لبنان: ترشيح غير رسمي لقائد الجيش رئيساً للجمهورية

29-11-2007

لبنان: ترشيح غير رسمي لقائد الجيش رئيساً للجمهورية

استبق رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري التوافق السياسي على التعديل الدستوري للمادة ,49 بإعلانه عبر أحد نواب كتلته، ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان، لرئاسة الجمهورية، فيما كانت مقتضيات الإدارة السياسية لملف بالغ الدقة والحساسية من هذا النوع، تفترض بصاحب الاقتراح أن يختار مسالك أخرى بعيدة عن الضجيج الإعلامي، أولها السعي الى التوافق السياسي العام بين أطراف المعارضة والموالاة وبرعاية بكركي، وثانيها البحث الجدي والهادئ عن المسالك الدستورية للوصول الى الهدف المتوخى لجهة منع تمديد الفراغ في موقع الرئاسة الأولى.
وقد أثارت طريقة طرح الموضوع أسئلة سياسية، خصوصا أن دائرة ضيقة جدا، كانت على علم بحيثيات هذا الملف، منذ حوالى الأسبوع وكان الاتفاق يقضي بإبقاء الأمر طي الكتمان، قبل أن يطل أحد نواب المستقبل ونائب آخر من الأكثرية، وتسبقهما تسريبات إعلامية في وسائل إعلامية موالية، تروج بشكل مباشر لخيار التعديل الدستوري لمصلحة قائد الجيش!
وقالت مصادر أن الطريقة التي تم من خلالها طرح الأمر أثارت تحفظات عند قيادات في الأكثرية، مسيحية وغير مسيحية، كما طرحت، في المقابل، علامات استفهام عند المعارضة حول ما اذا كان هذا الطرح «مجرد مناورة أم طرحا لمبادرة إنقاذية».
وقال قيادي بارز في قوى الرابع عشر من آذار إن الآلية الجدية للمضي في خيار التعديل الدستوري لمصلحة قائد الجيش، تقتضي التشاور في دائرة ضيقة مع مسيحيي الرابع عشر من آذار ولا سيما المرشحين منهم للرئاسة، وبعد ذلك يتم عقد اجتماع موسع يصدر عنه موقف سياسي واضح وغير ملتبس وتأتي المرحلة الثانية، لجهة إيجاد صيغة للتوافق السياسي مع المعارضة، عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومن ثم تكون المرحلة الثالثة لجهة البحث عن المخرج الدستوري.
وأكد المصدر نفسه البارز أن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة كان في طليعة المشاركين في صياغة هذا المخرج الإنقاذي وهو أبدى استعداده للقيام بكل ما يلزم من خطوات وليس صحيحا أنه أبلغ أحدا أنه غير مستعد لتوقيع التعديل الدستوري.
وبينما سرت معلومات غير رسمية، عن اتجاه لعقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء اليوم، لأجل تقدم الحكومة بمشروع قانون للتعديل الدستوري الى مجلس النواب، قالت أوساط الرئيس السنيورة ان رئيس الحكومة لن يدعو مجلس الوزراء للانعقاد إلا بالتشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأوضحت أن رئيس الحكومة يتابع مباشرة كل مقتضيات هذا الملف السياسي الدستوري.
وأبلغ مصدر وزاري  في ساعة متأخرة من ليل أمس، أن البحث قائم في مسألة التعديل الدستوري في السرايا الكبيرة «ولكن لم تصل الأمور الى مرحلة الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء اليوم».
وفي المقابل، حذر مصدر قيادي في المعارضة الأكثرية من احتمال الإقدام على حرق خيار التعديل الدستوري من خلال أية خطوة ناقصة وغير توافقية، كالدعوة الى مجلس وزراء ومن ثم رمي الكرة في ملعب المجلس النيابي وإقحام هذا الخيار الإنقاذي في متاهات دستورية وسياسية تبدأ ولا تنتهي.
وقال المصدر إن هناك خطوتين لا بد منهما للوصول الى التعديل الدستوري، أولهما التوافق السياسي ومدخله موافقة رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون على التعديل، وعندما يتوافر ذلك، تأتي الخطوة الثانية المكملة وهي الذهاب نحو الخيارات الدستورية التي توصل الى هذا الهدف.
وقال رئيس المجلس النيابي نبيه بري انه أبلغ كل من يعنيهم الأمر أنه مستعد لإيجاد الآليات التقنية للتعديل الدستوري وثمة أربع طرق تؤدي الى ذلك، ولكن يبقى الأساس التوصل الى توافق سياسي بين المعنيين.
وعندما قيل للرئيس بري ماذا يقصد بالمعنيين، أجاب أنا قمت بواجبي منذ العام 2006 حتى الآن، وكل المبادرات التي أطلقتها تم تعطيلها أو رفضها لسبب أو لآخر، والآن أنا أقيم في غرفة الانتظار وعليهم أن يتوافقوا هم (المعارضة والأكثرية) وأنا سأكون موافقا كرئيس للمجلس وكرئيس لكتلة وكرئيس لحركة «أمل» على أي خيار توافقي يتبناه الجانبان. وأوضح بري أنه لن يبادر بل سيبقى في موقع المتفرج «وعلى الفرقاء الآخرين أن يبادروا ويجترحوا المخارج الملائمة وسأمشي بما

