مشاكل سوق التأمين في سورية

09-05-2007

مشاكل سوق التأمين في سورية

في الوقت الذي فتح الباب فيه أمام الشركات الخاصة لدخول سوق التأمين, فإن باباً آخر فتح هو الآخر على مصراعيه عندما بدأت المنافسة في هذه السوق تشتد على جبهتين:

شركات التأمين فيما بينها, ثم شركات التأمين مع المؤسسة العامة السورية للتأمين صاحبة التاريخ الطويل من التفرد والانفراد بالسوق.‏‏

وربما تكون السنة الماضية قد مرت بسلام, إذ لم تتأثر كثيراً أقساط المؤسسة, التي تجاوزت حسب تقدير المؤسسة وهيئة الإشراف على التأمين, سبعة مليارات ليرة سورية. لكن العام الجاري والأعوام القادمة لن تبقي- كما يرى المراقبون- الأمور في نصابها الحالي, فالرقم المتواضع الذي حققته الشركات الخاصة خلال العام الماضي, وكان بحدود 500 مليون ليرة سورية, إنما يفسر بطرح هذه الشركات لمنتجاتها وخدماتها في وقت متأخر من العام, حتى إن بعضها لم يسعفه الوقت بذلك.‏‏

والعودة إلى المنافسة والتي يعتقد البعض أنها لن تبقى في إطارها (العقلاني) بل لا بد وأن تخرج عن السيطرة بشكل أو بآخر وتدور في أوساط التأمين أحاديث كثيرة هذه الأيام حول ما تقوم به بعض الشركات عبر مندوبيها ب(السطو) على عملاء المؤسسة خصوصاً في قطاع السيارات. الأمر الذي استدعى تدخلاً من هيئة التأمين, وتصريحاً من السيد وزير المالية الدكتور محمد الحسين وصف بأنه وضع للنقاط على الحروف, فما حقيقة هذه المشكلة وأبعادها وكيف تراها الأطراف المتنافسة والهيئة؟‏‏

جرت العادة ولسنوات طوال, أن تقدم المؤسسة خدماتها في مجال تأمين السيارات عبر وكلائها المنتشرين في مراكز ومديرية النقل كافة, وقبل أن تدخل إلى السوق شركات التأمين الخاصة لم تكن هناك أية مشكلة فالزبون أمام منتج وحيد لمؤسسة وحيدة, لكن الذي يحدث الآن شيء مختلف, كيف ؟يحاول ممثلو أو مندوبو بعض الشركات استمالة عملاء المؤسسة بطرق شرعية حيناً وغير شرعية أحياناً كثيرة, لأن هؤلاء يقومون حسبما أفاد بعض الزبائن والوكلاء, بالترصد للزبون وإيهامه بأن التأمين المقدم عبر المؤسسة غير متاح حالياً, ثم يتم بيع هذا الزبون عقداً تأمينياً, ليكون زبائن المؤسسة قد نقصوا واحداً, وهكذاً.‏‏

حضر كل من يوسف محمد إبراهيم وسعد جناد عبود إلى مركز النقل للتأمين على سيارتيهما, وكانا يتعاملان مع المؤسسة لسنوات, ولكن الذي حدث أن ممثل إحدى الشركات الخاصة قابلهم عند الباب وقال لهما: إن التأمين التابع للمؤسسة معطل, لذا لا يمكنكما التأمين عن طريقها ثم باعهما عقد تأمين عن طريق شركته, ولكن الذي حدث أنهما اكتشفا عدم صحة هذه المعلومة فيما بعد, فقاما على الفور بفسخ هذا العقد, والتأمين عبر وكيل المؤسسة بعد ملاسنة كلامية حامية, ثم بعث هذان الزبونان بشكوى إلى المؤسسة توثق ما حدث من منطلق ولائهم للمؤسسة.‏‏

يقول أحد وكلاء المؤسسة إن الشركات الخاصة هي المسؤولة عن مثل هذه التصرفات التي قد تصدر عن ممثليهم أو مندوبيهم, لأن هؤلاء يعملون لديها سواء بالراتب أم بالعمولة, كما أن هؤلاء غير منتسبين لاتحاد وكلاء ووسطاء التأمين أو لهيئة الإشراف على التأمين ويرى أن عمل هؤلاء يضر بمصالح الوكلاء بشكل كبير, حيث إن الوكيل لديه التزامات ومصاريف عمل ورسوم, بينما يعمل هؤلاء السماسرة بعقلية معقب المعاملات وكل ما لديه حقيبة وكرسي فقط. يعتقد عادل مجركش, نائب رئيس اتحاد الوكلاء أن عمل الشركات بهذه الطريقة يعتبر مخالفاً للتعليمات (5و6) المتفرعة عن المرسوم (43) الذي ينظم أعمال التأمين حيث أوضحت أعمال الوكلاء, ولم تنص على وجود وسطاء تأمين. ويعتقد مجركش أن الحل يكمن في إيجاد صندوق لجمع أقساط التأمين على السيارات (الإلزامي) وتوزيعها على الشركات بنسب معينة, وبمعرفة اتحاد شركات التأمين, وإذا كان السعر موحداً, والتغطية كذلك فلم المضاربة إذاً؟ ثم أغلب الدول المجاورة لديها مثل هذا الصندوق, وقد أثبت نجاحه في السوق الأردنية بشكل كبير.‏‏

