سيستمر الحصار المفروض حاليا على معظم مدينة حلب، الشيء الايجابي الابرز سيتمثل في ايصال المساعدات الانسانية الى المدنيين المحاصرين.

السؤال الذي يطرح نفسه هو حول فرص نجاح هذا الاتفاق في الصمود على الارض، وفي ميادين القتال من عدمه، والسيناريوهات العسكرية والسياسية التي ستترتب عليه، او في مرحلة ما بعد نجاحه، او انهياره.

لا نملك اي اجابة لشحة المعلومات حول تفاصيله اولا، وصعوبة التنبؤ بتطورات المشهد السوري، مثلما اثبتت الاعوام الخمسة الماضية من عمر الازمة وتقلباتها ثانيا، ولكن ما يمكن قوله ان الدولتين العظميين اتفقتا على عدو واحد، واجندة مشتركة لمواجهته، وهذا العدو هو “الدولة الاسلامية” و”جبهة النصرة” والفصائل الاخرى المتحالفة معهما، بعد مساومات شاقة.

وضع “الدولة الاسلامية” و”جبهة النصرة” على قائمة الارهاب، وبالتالي التصفية الميدانية، وربما يؤدي الى توحدهما، وقتالهما في خندق واحد، الامر الذي لو حدث، سيشكل قدرة عسكرية جبارة على الارض، سيكون من الصعب القضاء عليها بسهولة، مما سيؤدي الى اطالة امد الحرب على الارهاب بالتالي، وحدوث “مفاجآت” غير متوقعة.

 

عبد الباري عطوان

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...