يقترحونه»، وبدا بري متوجسا من طريقة تسريب الموضوع الى وسائل الإعلام.
وعلم أن الموعد الذي جمع الرئيس بـــري بقــائد الجيش أمس في عين التينة على مأدبة غداء، لم يكن مستجدا بل متفقا عليه قبل أربعة أيام. وقالت أوســـاط رئيس المجــلس انه اســـتبق الكلام السياسي بالقول لســـليمان «أنا سأكون موافـــقا على أي خيار توافقي للمعارضة وللموالاة، فكيف أذا كان الأمر جديا». ثـــم انتقل البحث بين الاثنين الى قضــــايا أمنية وعسكرية فضـــلا عن تناول موضوع الوضع في الجنوب والخـــروقات الإسرائيلية وموضع مخاوف «اليونيفيل» من استمرار الفـراغ.
وفيما تحدث النائبان سعد الحريري ووليد جنبلاط أمام نواب من كتلتيهما عن «جدية خيار التعديل الدستوري في مواجهة خيار الفراغ بكل محاذيره الطائفية والأمنية والدستورية والسياسية»، تناول رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع، لليوم الثاني على التوالي، أرجحية خيار التعديل الدستوري، بلغة إيجابية، فيما برز تحفظ واضح للنائب بطرس حرب الذي قال إنه فوجئ بإعلان «تيار المستقبل» وجعجع قبولهما بتعديل الدستور وأنه استعلم عن الموضوع لكنه لم يحصل على معلومات، «وبما ان الامر لم يصدر عن اجتماع لقوى 14 آذار فهو بالتالي لا يلزمها».
وقال حرب لمحطـــة «ان بي ان»، مساء امس، «يبدو أن طرح ترشيح العماد ميشال سليمان جـــدي «وبعــد سماعي بأمر الكتاب الذي حمله السفير البابوي الى كـــل من جعجع والعماد ميشال عــون تأكدت من جدية الموضوع».
وأكد حرب أن وزير الخارجــية المصري أحمد ابـــو الغيط سعى حين زار لبنان في الشهر الفائت الى الترويج لتعديل الدستور وانتخاب قائد الجيــش، لكنه جوبه آنذاك بالــرفض. وأكــــد أن المجلس النيابي لا يستـــطيع تعديل الدســـتور قبل انتخاب الرئيس، وأشار الى انه لم يوافق ســابقا على تعديل الدستور ولن يوافـــق الآن، معتبرا أن الدور السوري في لبنان عاد عبر المبادرة الأوروبيـة.
ولم تكن بكركي بعيدة عن مناخ الاتصالات السياسية، حيث أوفد النائب الحريري النائب السابق غطاس خوري للقاء البطريرك الماروني نصر الله صفير، الذي كان قد أبلغ قائد الجيش قبل أيام قليلة تمسكه بالموقف بأنه لا يمانع تعديل الدستور اذا كان الإنقاذ يستوجب ذلك. ومن المتوقع أن تشهد بكركي اليوم سيلا من المواقف بينها موقف لأحد موفدي الوزير السابق سليمان فرنجية، تصب في خانة التشجيع على التوافق أولا مع العماد عون. 
وقالت مصادر أن فكـــرة التعـــديل أبلغـــها البطريرك صــفير الى كل من الرئيس الســـنيورة والنــائب الحريري عنـــدما التقاهما قبــل أيــام «كمخرج لا بد منه لإنقاذ البلاد».
بدورها، كثّفت المعارضة وتيرة تشاورها السياسي، في موازاة استمرار استقبالات الرابية لليوم الثالث على التوالي على أن تأخذ استراحة من اليوم وحتى الأسبوع المقبل، وعلّق العماد عون على طرح اسم العماد سليمان لرئاسة الجمهورية، بالقول «ليتخطوا تناقضاتهم ويستشيروا المرجعيات القانونية حول تعديل الدستور، ومن ثمّ نعلّق، فليتقدموا بمشروع تعديل الدستور في البرلمان ومن ثم نبدي رأينا».
