هل تخلت روسيا عن إيران؟

27-05-2010

هل تخلت روسيا عن إيران؟

الجمل: تحدثت التقارير الواردة اليوم ومساء الأمس عن توترات بدأت تظهر في علاقات خط طهران موسكو وذلك بسبب قيام السلطات الروسية بتأييد مشروع جولة العقوبات الرابعة الدولية المتعددة الأطراف ضد إيران والذي قدمته الولايات المتحدة الأميركية لمجلس الأمن الدولي: ما هي طبيعة هذه الخلافات وما هي محفزات كل طرف وما هو دور الأطراف الثالثة, وما المدى الذي يمكن أن تتصاعد إليه وما تأثيرها على توازنات المصالح الشرق أوسطية؟

توصيف المعلومات الجارية:
من المعروف أن موسكو قد لعبت دورا كبيرا من جهة في دعم البرنامج النووي الإيراني, ومن الجهة الأخرى في عرقلة محاولات محور واشنطن-تل أبيب في استهداف إيران, سواء عن طريق العقوبات بواسطة المؤسسات الدولية والإقليمية أو عن طريق العمل العسكري, ولكن ما كان مفاجئا ومثيرا للاهتمام أن روسيا برغم تحفظاتها الشديدة فقد وافقت هذه المرة على مشروع قرار العقوبات الجديدة.
تقول المعلومات بأن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد قد ألقى خطابا مؤخرا انتقد فيه موسكو بسبب ما أسماه انحناءالكريملينها أمام الضغوط الأميركية لكي توافق على العقوبات, وإضافة لذلك أكد الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف على ضرورة توخي الحذر باتخاذ القرارات المتعلقة بإيران, وأضاف الرئيس أحمدي نجاد قائلا بأن تأييد روسيا للولايات المتحدة هو أمر غير مقبول, وبالتالي فعلى موسكو أن تعيد التفكير في قرارها حتى لا يتم اعتبارها عدوة لإيران.
وعلى الجانب الآخر جاء رد موسكو سريعا على تصريحات الرئيس أحمدي نجاد فبعد بضعة ساعات صرح سيرجي بريخودكو كبير مستشاري السياسة الخارجية الروسية في الكرملين مستنكرا انتقادات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ومطالبا الرئيس الإيراني بضرورة أن يتجنب إطلاق التصريحات غير المحسوبة وغير المدروسة, وأضاف قائلا بأن الدولة الفدرالية الروسية تنتهج نظام حكم يقوم على أساس اعتبارات مصالح الدولة الذاتية الطويلة الأجل, وأكد قائلا بأن الموقف الروسي إزاء مشروع العقوبات الأميركي هو موقف يعكس مصالح كل شعوب روسيا الكبرى, وتأسيسا على ذلك يجب النظر إلى هذا الموقف على أساس اعتبارات أنه لا يوالي الأميركيين ولا الإيرانيين, هذا وتجدر الإشارة إلى أن التصريحات الساخنة المتبادلة بين طرفي خط طهران-موسكو, قد ازدادت سخونتها أكثر فأكثر بسبب عملية التسويق اللإعلامي الواسعة النطاق التي روجت لها.
علاقات طهران-موسكو: إشكالية المنعطفات الحرجة
مرت أكثر من عشرة أيام على المعلومات القائلة بأن موسكو قد وافقت على مشروع جولة العقوبات الدولية الجديدة الرابعة الذي قدمته واشنطن لمجلس الأمن الدولي, وطوال هذه الفترة لم تصدر أي تعليقات أو تصريحات تندد بذلك من جانب إيران إلا بالأمس, وتحديدا عندما تحدث الرئيس أحمدي نجاد, وعلى ما يبدو أن رد الفعل الإيراني قد جاء متأخرا بعض الشيء, بعد أن تأكدت طهران بأن موسكو أصبحت ماضية قدما في دعم مشروع جولة العقوبات الرابعة الجديدة.
تشير التحليلات, إلى أن الموقف الرسمي الداعم للعقوبات,البيت الأبيض وإن لم تتضح بشكل رسمي محفزاته التي أدت له, فإن هناك العديد من التفسيرات التي سعت للكشف عن أسبابه وخلفياته, ومن أبرز هذه التفسيرات نشير إلى الآتي:
