يوم في حياة سليمان العيسى..

15-02-2009

يوم في حياة سليمان العيسى..

الشاعر سليمان العيسى لم يكن شاعراً عادياً في حياة سورية، ورحلة سليمان العيسى لم تكن كأي حياة.. رحلته كانت ولا تزال شائقة وشائكة، يغمره ويغمرها الفرح والتفاؤل بالغد، يدلف إلى التسعين – أطال الله بقاءه- ولكنه يتحدث عن الغد، يأمل بالمستقبل،الوطن- تصوير طارق السعدوني يتوجه للشباب والأطفال.. قرأ التاريخ وآمن بسيرورته شاء من شاء وأبى من أبى، يرى الماضي جذره الثابت الذي خرج منه، ولكنه لا يعيشه، يعيش الحاضر، وعيناه الكليلتان وبصيرته الحادة، ونزقه الطفولي في حالة توثب إلى المستقبل الذي يراه مشرقاً.. آمن بالخضرة، لذلك يصمم على أن الأرض العربية ستنبت زروعاً لا نراها هي التي ستحمل الأمة والمستقبل. آمن بالمرأة ودورها فعاش حياة هادئة، ملأى بصخب النقاش والمعرفة مع شريكة حياته الأستاذة الدكتورة التربوية ملكة أبيض، ولا تزال هذه الحياة المشتركة مثلاً يحتذى به للفكر الحر والنقاش الفعال.. تصالح مع نفسه والآخر، فقدر الشعراء الآخرين، وقرأ لهم، وتذكر محاسنهم دون المساوئ، ويرى أن الشعراء القادمين الذين لا نعرفهم هم أكثر أهمية من الشعراء الحاليين. قرأته طفلاً وشاباً ورجلاً، أحببت شعره وشخصه، وكان من حسن الطالع أن ألتقيه على فترات حسب ظروفه وسفره، وشرفني بأن أكون من المقربين إليه.. الشاعر الكبير سليمان العيسى خصّنا بجلسة طويلة على الرغم من تعبه، فكانت هذه الجلسة الحميمية الأسرية والأدبية والفكرية.. إنها يوم في حياة سليمان العيسى.. وشاعر في حياة سورية.
 أعدّ قهوة الصباح

أستيقظ دوماً في السادسة أنا والدكتورة ملكة إلى اليوم، يبدأ يومنا مع فنجان القهوة الصباحي الذي قلت فيه وبأهميته أكثر من قصيدة، وأحرص على تناول القهوة في سريري، وعندما كنت معافى وبصحة جيدة كنت أعد هذه القهوة الصباحية بنفسي، ولم أتوقف عن إعدادها إلا عندما تعبت صحياً، أعد القهوة بالحليب والسكر لي، ودون سكر لملكة وأقدمها بنفسي لزوجتي لنبدأ يومنا بسماع الأخبار ونتسامر قليلاً، ومع فنجان القهوة نضع جدول عملنا اليومي، فلكل منا عمله الخاص هي في كلية التربية، وأنا في الكتابة والشعر، ومن قبل في التربية.. نتناول فطورنا في السابعة صباحاً، وتذهب الدكتورة إلى الجامعة، وأنا أجلس على مكتبي الصغير في البيت – بعد تقاعدي- وأبدأ الكتابة ولا أتوقف حتى تعود من الجامعة، وقتي كله للقراءة والكتابة شعراً ونثراً وأبحاثاً.. كل ما يخطر ببالي من القراءة والكتابة أمارسه.. ومع عودتها يكون موعدنا الثاني مع فنجان القهوة الذي يجدد حيويتنا، ومن ثم تنصرف هي إلى شؤون البيت، وعلى الرغم من كل أعمالها وأبحاثها لا تترك لحظة في بيتها دون عمل أو حركة، وأنا لا أعرف شيئاً عن شؤون البيت.. وبعد الغداء لابد من قيلولة، ومع الساعة الرابعة يكون موعدنا مع فنجان القهوة الثالث، وهو من إعدادها هي، دوري في الصباح في إعدادها، ودورها هي بعد الظهر، ثم نتفرغ بعض الوقت لزيارة الأصدقاء أو استقبال بعض الأصدقاء، وهذا الوقت هو وقت الزيارات غالباً، ثم تبدأ هي، عملها وتحضيراتها وأبحاثها، وأتابع أنا عملي الذي بدأته صباحاً، ونسمع شيئاً من الأخبار والموسيقا ليكون موعدنا مع النوم في العاشرة والنصف، ولا يتغير هذا البرنامج إلا لأسباب خاصة أو زيارات خاصة.

