متى يفتح مجمع اللغة العربية أبوابه للمبدعين؟

11-05-2008

متى يفتح مجمع اللغة العربية أبوابه للمبدعين؟

اختتم مجمع اللغة العربية في القاهرة أعمال مؤتمره السنوي الرابع والسبعين بإصدار توصيات يفترض أن تجد طريقها إلى التنفيذ «بقوة القانون»، على اعتبار أن البرلمان المصري أقر آخر آذار (مارس) الماضي حق هذا المجمع العريق (تأسس العام 1932) في إلزام الجهات المعنية بتنفيذ توصياته عبر قرارات يصدرها وزير التعليم العالي المصري وتنشر في الجريدة الرسمية المصرية. وعلى رغم ترحيب الكثيرين بهذا التطور واعتباره تأخر كثيراً.

استبعد معنيون، ومنهم أعضاء في المجمع نفسه، إمكان الحفاظ على سلامة لغة الضاد بمعاملة المخالفين لتوصيات مجامع اللغة العربية عموماً باعتبارهم «خارجين على القانون». وفي هذا الصدد أعرب الناقد المعروف عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة صلاح فضل لـ»الحياة» عن خشيته من «سوء استخدام هذا الحق لمناهضة الأشكال الأدبية التي تدخل اللهجات العامية في بنية لغتها واعتبار ذلك انحرافاً عن الجادة الصحيحة»، موضحاً أن «الدراما التلفزيونية والمسرحيات، خصوصاًَ المؤلفة غير المترجمة، والسرديات عموماً تبث حيوية دافقة في مستوى الفصحى عندما توظف بعض العناصر العامية فيها وأن ذلك يتم لضرورات فنية لا بد من أن نستسيغها ونكف عن الحرفية في مطالبة المبدعين بالتعالي عليها».

واستطرد قائلاً: «أرى أن إبداعات العاميات مثل شعر العامية في مصر والأشكال النبطية في بلاد الخليج تعد إضافة فنية بالغة الأهمية لا تجرح الحس اللغوي بقدر ما تعطي مشروعية لمستويات الإبداع المختلفة. وأتمنى أن يكون موقف زملائنا في المجامع اللغوية متفهماً لهذا الأمر لئلا يتخذوا مواقف متشددة كيخوتية تضعهم موضع السخرية المجتمعية».

وكان رئيس مجمع اللغة العربية في الأردن عبد الكريم خليفة نوه في كلمة ألقاها في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بالتدخل البرلماني لجعل توصيات مجمع القاهرة ملزمة، متمنياً أن يتحقق الأمر نفسه بالنسبة إلى المجامع اللغوية الأخرى، «لتحقق أهدافها على خير وجه». وتضمنت توصيات المؤتمر الأخير لمجمع القاهرة مناشدة «مجامعنا اللغوية العمل على تعديل قوانينها-كما فعل مجمع القاهرة- تفعيلا لدورها في العمل على دعم اللغة العربية والحفاظ على الهوية». وطالبت التوصيات الدول العربية بوضع «سياسة لغوية تكفل تحقيق الأهداف التي تسعى إليها المجامع اللغوية العربية، وتوفير ما ينبغي لها من متطلبات، وفي مقدم هذه الأهداف نشر التعليم باللغة العربية وإعادة دراسة ظاهرة التعليم الأجنبي على مستوى دور الأطفال والمدارس والجامعات وما يترتب عليها في مجال الهوية القومية والانتماء»!

واستهل بيان توصيات المؤتمر الذي استمر أسبوعين تحت عنوان «اللغة العربية وتحديات العصر»، بتأكيد أن المجمع في صدد استخلاص أهم ما أصدره من توصيات في السابق لإرسالها مع التوصيات الجديدة إلى وزير التعليم العالي «لاستصدار القرارات الملزمة بها ونشرها في الجريدة الرسمية طبقاً للقانون».

