في ذكرى ما يسمونه “الثورة السورية”

23-03-2014

في ذكرى ما يسمونه “الثورة السورية”

في نهايات العام 2010 ، بدايات العام 2011 ، عندما بدأت ثورات الربيع العربي تضرب أطنابها في كل من تونس ومصر وليبيا ،و أثناء دراستي الجامعية في كلية العلاقات الدولية بجامعة القلمون، جرى نقاش في إحدى القاعات الدرسية بيننا كطلاب وبين أستاذنا الجامعي حول الثورات ومفهوم الثورة وتأثيرها على المجتمعات ، وكان السؤال المصيري ، هل ستنتقل موجة الثورات إلى سورية أم لا ..!!

جنح بعض الزملاء وقتها لرأي يقول بأن الثورة ستنتقل إلى سورية فالثورات تنتقل كما أحجار الدومينو ، وذهب البعض الآخر إلى نفي الأسباب التي تنتقل من أجلها الثورة إلى سورية فوضعها مختلف عن مصر وتونس وليبيا وسواها ، فيما ذهبنا جميعاً إلى تبيان الأسباب ودراسة جميع العوامل التي تحصل من أجلها ثورة في سورية ،قمنا بتفصيل المفاهيم المرتبطة (( عدالة اجتماعية – أسباب اقتصادية – خارطة التنمية – حريات سياسية –التوازن الاجتماعي والتوزع الديمغرافي – وضع الجيش – موقع سورية الجغرافي –– الصراع العربي الصهيوني – الأمن القومي ))

في ذلك الوقت كانت قد بدأت صفحات انترنت متعددة تدعو لأيام غضب – غضب من ماذا ؟؟ غضب لأجل الغضب – ، إلى أن ظهرت صفحة فيسبوكية تدعى(( الثورة السورية ضد بشار الأسد )) بتاريخ 18 كانون الثاني 2011 ، ومن هنا بدأت الأكذوبة !!

دعت هذه الصفحة في بداياتها الشعب إلى التظاهر بتاريخ 5 شباط 2011 لإسقاط النظام والوقوف ضد الرئيس بشار الأسد في كل من ساحتي سعد الله الجابري بحلب وأمام البرلمان في دمشق ..!!

أتى الخامس من شباط ، ولم ينزل أحد إلى مكان التظاهر المعلن عنه ، ربما كان ذلك النداء محط تجربة من القائمين على الصفحة لاستجابة الناس ، وربما كان النداء كبدء لتهيئة الأجواء على الأقل الكترونياً وإعلامياً

تبين لاحقاً أن مُنشئ هذه الصفحة والقائم عليها شخص يدعى فداء طريف السيد ، شاب مقيم في السويد ، يمثل تنظيم الأخوان المسملين فيها ، ووالده أحد قياديي الطليعة المقاتلة للأخوان المسلمين الجماح العسكري الذي قاد تمرداً مسلحاً ارهابياً في ثمانينات القرن الماضي ضد الدولة ومؤسساتها وناظمها الحاكم !! إذا لم تكن صفحة عفوية ، ولا حراكاً بدون هدف واضح وموجه كما روج الإعلام لاحقاً ..!!

بدأت تلك الصفحة في الحشد الإعلامي والتحريض ، ترافق ذلك مع بدء الإعلام الفضائي بأنواعه المختلفة بنوع من التحريض والتهيئة لما سيلي تجارب تلك الصفحة ووكلائها على الأرض ..!!

انطلقت مظاهرة قام بها خمسة أشخاص بتاريخ 15 آذار 2011 أمام الجامع الأموي، ليصار بعدها إلى تفجر أحداث في مدينة درعا أبطالها أطفال مجهولو الصور والأسماء حتى هذه اللحظة ، قيل لاحقاً أن ثورة حصلت في سورية بناء على ما تعرضوا له من اعتقال وتعذيب نتيجة كتابتهم لعبارات معارضة للدولة والحكومة على جدران مدراسهم ..!!

تسلسل الأحداث الدراماتيكية بهذه الطريقة يجعلنا نسأل عن حقيقة أطفال درعا انطلاقاً من الفرضية التي تبناها الإعلام المعارض للسلطة والتي جعلت من قصتهم سبباً لاندلاع الأحداث ، فارضين على أنفسنا صحة رواية الإعلام عنهم ، من أعطاهم البخاخات وأشار لهم للقيام بما قاموا به ليصار إلى اعتقالهم وتوفير البيئة والمناخ الملازم لبدء احتجاجات في منطقة ما ، وإشعال النيران تحت القدور ؟ من ذا الذي كان يبحث عن ذريعة ما لبدء نوع من الاحتجاجات تبين لاحقاً أن تسلسل أحداثه لم يكن ليكون سلمياً البتة ، فقد بدأت أولى الأعمال الاجرامية في غضون 15 يوم على بدء أول تظاهرة !! من احراق قصر العدل وبيت المحافظ في درعا مروراً باغتيال ضابط وأبنائه في حمص ، إلى استهداف شاب مزارع في الساحل ثم الهجوم على باص مبيت للجيش في بانياس وصولاً لمجزرة المفرزة الأمنية في جسر الشغور ومخفر الحاضر في حماة ..!! كل هذا في غضون أسابيع من بدء “الثورة السلمية”

كان ذلك كله تحت مسمى أغصان الزيتون والكفاح السلمي الثوري وعبارات ملأ الإعلام فيه عقول الموتورين ممن لا يطربهم إلا سماع الذرائع لزيادة الغليان أكثر فأكثر ..!!