الموسيقا ديواني الآخر
الموسيقا معي دوماً، فقد كنت أسمع الموسيقا ولا أزال، وفي أثناء كتابتي أحياناً، وذلك من خلال آلة تسجيل صغيرة تكون إلى جانبي، أسمع الموسيقا الكلاسيكية، وأحب بيتهوفن وهايدن وشتراوس، وعندي مكتبة موسيقية كاملة، نصفها من الموسيقا الكلاسيكية، ويأتي بعدها مباشرة عبد الوهاب، هذا الصوت الإلهي، الذي اسميته (حنجرة السماء)، يطربني عبد الوهاب بقصائده الرائعة في مرحلة الشباب، ولا أسمعه بعد أن تجاوز الخمسين، فعبد الوهاب عندي (القمر طالل علينا، يا جارة الوادي، إمتى الزمان يسمح، يا شراعاً..) عبد الوهاب يسحرني، ولم يأت صوت يشبهه منذ ألف عام في تاريخ العرب بنظري، وله قصيدة أحبها كثيراً (وحولنا الليل)، وقصيدة عزيز أباظة التي يغنيها عبد الوهاب (يا منية النفس ما نفسي بسالية).. وأسمع بعد عبد الوهاب فيروز وعبد الحليم نويرة الذي خدم الموسيقا العربية كما لم يخدمها أحد عندما جمع كل الموشحات والتراث، وأخرجها بطريقة الكورال- أربعة أصوات-.
في الغناء أبحث عن مثلث الكلمة واللحن والأداء، الكلمة الراقية واللحن الراقي والأداء الراقي..

يطربني صفوان بهلوان صديقي
وفي سورية يطربني ويعجبني صوت صديقي صفوان بهلوان، فهو صوت راق وخليفة عبد الوهاب في الأداء المميز كما أرى، وأسمع الأغاني الشعبية وتعجبني وإن لم تطربني مثل بالفلا جمال ساري، فوق النخل، من الشباك، ملا الكاسات وسقاني، وأسمع القدود والموشحات، ويعجبني الأستاذ صباح فخري في إحيائه للقدود الحلبية، وهو صوت جميل وقدّم خدمات جليلة للموسيقا، ولا يزال حبي للموسيقا يرافقني حتى اليوم.
في المساء تحب الدكتورة ملكة أن تتابع الأفلام الكلاسيكية الشهيرة، وأنا أسمع الموسيقا، فالتلفزيون يؤذي عيني، أشاهد معها وقتاً قصيراً، ومن ثم تحكي لي بقية الفيلم..
الأخبار لا تفوتنا صباحاً ومساءً.

سليمان العيسى والسهر
ما ذكرته لا يعني أننا نخلد للنوم بهذا الشكل دوماً، فأحياناً نسهر، وعندما كنا شباباً كنا نسهر حتى الصباح وسهراتنا مع أصدقائنا معروفة ومشهورة في بيتنا أو في بيت أحد الأصدقاء، ولكن ذلك كان في أيام الشباب والصحة.