• التوافق الروسي-الأميركي الجديد: يرى البعض بأن توصل موسكو وواشنطن إلى اتفاقية إستارت الثالثة, والتوقيع عليها, قد أدى إلى المزيد من التوافقات الأخرى بين الطرفين, ومن أبرزها ورقة مشروع الشرق الأوسط الخالي من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل, وبالتالي, فمن المتوقع أن يكون هناك توافقا روسيا-أميركيا حول ملف إيران النووي, خاصة أن روسيا أصبحت أكثر إدراكا إلى أن البرنامج النووي الإيراني قد أصبح على وشك الوصول إلى مرحلة امتلاك القدرات العسكرية النووية غير التقليدية, وذلك بما يهدد ليس النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط وحسب, وإنما النفوذ الروسي في منطقة آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز, وبالتالي, فمن المحتمل أن يشكل هذا الإدراك الجديد نقطة التوافق الروسية-الأميركية الجديدة إزاء إيران.
• الخلافات الروسية-الروسية: يرى بعض المحللين بأن التنافس داخل الكرملين, لم يعد سرا, فرئيس الوزراء بوتين مازال يمسك بقوة مسيطرا على الحزب الحاكم وأجهزة الدولة, أما الرئيس ميدفيديف فقد بدأ يفهم جيدا أنه لا يملك شيئا في الداخل الروسي, وبالتالي, فإن خيار تعزيز سيطرته على السياسة الخارجية الروسية, هو الوسيلة المتاحة له من أجل بناء كاريزميته السياسية, وفي هذا الخصوص فإن ميدفيديف يسعى إلى القيام بدور الزعيم الروسي البراغماتي القادر على جلب الدعم والسند الأميركي لروسيا, وذلك على أمل أن يتيح له ذلك تعزيز شعبيته الداخلية, وعلى وجه الخصوص في منازلة بوتين على زعامة الحزب الحاكم, والفوز بتسمية الحزب له كمرشح رئاسي في جولة الانتخابات الرئاسية الروسية القادمة.
• توزيع الأدوار: يرى فريق المحللين بأن القيادة الروسية, أصبحت أكثر اهتماما بعملية توزيع الأدوار, ضمن ثنائية الصقور والحمائم, وذلك بحيث يتبنى رئيس الوزراء بوتين التوجهات الصقورية, ويتبنى الرئيس ميدفيديف التوجهات الحمائمية, وذلك على المستوى المعلن, أما على المستوى غير المعلن, فإن الطرفين يشكلان قواما مؤسسا موحدا متكاملا داخل الكرملين.
بالرغم من صحة التفسيرات الثلاثة المشار إليها من الناحية النظرية, فإن التفسير القائل بفرضية الخلافات الروسية-الروسية, هو الأقرب للصحة, وذلك من خلال الشواهد العملية الآتية:
• تضارب تصريحات ميدفيديف-بوتين حول الأوضاع الداخلية الروسية, وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بموقف موسكو من أزمة القوقاز, والروابط مع تركيا وبلدان الشرق الأوسط.
• ظهور بعض الاستقطابات وعمليات الاصطفاف السياسي في الكرملين, فمن جهة نلاحظ أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف, أصبح لا يشارك لا من بعيد ولا من قريب في تحركات دبلوماسية الرئيس ميدفيديف وإضافة لذلك, فقد ظل وزير الخارجية سيرجي لافروف يطلق المزيد من التصريحات غير المواتية بشكل متزامن مع جولات الرئيس ميدفيديف الخارجية, وذلك ضمن أسلوب يتعمد فيه الوزير لافروف كشف معطيات وبنود ونوايا ميدفيديف قيل القيام بجولاته, وهو أمر يعتبر ضار بالتحركات الدبلوماسية.
التوافق الروسي-الأميركي, وإن كان في أحد جوانبه واضحا إزاء الملف الإيراني, وإزاء ورقة مشروع الشرق الأوسط الخالي من الأسلحة النووية وأٍسلحة الدمار الشامل, باستثناء إسرائيل, فإنه في جوانبه الأخرى ما يزال توافقا يتسم بالهشاشة وعدم المصداقية, وأميركا التي وقعت مع ميدفيديف اتفاقية إستارت وكافأها ميدفيديف بالوقوف إلى جانبها في مشروع العقوبات ومشروع الشرق الأوسط الخالي من الأسلحة النووية, هي أميركا التي عات بالأمس, وأرسلت بطاريات شبكة الدفاع الدفاع الصاروخي إلى بولندا, وذلك من أجل نشرها على طول الحدود الروسية-البولندية فهل يستمر التوافق الروسي-الأميركي, والذي هو بالأساس توافق ميدفيديف-أوباما, أم سيعود الخلاف الروسي-الأميركي, والذي هو بالأساس خلاف بوتين-أوباما!!!

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...