محاضرة الولايات المتحدة المنافقة في كوبا

24-03-2016

محاضرة الولايات المتحدة المنافقة في كوبا

الجمل- *بقلم توني كارتالوتشي- ترجمة: رندة القاسم:
قام رئيس الولايات المتحدة الأميركية باراك أوباما بما وصفه الإعلام الغربي بزيارة  "تاريخية" لكوبا، بعد عقود من العزلة التي فرضت على الجزيرة من قبل الولايات المتحدة و حلفائها الغربيين..
بينما رأى الكثيرون الخطوة  بارقة أمل بالنسبة للعلاقات الأميركية –الكوبية، فإن الأمر يمكن مقارنته بحالة "تقارب"  مشابهة كاذبة مع دول مثل سورية و ليبيا، فكلاهما منحتا في البداية  اتفاقيات سلمية مزيفة  قبل أن تتعرضا للخيانة و التدمير بحرب بالوكالة دعمتها الولايات المتحدة الأميركية، و مع التمكن من إسقاط الحكومة الليبية و إبادة قائدها مع ثلاثة أجيال من عائلته جراء عمليات عسكرية شنتها الولايات المتحدة و الناتو.
و كأن الرئيس أوباما قد أثبت فعليا سوء نواياه، إذ استخدم رئيس الولايات المتحدة هذه الزيارة "التاريخية" لإهانة الرئيس الكوبي راؤول كاسترو علنا فيما يخص مزاعم الولايات المتحدة حول انتهاكات  حقوق الإنسان التي تمارس ضد "المعتقلين السياسيين"...و في الواقع ، الولايات المتحدة تشير إلى من مولتهم حكومتها من مثيري الاضطرابات  و الخونة و المستفزين الذين كانوا يسعون لإسقاط الحكومة الكوبية، الأمر الذي حاول  وكلاء الولايات المتحدة القيام به في كل أنحاء العالم بما فيها سوريه و ليبيا....
نشرت صحيفة Politico  مقالا تحت عنوان "كيف نصب أوباما فخا لراؤول كاسترو" جاء فيه:
" قال الرئيس باراك أوباما مازحا أنه يحب المؤتمرات الصحفية و يريد المزيد منها و أن تكون طويلة، و هو الأمر الذي يحدث بشكل أقل في البيت الأبيض عما هو عليه في الخارج، مع محاولة أوباما الإشارة إلى النظام القمعي بالاعتماد على وسائل الإعلام....
و قد قام بهذا التصرف في  الصين عام 2013 عندما أفسح المجال أمام مراسل NEW York Times  لطرح سؤال للرئيس الصيني بعد أن طردت الحكومة في بكين مراسلا من الصحيفة. و فعل الأمر نفسه في أثيوبيا السنة الماضية، عندما أجبر رئيس الوزراء،المعتقل لصحفيين، بالوقوف بجانبه خلال مؤتمر صحفي طويل تحدث أوباما خلاله عن سجل الدولة  المتعلق بحقوق الإنسان و انتقل للحديث عن السياسات الأميركية.
يوم الاثنين عصرا هنا في هافانا، فعل الأمر ذاته مع راؤول كاسترو، تماما في القصر الثوري، و عرضه للإحراج بسبب أسئلة ،طرحت لأول مرة ، و انضم هو نفسه للأمر".
و بالطبع،  ما من أمر يماثل التناقض  و النفاق  المتجسدين  في المحاضرة التي ألقاها رئيس الولايات المتحدة على رئيس الدولة التي تستضيفه ،و المتعلقة بأسر  متمردين مدعومين من الولايات المتحدة،  في الوقت الذي  تملك الولايات المتحدة معتقلا للتعذيب على الطرف الآخر من الجزيرة التي كان يقف فيها...
فالقاعدة البحرية الأميركية في خليج غوانتانامو تستضيف "معسكر اعتقال" ،حيث يحتجز المساجين ، دون تهمة أو محاكمة، منذ سنوات، و يتم تعذيبهم عبر الحرمان من الطعام و النوم و يتعرضون للتغطيس في المياه بشكل متكرر لاستخراج المعلومات منهم أو الاعترافات غير الصحيحة... انه بكل المقاييس معتقل التعذيب في زمننا المعاصر ، و هو واحد من معتقلات أخرى كثيرة تملكها الولايات المتحدة عبر العالم. و هناك سجن أبو غريب سيء الصيت في العراق حيث كان أفراد الجيش الأميركي يعذبون و يغتصبون و يقتلون السجناء. و كذلك سجن باغرام في أفغانستان حيث تم قتل المعتقلين في الأسر.
 هناك الكثير من "الأماكن المظلمة" الأخرى التي كانت و لا تزال تستخدمها وكالة الاستخبارات الأميركية حول العالم حيث تم الكشف عن انتهاكات مشابهة. غير أن معتقل غوانتانامو الأكثر تجسيدا للتناقص، فهو يقع في دولة توبخها الولايات المتحدة باستمرار بشان حقوق الإنسان، بينما الوجود الأميركي على هذه الجزيرة ليس سوى التعبير عن القسوة الإنسانية.
الكوبيون ، المعارضون و المؤيدون للحكومة الحالية في هافانا، يجب أن يفهموا هذا النفاق اللا نظير له من قبل الولايات المتحدة على أنه تحذير و إشارة إلى الهدف الذي ترمي إليه هذه العملية من "التقارب" ، إنه يسعى إلى كوبا لا أحد يريد العيش فيها و إلى مستقبل لا يستفيد منه الكوبيون.
مهما كانت المشاكل بين الكوبيين، يجب ألا يروا الولايات المتحدة كصديق أو نصير محتمل، و إنما كخطر مشترك....

*صحفي و باحث جيوسياسي أميركي مقيم في تايلاند
عن موقع Land Destroyers

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...