الكتب العلمية أهم من الأدبية عندي
أقرأ كثيراً، وأنا أقرأ في الكتب العلمية أكثر من قراءتي في الكتب الأدبية، أعتقد أن كتب التاريخ والجغرافيا والفلسفة أكثر أهمية، فقد قرأت كل كتب الأدب الهامة والمشهورة في الصغر والبدايات، أما الآن ومنذ أمد يهمني كتاب الفلسفة والتاريخ أكثر لأنه يعطيني مادة تغني خيالي ومعلوماتي وثقافتي وشعري، فهي قاعدة معرفية صلبة وأنصح بهذا النوع من القراءات لأنه يعطي عمقاً للشعر والشاعر بلا أدنى شك.

أقرأ لكل الشعراء
أقرأ شعر الشعراء العرب في أغلبه مثل بدوي الجبل وعمر أبو ريشة وصديقي في الدراسة بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وفدوى طوقان ونزار قباني الشاعر الكبير وأدونيس أستاذ الحداثة رغم كل الحملات التي توجه إليه.. ومحمود درويش شاعر فلسطين الأول وعبد الكريم الكرمي وعبد العزيز المقالح وغيرهم، فأنا أقرأ للجميع وأقدر أشعارهم، وكل هؤلاء وأكثر أرى نفسي فيهم، أرى صورة أحبها فيهم، أشعر مشاعرهم..

المتنبي أستاذي
المتنبي أستاذي فقد قرأت أشعاره في العاشرة من عمري، وأنا أحفظ أغلب شعره إلى اليوم بعد أن تتلمذت على يدي والدي الشيخ في حب التراث، ورغم ما يقال عن مدحيات المتنبي، فإن ميزة المتنبي طريقة تناوله للموضوع فهو يتناوله بشكل رائع وراق، أنا أنظر إلى طريقة التعاطي مع الموضوع، كثيرون غير المتنبي قالوا ومدحوا لكن طريقتهم كانت عادية وسطحية أما المتنبي فنسيجه مختلف، وهناك فرق بين نسيج الحرير الذي قدمه المتنبي، ونسيج الخيش الذي قدمه غيره من الشعراء.. أنا ضد شعر المديح كموضوع، ولكن عندما يأتي المتنبي ليقول:
ضروب وما بين الحسامين ضيق بصير وما بين الشجاعين مظلم
هذه الصورة الشعرية إن كانت مديحاً أو هجاءً تبقى تهزني إلى الأبد..

طه حسين والانفتاح
وفي ميدان النثر قرأت الكثير من النثر، ولعل أهم من قرأت له وتأثرت به، وأعجبت به رغم مخالفتي له في الكثير من آرائه طه حسين، فهو صاحب الأسلوب السلس والفكر الحر الانفتاحي على جميع الثقافات، وقرأت لخصومه مثل الرافعي وأحبه.

الهم القومي والفكر
إن ما يجمعني بأصدقائي الحلم العربي، كل التعابير القومية والوطنية أسميها الحلم العربي، وهذا الحلم الذي فتحت عيني عليه، وأظن أنني سأغمض عيني عليه مرتاحاً هو ما يجمعني بأصدقائي، هذا الحلم بمعناه الكبير هو ما يجمعني بالآخر، فكل من يفكر بالحلم العربي قريب مني حتى لو لم أعرفه، وذلك في كلمته وسلوكه وتعبيره، وأنا ممن لا يفصلون الكلمة عن السلوك، وكل من يفصل بين الكلمة والسلوك لا مكان له عندي.. وقد ذكرت أسماء شعراء وكلهم قريبون مني ومن الاتجاه العام في حياتي الحالمة بالعروبة.