بعدها عمل الثورجيون جاهدين لشيطنة السلطة والرئيس قدر ما استطاعوا بمقابل إبراز شخصيات على أنها رموز ثورية بقصص مشكوك بأمرها ، فخرجوا لنا بقصة زينب الحصني ، والتي تبين لاحقاً أنها أكذوبة ، وبقصة القاشوش الذي تبين أنه ليس هو من قتل ، وليس هناك من دليل على من قتل الشخص الذي قالوا أنه القاشوش ، إلى قصة غياث مطر الذي قالوا أنه قتل تحت التعذيب بعد اعتقاله من على حاجز كان يوزع له الماء والورود ، لتكون حقيقته أنه أصيب باشتباك مسلح على أطراف داريا ومات متأثراً بجراحه بعد أن رفض والده الموافقة على إجراء عملية جراحية قد تضمن بقاءه على قيد الحياة ليتبين لاحقاً أن غياث مطر مات وأخذ معه أسرار شبكة التنسيقيات المتوزعة على كامل التراب السوري ، وصولاً إلى قصة باسل شحادة الذي ترك تعليمه في الولايات المتحدة الأمريكية وعاد ليلتحق بثوار حمص فجأة والذين قالوا أنه مات في حمص باستهداف من الجيش في حين تدور القصص حول مقتله على يد الميليشات لأسباب عديدة تتعلق برأيه بتسليح “الثورة” ، وغيرها عشرات القصص التي رُوجت إعلامياً وجَعلت من أصحابها رموزاً وأبطال ، بينما قصصهم الحقيقية مختلفة تمام الاختلاف عن الواقع ..!!

بالمقابل كانت السلطة والنظام القائم يتمتع بقدر هائل من التأييد وبرز ذلك عبر مسيرات كبرى شهدتها كل المدن والمحافظات السورية داعياً للحوار ومدقماً خارطة للاصلاح السياسي ، ليكون رد الثورجيين بأن النظام يجبر الناس على الخروج لتأييده ، وليرفضوا حتى فكرة الحوار أو الإصلاح !!

في تلك الأيام كانوا يحملون علم الجمهورية العربية السورية الرسمي ، أو علم الوحدة ، وفي ذلك الوقت كانوا يدّعون السلمية ، وفي ذلك الوقت عملوا على شيطنة النظام والرئيس ، وعلموا على تشويه المفاهيم وإدخالها ببعضها البعض حتى حانت اللحظة للتحول الدراماتيكي في نهاية ذلك العام ليعلنوا عن أنفسهم أنهم ثورة مسلحة ، وليتيبين أكثر فأكثر مشروعهم الذي حوّل سورية إلى خرابة اقليمية ، وهدف للارهاب من كل حدب وصوب ، وليتبنوا من خلال ثورتهم علم الانتداب مكرسين الانقسام ، وليتضح الدور الأكبر لتنظيم الاخوان المسلمين من خلال ظهوريهم للعلن وبأكثرية في معظم المجالس الائتلافات والهياكل الثورجية برعاية كبرى من قطر والسعودية والناتو وغيره ..!!

ومرت السنوات الثلاث ونحن أمام أزمة وطنية حقيقية ، أزمة استهدفت البلاد فحوّلتها من بلد يشبه رجلاً صاعداً على سلم بتباطئ ، وفجأة وقع الرجل وتكسر السلم !! ، بلد تنشد التنمية والتطور إلى بلد منهمك بالإغاثة والاستجابة ، من بلد يحارب الفساد وينشد التطوير والتحديث والاصلاح إلى بلد يحارب الإرهاب والتطرف ، من بلد بدى متطوراً بعض الشيء زراعةً وصناعةً وخدمات ، إلى بلد بلا مقومات ، من بلد غير خاضع و منتصر سياسياً ودبلوماسياً على أعدائه التقليديين إلى بلد يحاربه كل العالم ، من بلد لا يساوم ولا يفاوض على الحقوق إلى معارضة تنوي بيع الجولان وتدعو للتدخل الخارجي وتبارك لضربة الاسرائيلي وتندم لأن الأمريكي لم يضرب ، من جيش أقام توازناً للرعب مع العدو إلى جيش يتم استنزافه في حرب داخلية ضروس تأكل الأخضر واليابس ، من بلد من أوائل الدول بالأمن والأمان إلى بلد من أوائل الدول بالجريمة ووصعوبة العيش ، من بلد بلا مديونية إلى بلد مثقل بالخسائر ، وهلم جر ..!!!