وردّا على سؤال عمّا إذا مشت الأكثرية في انتخاب قائد الجيش قال عون «ليكملوا ولينزلوا ولينتخبوا. خلص. عندها قد أقول انهزمت بالمعركة ونربح غيرها. حتى الآن لم يتكلم أحد معي بالموضوع».
وقال مسؤول الصلات السياسية في «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في ختام مشاورات الرابية ان مبادرة الأكثرية الى طرح اسم قائد الجيش تعني عمليا رفع مستوى الجدية في طرح الأسماء المارونية لرئاسة الجمهورية «وهذا تطور إيجابي، ويعني عمليا أن الحركة التي شهدتها الرابية في الأيام الأخيرة والأصوات التي ارتفعت رفضا للتهميش المسيحي قد أعطت مفعولها لجهة بدء البحث عن حلول جدية من قبل الطرف الآخر».
ونقلت وكالة «فرانس بــرس» عن وزير الطـــاقة والمياه المستقيل محــمد فنيش قوله ان طرح العماد سليــمان «سمعناه في الإعلام»، و»لا ندري مدى جديتـــه» مستــبعدا انعقاد جلــسة نيابية غدا، لان «انعقادها مرتبط بالتـــوافق الذي لم تظهر مؤشراته بعد إلا اذا حدث مستجد ما».
وأضاف فنيش «بغض النظر عن تقويمنا لشخص العماد سليمان الذي نحترم فإن الأمر يتطلب حلا سياسيا يتمثل في موافقة العـماد عون وحلا دستوريا في كيفية تعديل الدستور».
وفي موازاة الحركة السياسية الداخلية، لم يهدأ عدد من السفراء العرب والأجانب وأبرزهم السفير الأميركي جيفري فيلتمان الذي أبلغ النائب سعد الحريري وقيادات أخرى أن واشنطن لا تمانع تعديلا دستوريا لملء الفراغ سريعا، فيما كان السفير البابوي ينقـــل رسالة بابوية للقيادات المسيحية في الاتجاه نفسه، بينما بدا الموقف الفرنسي والأوروبي مشدودا أكثر الى أية صيغة من شأنها ملء الفراغ مخافة أن يؤدي على المدى البعيد للانعكاس سلبا على «اليونيفيل»، ولا سيما في ضوء تصريحات أخيرة صبت في هذا الاتجاه واستدعت مراجعات مع بعض العواصـم الإقليمية.
ولوحظ أن الســـفيرين السعودي عبد العزيز خوجة والمصري أحمد البديوي ظلا على تواصـــل مع عدد كبير من القيادات السياســـية في الموالاة والمــعارضة على حد سواء، وبالتشاور الدائم مع القيادتين السعودية والمصرية والأمانة العامة للجامعة العربية من أجل بلورة صيغة التعديل الدســتوري، وتردد أن خوجة فوجئ بتظهير موقف تيار المستقبل، على الصورة التي تم عليها، خصوصا أنه كان قد طلـــب موعدا من الرئيـــس بري، الـــيوم، لوضــعه في صورة المشاورات التـــي جـــرت في الســاعات الأخــيرة من أجل الدفع بالتوافق باتجاه خيار التعديل الدستوري.
وقالت مصادر دبلوماسية عربية في القاهرة إن القيادة السورية لم تحدد موقفا مباشرا من موضوع ترشيح العماد ميشال سليمان وهي كانت دائما تقول لمن كانوا يراجعونها بأنها تحيل الأمر لقيادة المعارضة اللبنانية، وأضافت أن ثمة تقديرا لدى أكثر من عاصمة عربية معنية بالملف اللبناني أن دمشق «ستكون حتما مرحبة بخيار ترشيح ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية».

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...