أجمل امرأة في الكون
أرى أن أجمل امرأة في الكون بالنسبة لي زوجتي، وفلسفتي في هذا قائمة على أن الجمال لا يقوم على الشكل وحده، فالمرأة فكر وثقافة وذوق وأدب وإنتاج وعمل.. المرأة هي الحياة كاملة بالنسبة لي، والمرأة عندي صورة للحياة بكل ألوانها ومفاهيمها، وقد قلت رأيي في المرأة وفي ملكة في مقدمة كتابي (المرأة في شعري):

هي الجمال في أحلى صوره/ وأبدع تجلياته/ هي نبضة الشعر الأولى/ مذ كان النبض وكان الشعر هي التي وضعت الكلمة الجميلة/ على شفتي أول محب فأصبح شاعراً/ هي الطفلة التي كبرت/ ومازالت الطفولة والأطفال سرها الأول/ ونحن جميعاً أطفالها / هي ملهمة وملهَمة/ وعاشقة ومعشوقة/ هي شريكة حياة/ ورفيقة حياة/ هي الحلم وهي الواقع في آن/ هي القادرة على الحب لأجل الحب/ وعلى العطاء لأجل العطاء/ ليست ملاكاً ولا شيطاناً كما يزعمون / إنها الأنثى نصف كتاب الحياة/ كم ظلمت عبر التاريخ!/ وكم وسعت الظلم والظالمين/ دون أن تسأل أو تحاسب/ومن حقها الأزلي أن تسأل وأن تحاسب/ ماذا قلت لها عبر شريط العمر؟/ وماذا قالت لي؟/ وهل انفصلت عن همي في يوم من الأيام؟/ سأترك هذه الصفحات تجيب/ وأتمنى أن أكون قد رددت لها/ بعض ما منحتني. أتمنى..

المرأة تعطي دون حساب، هكذا خلقها الله، الرجل يعطي ويحسب لكل شيء حساباً، أما المرأة فتعطي بلا حساب، وبالنسبة لي الدكتورة ملكة أكثر عطاء مني وأكثر كرماً، وأنا أقول صراحة: أنا أملك ربع ثقافة الدكتورة ملكة، وهذا ما لا يعرفه الناس، وأنا مدين لها بنصف إنتاجي الذي كتبته..

العودة إلى الطفولة
لا أزال أحنّ إلى مرحلة الطفولة حين كتبت أولى قصائدي في القرية عندما كنت في العاشرة من عمري وطلبت من رفيقة طفولتي سلمى أن تسمع ما كتبته من شعر عن الجو والطبيعة والقرية وهموم الفلاحين وحين صرت في الثالثة عشرة من عمري اجتمع لدي ديوان من أربعين قصيدة وبخط جميل تعلمته على يدي والدي الشيخ أحمد الذي تعلمت منه القراءة حتى صرت شاعراً..
مرحلة الطفولة عزيزة عليّ، وربما كان تأثيرها ممتداً، فأنا لا أزال أحمل طفولتي معي حتى اليوم وسأبقى محتفظاً بطفولتي حتى آخر يوم في حياتي.. الطفولة نقاء وصفاء وإنسانية.

الطبيعة وسليمان العيسى
ركزوا كثيراً على شعري الثوري والتحرري، ودرسوا شعري في جوانب محددة، وعندما قامت الدكتورة ملكة بدراسة شعري استخلصت منه ما يتعلق بالطبيعة فوجدت كماً كبيراً، وقالت أنت شاعر طبيعة أكثر منك شاعر ثورة، وهذه حقيقة، فأنا أرى الطبيعة حولي كيفما تلفت فأنا ابن قرية، كنت أتسلق الشجر وأطارد الفراشات، عرفت بشاعر الكفاح والعروبة، وأنا بذلك فخور لكن جانب الطبيعة الذي تعمقت فيه لم يزل مجهولاً، لذلك جمعت أشعاري في الطبيعة تحت عنوان: (أنا والطبيعة) وطبع في وزارة الثقافة.
أحب الطبيعة بكل مكوناتها وخاصة الخضرة والماء، أحب اللون الأخضر وأكثر من ذكره في شعري فاللون والعلم والنشيد والموسيقا والكلمات كلها عندي خضراء فأنا ابن الخضرة والطبيعة.

