«عرب لندن»: دراما تُسقط وهمَ الهوية المحلية

26-09-2008

«عرب لندن»: دراما تُسقط وهمَ الهوية المحلية

من »عرب لندن«.بلا لبس، تقدّم الدراما الاجتماعية »عرب لندن« للمخرج أنور قوادري نفسها بوصفها نموذجاً لدراما عربية، إذ تسقط عنها هويتها المحلية، وقد بدأت تصالح الواقع الذي فرضته الفضائيات العربية، حين أسقطت وهمَ المسافة والهوية مع مشاهدها العربي، فخاطبته في أيّ مكان كان، كما لو أنه مشاهدها الوحيد.
ذلك هو امتياز »عرب لندن« الأول، حين انطلق من هذا الفهم، فاختار أن تنهل مادته الدرامية من مجتمع مفتوح يضمّ الجميع، من دون أن يقع أسير اليافطات العريضة، التي غالباً ما أُرهقت بها الأعمال الفنية المشابهة.
وفي »عرب لندن«، يبدو المخرج أنور قوادري ـ وهو كاتب العمل أيضاً ـ حريصاً على تقديم صورة كاملة الملامح عن العرب في لندن، حتى لو حشد حكايات عن أولاد العرب هناك بالجملة. لكنه في الوقت ذاته لا يريد من ذلك مهمة توثيقية لمرحلة ما من تاريخ العرب المغترب؛ إذ سعى لتوظيف كلّ حكاياته ضمن سياق درامي متماسك، متجاوزاً في كثير من الأحيان فخَّ الانسياق خلف مقولة العمل الفكرية، فأبقى مسلسله ضمن حدود الفن، من دون أن يعني ذلك أنَّ العمل ظلَّ حيادياً تجاه قضايا كبرى، لطالما كانت حديث العرب في الغرب وهمّهم الشاغل هناك. فهو هنا، يناقش قضايا اجتماعية (قانون الأحوال الشخصية...)، وقضايا سياسية (حرب الخليج الثانية، اتفاقية أوسلو...)، وبطبيعة الحال لا بدَّ من أن تعرّج أحداث المسلسل على حكايات التفرقة العنصرية التي يواجهها العرب على يد بعض المتزمتين الإنكليز، وتداعيات الحرب على الإرهاب، فضلاً عن تأثيرات آلة الإعلام الإسرائيلي على الإعلام البريطاني... وفي تعدّد هذه القضايا، كان ما ينذر بأننا سنكون أمام دراما أشبه بفيلم وثائقي، وهو الأمر الذي وعاه أنور قوادري، مخرجاً وكاتباً، فاختار الجوانب الأكثر إنسانية في حياة أبطاله، ولم يرد أن يقدّمهم بوصفهم أبطالاً قوميين؛ فمن يتحدث بهذه القضايا الكبرى، هو رجل من لحم ودم يكره ويحب ويخطئ، وحياته ليست مكرَّسة للحديث عن تلك القضايا، بل تأتي في أحاديث هامشية بوصفها جزءاً من حياة معيشة لا كل الحياة، من دون أن يعني هذا أنَّ الحوار لم يكن يسقط أحياناً في هوة الخطابية.
في الرؤية الفنية للعمل، يبدو المخرج أنور قوادري متحرّراً من عقدة »أنا المخرج«، فلا يصرّ الرجل على لمسة فنية له داخل كلّ مشهد، بقدر ما يبدو مشغولاً بإبراز طاقة ممثليه. وهو بذلك يتماهى مع كافة عناصر العمل الفنية، دون أن يجهد حواراته برؤية بصرية، رغم إغراء الأمكنة التي جرى التصوير فيها (سلوفينيا، ولندن، وسوريا).
في عرب لندن، البطولة للنص أولاً. ولكن، وبحكم طبيعة النص أيضاً، ثمة مساحات كبيرة لبطولات فردية، توزَّعت على عدد من نجوم المسلسل؛ ربما بدا الفنان عابد فهد الأبرز بينهم، وقد أدَّى دوره بحرفية، تؤهله ـ برأيي ـ ليكون إلى جانب دوره في مسلسل »أسمهان« أفضل ممثل سوري هذا العام. إلا أننا لا يمكن أن نسقط إلى جانبه الدورَ المركب والصعب الذي أداه الفنان جهاد سعد، وتميّز النجم المصري عبد الحميد توفيق بعفويته في الأداء، وقد بدا منسجماً مع شخصية »الحاج الأوروبي« إن صحَّ التعبير.
في »عرب لندن«، ثمة اكتشاف جديد لطاقة عدد من الممثلين الخليجيين. وهذه نقطـة أخرى لصالح أنور قوادري؛ فقد شاهدنا ممثلين عرفناهم من قبل في أعمال خليجية، ولكننا في »عرب لندن« تعرفنا عليهم من جديد، مثل النجم العماني إبراهيم الزدجالي.
تعرضه القناة »الليبية« الساعة ٢٣.٠٠ والقناة الأرضية السورية، الساعة ١٧.٣بتوقيت بيروت.

ماهر منصور

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...