بعد كل ما حصل لا في سورية فحسب بل في كل المنطقة ، وبعد كل ما تبين من سقوط للمشروع الاخواني في المنطقة ، وبعد كل ما حصل في سورية يأبى الثورجيون أن يدركوا حقيقة أنهم أدوات فقط ، وما زالوا يتمكسون بفكرة أن الثورة كانت سلمية واضطرتهم السلطة والظروف لعسكرتها لاحقاً في حين أنها لم تكن كذلك لأن كل الدلائل باتت تشير إلى خطط عمرها سنوات ، وسلاح كان يخزن منذ سنوات ، وأدوات على الأرض كانت تنتظر الإشارة ، وكثيرون من المخدرين والموتورين لم تكن تنقصهم إلا عبارة “فزعة” حتى يهبوا لا لشيء إنما ليقوموا بثورة بلا هدف ..!!

حقيقة يجب أن تكرّس لاحقاً أن تنظيم الاخوان أجرم بحق البلاد فغرر بالعباد واستخدمهم كأداوت ، وضحكت عليهم قطر وغيرها !!

واليوم أعود لأستذكر ذلك النقاش الذي حصل في الصف الجامعي ، لأقول أن النتيجة التي وصلنا إليها أن هناك شعرة بين الأمن القومي للبلاد وبين ما قد يحصل ، وأن مؤامرة ما تستهدف سورية ليست من ذلك الوقت فحسب ، بل منذ مطلع التاريخ ، وأن أي تحرك في البلاد لن يكون أصحابه سوى أدوات في مشروع أكبر منهم ومنا ومن البلاد ككل ، لذلك كنت ضد ما حصل ، كنت مع الحرية السياسية والإصلاح السياسي وكنت أريد عدالة اجتماعية حقيقية ، وكنت مع بناء مجتمع مدني صحيح وحياة سياسية سليمة ومع الحريات ومع إعدة تعريف دور أجهزة الأمن ومع استقلالية القضاء ومع كل العبارات المنمقة والغايات السامية التي كانت كلمات حق يراد بها باطل ، كنت معها قلباً لا قالباً لأن المشروع كان واضح بالنسبة لي على الأقل، وكنت أعلم أن أحداً ما رغماً عن أنفي وعن أنوف الجميع سيقطع هذه الشعرة …

ولنرى أين نحن مما نحن فيه ومما يحصل من حولنا ، فالثورة بأي مفهوم من مفاهيم السياسة والتاريخ لا تكتمل شروطها إلا بوجود قادة ومفكرين وطنيين لا مسيسين ولا يعملون لخدمة مصالح الدول بل لخدمة شعبوهم ، ولا تكون إلا بوجود برنامج واضح ، وايديولوجيا واضحة ، ولا تنتهي الثورات عادة إلا بتغيير حقيقي حاسم وجوهري ملموس يشتمل على تغيير سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافية في البلد التي تجري فيه ، فقد يتفتت البلد ويتقسم نتيجة هذه الثورة ، وقد يتحول إلى بلد مختلف تماماً إلى ما كان عليه سابقاً

حتى الآن وبعد ثلاث سنوات من الدمار ، نرى أنفسنا كما كنا قبل ثلاث سنوات أي أدت بنا إلى حيث بدأنا على الأقل حيث النتائج السياسية ، فلا التركيبة السياسية تغيرت فعلاً ، لا التركيبة الاجتماعية تغيرت ،ولا الوضع العام للبلاد تغير كل ما حصل في سورية اليوم أن البلد دمّر ، اقتصاده دمّر ، وضعه الاقليمي دمّر ،

كيانه مازال معرض لأي شكل مما قد نتخيله،، أكثر من نصف شعبه مشرد أو فقد كل ما يملك ، وأرضه أضحت قبلة للارهابيين من كل أصقاع الأرض ..

تصفية مشروعهم اليوم لن تتم إلا على وقع ضربات الجيش العربي السوري ، وسورية الدولة التي تماسكت أمام هذه الحملة الكبرى من تشويه الحقائق وشيطنة الوقائع ستنهض قريباً لتنفض غبار الحرب الهادفة لتصفيتها كدولة ممانعة مقاومة ، وعندها ربما سيكتشفون أن ما قاموا به ليس ثورة ، إنما كانوا كالأغنام التي سارت مع راعٍ أحمق إلى مسلخ للذبح وهي تضحك وتلعب ، بدل أن تذهب لترعى من حشائش الربيع ..!!

كتبت فيما كتبت وقد أوجزت قدر الإمكان في هذه الذكرى ، وكتابتي تحمل طابعاً غير حيادي وغير متوازن ، مغفلاً كثيراً من المحطات والأحداث ، هادفاً لإلقاء ضوء على البداية وعلى اليوم فقط ، فما حصل بينهما يحتاج إلى كتب ومؤلفات كي يوثق ، وليدركوا أننا نوثق ، وليقرؤوا التاريخ جيداً ، فليست كل الثورات ثورات ، وليس كل الأبطال أبطال ولا يصح نهاية إلا الصحيح …!!

قاسم الشاغوري

المصدر: خارج السرب

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...