أنا والأطفال
علاقتي مع الأطفال تعني لي كل شيء، الطفولة حياتي كاملة، وأجمل مكافأة تلقيتها في حياتي هي أن يختم الطفل نشيدي باسمي وكأن توقيعي صار جزءاً من النشيد، ولم يكن يخطر ببالي أن الاسم سيصبح جزءاً لا يتجزأ من النشيد، وأفرح كثيراً عندما أسمع الأطفال يرددون أناشيدي دون أن يعرفوا من أنا، وأزداد سعادة عندما يقترب مني طفل رأى صورتي في التلفزيون ليسلم علي، ولا أستطيع أن أنسى الأطفال الذين صاروا كباراً، وفي أحد مهرجانات الشعر في السعودية مؤخراً طلب مني عدد من الحضور أن أنشد لهم من شعر الطفولة، فصرت أنشد وهم يتمون النشيد بصوت مرتفع.

عمر المختار رمز النضال
عمر المختار عندي من أبطال العرب المعدودين الذين أقدسهم تقديساً، وقد قلت في عمر المختار عدة قصائد جمعت في ديوان صدر منذ مدة قريبة، فقد دعيت إلى مؤتمر المؤرخين العرب الذي عقد في بنغازي في ليبيا، وختمت المهرجان بقصيدة عن عمر المختار، وهي من الشعر الذي أعتز به:
دمك الطريق ولا يزال بعيداً علق برمحك فجرنا الموعودا
دمك الطريق ولو وقفنا مرة في ظله كنا الأباة الصيدا
يا جبل يا من كاد يخلع جلده كفراً بما نشر الصباح وعودا
اضرب بحافر مهرك النير الذي ما زال في أطواقنا مشدودا

بدر شاكر السياب
كنت وبدر شاكر السياب في قسم اللغة العربية مدة سنتين وعلى مقعد واحد، كنا كلما كتب أحدنا قصيدة جاء يقرؤها للآخر، أنا كنت أتقن الفرنسية، وهو كان يتقن الإنكليزية أكثر، وفي بغداد تعلمت الإنكليزية، فكنت أساعده في الترجمة عن الفرنسية، وكان يساعدني في الترجمة عن الإنكليزية خاصة في القصائد، وكلما كتب أحدنا قصيدة يرسلها للآخر أو يقرؤها له، وبعد سنتين انتقل هو إلى قسم اللغة الإنكليزية، وبقيت أنا في اللغة العربية، ومع ذلك بقينا في المعهد نفسه ونلتقي يومياً. كان رحمه الله انفعالياً عاطفياً سريع الغضب لأقل كلمة، وكان لديه إحساس بالاضطهاد وخاصة من المرأة.
أحبيني فإن جميع من أحببت قبلك لم يحبوني
لم يستطع أن يؤمن بأن الجمال يتبع الشاعر.

دمشق هي العروبة
دمشق لي هي العروبة بكل معانيها وأوسع معانيها وأعمق معانيها وأنضر وأجمل تاريخها، الشام هي العروبة بالنسبة لي فدمشق حكاية الأزل عندي كما نشرت في المجموعة التي ضمت أشعاري في دمشق.. دمشق هي العرب والعروبة والأمجاد، هي كل شيء، فدمشق أعطتني أوسع إمبراطورية عربية خالصة في العصر الأموي، من قلب الصين إلى قلب فرنسا، وستبقى للأبد دمشق العروبة، وصورة دمشق اليوم لا تختلف عندي عن صورة دمشق عندما التقيتها أول مرة، اتسعت وكبرت وضاعت غوطتها، لكن دمشق لا تزال هي هي عظمة وأمجاداً وروعة.. وما توحيه اليوم هو ما كانت توحيه قبل ستين عاماً. وهذا لا يعني أن بقية العواصم العربية لا تحتل مكانة محترمة في نفسي، لكنني أخص دمشق بالينبوع الذي تفجر.

