شرق أوسط أمريكي خال من الرموز النضالية

16-12-2006

شرق أوسط أمريكي خال من الرموز النضالية

اسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني أكد بشكل او بآخر موافقة حركة "حماس" على تكليف وزراء من حركة المقاومة الاسلامية بعيداً عن الأسماء اللامعة او ذات الخلفية النضالية او الرمزية في تأكيد لمعلومات سبق ان نشرت تقول ان كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الاميركية وافقته خلال محادثات لها مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على تعيين شخصيات من "حماس" او مقربة منها او محسوبة عليها في حكومة الوحدة الوطنية العسيرة الولادة "شريطة ألا تكون ذات سجل نضالي معروف".
وبالطبع فإن تغييب الأسماء النضالية وفقاً لرؤية واشنطن المعلنة تهدف الى "إبعاد من تلوثت يديه بالدماء" بغض النظر عن التسميات المختلفة له سواء كان "مقاوما" في نظر العرب أم "إرهابياً" في نظر الإدارة الاميركية، ولكن الأمر قد يكون أبعد من ذلك بكثير.
والسؤال الذي يطرح نفسه تاليا: لماذا يبحث الغرب عموما وواشنطن خصوصا عن أسماء غير لامعة مع أن هذه الاسماء قد تكون مقنعة للشعوب أكثر من غيرها في وقت تحتاج فيه العاصمة الاميركية لإقناع هذه الشعوب؟
الجواب بسيط للغاية، صحيح ان الاسماء اللامعة مقنعة اكثر لشعوبها إلا ان هذا الإقناع سلاح ذو حدين إذ انه يصعب التخلص ممن هو مقنع بينما يمكن تغييب هذا الاسم أو ذاك حين يكون غير مقنع، أو لنقل غير معروف. هذا اولا، أما ثانيا وهو الأهم فإن المرحلة الراهنة من مخاض ولادة الشرق الأوسط الجديد ستكون بعيدة كل البعد عن الرمزية المحرضة و"المثيرة للقلاقل".
ولنستعرض بشكل سريع ومقتضب ماذا حل بالمنطقة والعالمين العربي والاسلامي خلال المرحلة الماضية وبشكل محدد منذ سقوط بغداد بيد قوات التحالف الاميركية – البريطانية وبدء عملية ملء الفراغ على طريقة ايزنهاور.
سنستنتج انه على مدى ثلاث سنوات مضت غاب الكثير من الأسماء التي اعتبرت بشكل او بأخر رمزاً او ما يشبهه منذ غياب الرموز الفعلية كإرنستو تشي غيفارا او نلسون منديلا وحتى الام تيريزا في زمن يتم البحث فيه عن رمز بالسراج والفتيلة.
بنظرة سريعة ومقتضبة نلحظ انه خلال السنوات الثلاث الماضية غاب ياسر عرفات الزعيم الفلسطيني سواء كان ذلك من طريق السم او الموت العادي، كما غاب جون قرنق الزعيم المسيحي الانفصالي في جنوب السودان، وغاب ايضا رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، وقد وصفه فاروق الشرع نائب الرئيس اخيرا بأنه شخصية ذات ثقل سياسي ومالي اقتصادي يتجاوز حدود لبنان، كما غاب الملك فهد باني السعودية الحديثة ومثله الشيخ زايد باني الامارات الحديثة، اضف الى ذلك طبعا الأسماء التي غابت قبل سقوط العراق كالرئيس حافظ الاسد، وقبله ملك الأردن حسين والحسن الثاني ملك المغرب، وكذلك أمير البحرين وأمير دولة قطر الأب، وإن لم يكن غيابه نتيجة موته وإنما نتيجة خلعه لمصلحة ولده، وكذلك الإمام آية الله الخميني في ايران بينما يحاكم صدام حسين الرئيس العراقي المخلوع في قفص. وفي الإطار ذاته يمكن أن ندق ناقوس الخطر بالنسبة للسيد حسن نصرالله والذي سبق ان نقلت تقارير صحافية اسرائيلية قبل فترة أنه قد يكون بين الشخصيات التي قد تستهدفها الدولة العبرية بالتصفية الجسدية.
قد يبدو الربط مضحكا للبعض إلا ان تأملا متمعنا في الأمر يؤكد تلك الحقيقة. صحيح ان الاسماء المذكورة سابقا ليست نضالية كلها وان من كان مناضلا منها قد تكون عليه ملاحظات او اعتراضات او تحفظات من هذا الطرف العربي او ذاك الاسلامي إلا انها جميعا بشكل او بآخر وبدرجات مختلفة ارتبطت بمراحل نضالية خاضت فيها حروبا مع إسرائيل او انجزت بناء معينا في هذه الدولة او تلك بحيث رسخت في الأذهان خصوصا طوال الفترة التي بقيت فيها على كراسيها.
إن الديبلوماسية العامة لواشنطن والتي تشكل احد ذراعي سياستها الخارجية خلال المرحلة الراهنة تتحدث عن ادوار اكبر للشباب والنساء في شرق أوسط جديد بعيد عن الرمزية والرموز التي يمكن ان تحرك شارعا او تؤثر فيه او في فئات منه على الاقل، بالتأكيد إن عباس ليس عرفات وكذلك الحال بالنسبة لمعظم الزعامات الباقية.
وكما أن إنهاء الوضع الاقليمي للدول العربية في المنطقة وحصر أدوارها داخل حدودها هو المعلم الأهم في الشرق الاوسط الأميركي الجديد فإن الابتعاد عن الرموز المحكومة بفعل تاريخها ونضالها بمطالب وطنية وقومية لا تستطيع تجاوزها لمصلحة تسويات جزئية هو سمة في هذا الشرق لا تقل أهمية عن سابقتها.

ثناء الإمام

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...