وأكد البيان كذلك «التقدير البالغ لما صدر عن القمتين العربيتين في الرياض ودمشق من قرارات متعلقة بالحفاظ على اللغة العربية والهوية العربية»، وطالب الأمانة العامة للجامعة العربية بتكليف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم للتنسيق مع اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية في مجال العمل من أجل الحفاظ على العربية والارتقاء بها في ضوء مقررات القمتين. وطالب الصحافة «بعدم إفساح المجال لاستخدام العاميات واللهجات المحلية في الكتابة الصحافية»، وطالبها بمواجهة «تفشي عاميات قاع المجتمع في الإعلانات التي تنشرها الصحف»، ملاحظا أن تلك العاميات تنتشر على ألسنة قطاعات واسعة من الشباب وأصبحت لغة كثير من الأفلام السينمائية والعروض المسرحية والأغنيات، الأمر الذي أدى إلى ظاهرة التلوث اللغوي في كثير من المجتمعات العربية.

وطالبت توصيات المؤتمر جامعة الدول العربية ووزارات الخارجية العربية بتكليف ممثليها في منظمات الأمم المتحدة والمحافل الدولية مراعاة التمسك باللغة العربية في الحديث. واعتبر المجمع التعليم باللغات الأجنبية «حربا على القومية والهوية ونموذج المواطنة بما يؤدي إلى إيجاد مجتمعات غير متجانسة وإلى إلغاء التساوي في الفرص أمام المواطنين» وشدد على أن ذلك «يتعارض مع أبسط مبادئ الديموقراطية، كما أنه يؤدي إلى توترات وأزمات تهدد السلام الاجتماعي».

وقرر المجمع تبني اقتراح تقدم به محمود الربيعي لإصدار «معجم عصري للغة الشعر العربي» باعتباره رافداً من روافد المعاجم اللغوية والمتخصصة التي يصدرها المجمع وواحداً من المصادر المعتمدة للعمل في المعجم التاريخي للغة العربية.

ولاحظ صلاح فضل في تصريحات على هامش مشاركته في المؤتمر أن مجمع اللغة العربية الذي أنشئ في مصر على غرار الأكاديمية الفرنسية وظل فترة طويلة ملتقى لكبار المبدعين والأدباء إضافة إلى اللغويين والمشتغلين بالفلسفة والعلوم، انكمش إلى حد بعيد في العقدين الأخيرين دور الأدباء فيه، فأصبح الطابع الغالب عليه هو اللغوي والعلمي. وأضاف: «إذا نظرنا إلى الجيل الماضي من المجمعيين وجدنا أنه كان يضم طه حسين وعباس العقاد ومحمود تيمور وتوفيق الحكيم، وغيرهم من كبار المبدعين، لكنه توقف عند هذا الحد ولم تتسع أبهاؤه لاستضافة مبدعين بعدهم في قامة نجيب محفوظ ويحيي حقي، فضلاً عن كبار الشعراء من الأجيال المختلفة وكبار الروائيين المعاصرين الذين اعتبرهم العنصر الخلاق الحقيقي في تشكيل اللغة وعصرنتها وإعطائها حيوية دافقة. وإذا كان تسرب إليه اسم مبدع وشاعر كبير مثل فاروق شوشة فهو دخله باعتباره صاحب برنامج «لغتنا الجميلة» الذي يقدمه عبر الإذاعة المصرية منذ أعوام طويلة أكثر من اعتباره شاعراً، ولعلّ امتلاكه الموهبة الشخصية والدماثة الأخلاقية جعله أميناً عاماً للمجمع، لكن بقية رفاقه من الشعراء من المصريين مثل أحمد عبد المعطي حجازي ومحمد إبراهيم أبو سنة المستحقين تماماً عضوية المجمع لم يفكر فيهم أحد، فضلا عن كبار الروائيين أمثال إدوار الخراط، وبهاء طاهر، والنقاد من أمثال جابر عصفور، وهم من الذين يستحقون مواقع حقيقية في مقدمة المجمعيين، وقد حاولت تنبيه المجمع إلى ذلك بترشيح بعضهم في الانتخابات المتتالية من دون أن أحقق نجاحاً يذكر حتى اليوم».

واختتم فضل بقوله: «في تقديري أن المجمع في حاجة إلى أن يخصص مقاعد للمبدعين وهم صناع اللغة ورعاتها الحقيقيون، حتى يظل متوازناً في فئات المشتغلين بالهم اللغوي والأدبي والعلمي معاً».

علي عطا

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...