الشعر القادم أفضل
أنا مؤمن بالمستقبل، سيأتي للأمة شعر وشعراء أفضل منا ومن شعرنا، وأنا في هذا أختلف مع الذين لا يحترمون الجيل الحالي، فالجيل الحالي أفضل منا، وسيعطينا الأجمل والأرقى، المستقبل أفضل، ومنذ زمن بعيد أنا أؤمن بالمستقبل.
رست في تربة الماضي جذوري وكل ظليلة في الترب ترسي
ولكني لكي أنمو وأحيا أنا ابن غد ولست ابناً لأمسِ

أمتنا العربية قادمة
كل ما مررنا به ونمر به من واقع مؤلم وممزق عرضي وطارئ ومرض، ولابد أن تخرج الأمة إلى الحياة ومسرح التاريخ كما كانت وأفضل، أنا مؤمن بطاقات الأمة التي لم يتفتح منها إلا القليل، طاقات الأمة أكبر من واقعها، والأيام المقبلة ستثبت ذلك..
وفي كل يوم تتراكم الأمور، ولا أحد يستطيع أن يحصي ما يحدث في الوطن العربي الممتد، وطننا جسر العالم، ولا أدري ما يحدث في هذه الملايين على الجسر، ولا أحد يعلم النبات الجديد الذي ينبت يومياً، النبات الجديد سينبت وسيحدث شيء ما، العجلة تدور والأمة العربية قادمة لا محالة رغم العوائق والحواجز.. فالتاريخ لا يرجع إلى الوراء.

السعادة
السعادة اليوم كلمة غريبة عني إلا ما نقوم بكتابته وإنجازه وطباعته أنا وزوجتي، فهذه هي السعادة في أن نضيف أثراً جديداً إلى ما كتبناه، الإنجاز يشعرني بوجودي، وهذا سبب سعادتي.. وأولادي وأحفادي بعيدون عني أحن إليهم، ويحنون إلي ونتواصل بطريقة أو بأخرى.
وسعادتي تأتي من إيماني بالعروبة والحلم العربي الذي لن أتنازل عن الحلم به ما دمت حياً وعندما كنت في معرض كتاب الطفل في صفاقس رأيت 23 فرقة كورال من الأطفال تردد أناشيدي العربية العروبية، وهذا يؤكد لي أن اشتراكي في الحلم مع الأطفال القادمين هو الذي جعلهم يرددون أشعاري دون أن أعرفهم..
استند الأستاذ الشاعر سليمان العيسى إلى الخلف، وقال: تعبت يكفي.. توقفنا عن الحديث واستمر تبادل الأحاديث وبقيت عينا سليمان العيسى تلوبان المكان.. لتخرجا بحثاً عن حلم عربي يؤمن به، ولا يزال مصمماً على أنه كائن ذات يوم.
قد يكون سليمان العيسى القومي العروبي الوحيد الذي لا يزال مؤمناً ومكافحاً ومدافعاً عن كل شيء في العروبة غير معترف بالواقع والسقطات، ويرى أنها أمر عادي وأن الأمة لا بد قادمة.. من إرادة الحياة، من رغبة التحدي، من إرادة المقاومة قادمة هذه الأمة لا ريب.

تمثال سليمان العيسى
جاءني هاتف من فنان نحات يخبرني بأنه صنع لي تمثالاً من خلال الصور، واستأذن بكل أدب أن يأتي به، وأنا لم أعرفه ولم أره في حياتي، رحبت به فكان مدرساً في معهد الفنون اسمه (إياد البلال).. أشكره فالحب هو الذي دفعه لصنع تمثال صار جزءاً من بيتي، وكما قدم لي انتاجه قدمت له انتاجي الشعري.