ترفض أغلب الشركات الخاصة فكرة الحصول على الزبون بطرق غير شرعية, ويقول المدير العام للشركة المتحدة للتأمين عزت اسطواني: (نحن مع المنافسة فهذا سوق مفتوح أمام الجميع, ولكننا نشدد على أهمية أن تكون عادلة ونزيهة وأنا لا أقبل أن يحضر لي أحد مندوبينا, زبوناً بطرق ملتوية بل لابد من توضيح العروض المختلفة, أمامه, وهو يقرر في النهاية إلى أين يذهب. وماذا يختار).‏‏

من جهته يرى المدير العام للشركة الوطنية للتأمين تيسير مشعل أن هذه الظاهرة لا تليق بسوق التأمين وهي في طريقها إلى الحل حال إحداث الصندوق المجمع وتوزيع الأقساط ليستفيد منه الجميع, أي المؤسسة والشركات الخاصة لأن التأمين الالزامي يفقد الميزة التنافسية فهو موحد تقريباً لدى الجميع وبالتالي لا مبرر لما يحدث في السوق الآن. ويرى المدير العام لشركة أروبا سورية الدولية للتأمين فراس العظم: أن أحد الأسباب التي صنعت هذه المشكلة إنما تكمن في الدخول المتأخر لشركات التأمين, والتي مارست أعمالها في أواخر العام الفائت, ولم يتمكن الزبون من التعرف عليها وعلى منتجاتها في الوقت الذي يعرف فيه المؤسسة جيداً وقد تعامل معها لسنوات طوال.‏‏

ولا تميل المؤسسة العامة السورية للتأمين إلى اعتبار محاولات سحب عملائها محاولات عفوية, بل ترى أن الشركات الخاصة تستهدف الحصة السوقية للمؤسسة ويعتبر مدير فرع دمشق(1) في المؤسسة المهندس سامر العش أن الخطأ الذي وقعت فيه هذه الشركات أنها تركت الحصة الأكبر من السوق واتجهت إلى حصة المؤسسة المحدودة, علماً أن قواعد التسويق الصحيح, تقول بأن اكتساب عميل جديد أسهل من استمالة آخر متعامل مع المنافس. ويجزم العش بأنهم يتلقون شكاوى مكتوبة وغير مكتوبة من زبائنهم حول بعض الممارسات الخاطئة التي تقدمت بها بعض الشركات الخاصة. ويقطع المدير العام للمؤسسة سليمان الحسن بأن المؤسسة مازالت تتمتع بثقة واحترام الزبائن بدليل استمرار ارتفاع بدلاتها للعام الفائت رغم دخول الشركات وحل مشكلة التأمين الإلزامي لن يكون إلا من خلال توزيع الأقساط عبر الصندوق المجمع الذي يرى أن هناك شبه توافق عليه بين الجميع.‏‏

تراقب هيئة الإشراف على التأمين الوضع عن كثب, كما يقول مديرها العام الدكتور عبد اللطيف عبود, الذي يرى أن ما يحدث من بعض المخالفات هو محدود جداً, وأنه إفرازات طبيعية للمرحلة الانتقالية بين سوق تحتكرها جهة واحدة وسوق مفتوحة كما ونوعاً, ويبدي عبود ميلاً لوضع حد لهذه الظاهرة قبل أن تستفحل وتصبح مرضاً مستعصياً, فضلاً عن إساءتها للمظهر العام لسوق التأمين, الذي تحرص الهيئة على بقائه نظيفاً ولائقاً. ولعل تصريحات السيد وزير المالية الدكتور محمد الحسين بصفته رئيساً لمجلس إدارة الهيئة مؤخراً حول الشركات المخالفة لشروط المنافسة النظيفة والعادلة تصب في هذا الاتجاه, ما يعكس توجهاً حكومياً صارماً لقمع أية مخالفات من قبل أي طرف ضد آخر.‏‏

أحمد العمار

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...