ملكة أبيض:
سليمان العيسى هو الطفل الذي لم يكبر..
سليمان العيسى يشعر ويقدر كان سليمان يعد القهوة بنفسه في الصباح حتى تعب ولم يعد قادراً، ومن يعرف سليمان يعرف أن تصرفه عادي بالنسبة له ولآرائه، وقد سئلت مرة: ألم تتهيبي عندما خطبك سليمان العيسى؟ والحقيقة أنني لم أشعر في يوم من الأيام بسليمان العيسى إلا الإنسان البسيط والطفل الذي لم يكبر كثيراً، وكذلك الأمر في مجال مساعدتي، فسليمان كان يساعدني ليس في القهوة الصباحية فقط، يجب أن نأخذ في الاعتبار أنني امرأة عاملة، وأم لثلاثة أطفال، إضافة إلى أنني أتممت دراستي وأنا زوجة وأم، وسليمان خير من يقدر العبء الثقيل الذي يقع عليَّ، لذلك كان يشعر بي ويساعدني، ولعل فنجان القهوة الصباحي أهم ما كان يفعله ويعطيني إحساساً جميلاً.

إحساسنا المشترك نعيشه
لم أجرب أن أحلل سليمان العيسى، فأنا أخذته وأحببته كلاً متكاملاً، فهو الإنسان الطيب، الطفل الصريح، الرجل الذي يملأ الحياة، فأنا لم أشعر بالملل في أي يوم من حياتي، فعلى الدوام هناك شيء، هناك حديث ثقافي، شاعري، فني.. حياتي معه ممتلئة.
واليوم مثلاً هناك من يسأل: ماذا تفعلان وحدكما في الشيخوخة؟ وأجيب: لسنا وحدنا دوماً هناك بيت شعر، كلمة يقولها، فكرة نناقشها، هكذا بدأت حياتنا، وهكذا لا تزال حتى الآن..
ما يعجبني هو إحساسنا المشترك بأننا بعد هذه السنوات الطويلة من الكدح نستطيع أن نفهم بعضنا أكثر، وقد قضينا وحدنا في اليمن خمسة عشر عاماً، وهذه الأعوام من أجمل سنوات الحياة وأكثرها غنى، فكل واحد يفكر فيما يمكن أن يعطيه للآخر، فسليمان يريد أن يكتب، أحضر له بعض الأشياء وأترجمها أحيانا له، وعندما يريد أن يكتب أهيئ له الجو المناسب، خاصة عندما التزم بكتابة المقالات والزوايا لبعض الصحف.

حلمنا العروبي المشترك
حياتنا لا تعني أننا لا نختلف، فسليمان العيسى عندما تظهر له أي فكرة يبدأ بطلب أشياء قد لا أكون مستعدة لبعض المشاركة أو التنفيذ عندها يغضب، وهذا طبعه منذ زمن بعيد عندما تلوح له فكرة أو تظهر له رؤية، يحب أن يرى الآخرين يشاركونه فيها، وهذا يسبب شيئاً من الخلاف.. يوجد ما أختلف به مع سليمان على الدوام..
أما ما لا خلاف بيننا حوله فهو الحلم العروبي، فقد عشنا تطابقاً في هذا الحلم من أول لحظة، وهذا التطابق هو الذي كان وراء الارتباط وتأخير مشروع الدكتوراه فترة طويلة، لكنني عندما قرأت هذا النضال وعشته في سبيل الوحدة العربية قررت أن أكون مع سليمان في كل لحظة وهكذا كان.. وفي مجال العمل لكل منا ميدانه الخاص، فهو الشاعر المبدع الحالم، وأنا باحثة وأستاذة جادة، وكل واحد منا يقدر الآخر، وعانيت في التوفيق بين ما أحتاجه لعملي، وما يحتاجه سليمان العيسى المبدع والزوج، والتوازن كان صعباً وعلى الدوام وعلى حسابي.
بسبب طبيعة دراستي وانشغالي الأسري لم يعد لي أي صداقات، وأنا بطبيعتي كنت ميالة للتأمل والابتعاد، جوي العلمي كان خارج سورية، وعندما عدت للتدريس صرت أقسم وقتي بين التدريس والكتابة والترجمة والأسرة والعناية بزوجي ما جعلني أضحي بكل علاقاتي الاجتماعية، وهنا صارت صداقات سليمان العيسى هي صداقات الأسرة.

 

إسماعيل مروة

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...