سيناريو تشغيل ماكينة الأزمة اللبنانية

22-11-2006

سيناريو تشغيل ماكينة الأزمة اللبنانية

الجمل:   أصبحت الأزمة اللبنانية بمثابة ماكينة تتميز بالتقنية والتكنولوجيا فائقة التطور، كذلك أصبحت هذه الماكينة تعمل وفقاً لبرمجة شديدة التعقيد، وفقاً لنظام مدخلات ومخرجات وتغذية عكسية يعرفها جيداً من يدورون لوحة المفاتيح الخاصة بهذه الماكينة.
سيناريو تشغيل الأزمة اللبنانية أصبح يتضمن الآتي:
* الأطراف الفاعلة:
- داخلياً: قوى 14 آذار (تيار المستقبل)، قوى المقاومة اللبنانية.
- خارجياً: إسرائيل، أمريكا، فرنسا، بريطانيا، والأمم المتحدة.
* المحددات الجيوبوليتكية:
- داخلياً: انقسام شعبي وفقاً للخطوط الدينية الطائفية تم على أساسه ترتيب انقسام مؤسسي عالي التسييس لجهاز الدولة، ونظام المجتمع المدني.
- خارجياً: بيئة إقليمية غير مستقرة، تتميز بالنزاعات والعنف السياسي السلوكي والوظيفي، والاحتقان المتوتر، إضافة إلى تقاطع وتداخل أجندة القوى الخارجية الدولية والإقليمية.
* التفاعلات:
- استقطاب ثنائي المحور بين قوى 14 آذار، وقوى المقاومة، حول عدد من القضايا، أبرزها:
* الاستجابة لتوجهات واستراتيجيات القوى الغربية الرئيسية مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا، الساعية الى توظيف الساحة اللبنانية بما يجعل لبنان قاعدة لإطلاق مشروع الهيمنة الأمريكية- الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط، وإزاء هذا الموضوع أصبح الصراع يدور بين القوى المؤيدة للغرب، (14 آذار)، والقوى الرافضة للمشروع الغربي (قوى المقاومة).
* وسائط التفاعل: يتم استخدام العديد من المحفزات الديناميكية، وحتى الآن قامت الأطراف الفاعلة الداخلية والخارجية باستخدام العديد من الوسائط، أبرزها:
- وسائل مؤسسية: قرارات مجلس النواب، مجلس الوزراء... وغيرها.
- وسائل شعبية: مظاهرات، اعتصامات، مواكب... وغيرها.
- وسائل استخبارية: الاغتيالات، التهديدات.
- وسائل اقتصادية: الصفقات التجارية المشبوهة، مؤتمرات المانحين، القروض... وغير ذلك.
- وسائل إعلامية: حملات الحرب النفسية، الأخبار الكاذبة... وغير ذلك.
ديناميكيات الأزمة اللبنانية:
بعد سلسلة الاغتيالات التي أعقبت الخلاف حول شروط مؤتمر باريس للمانحين حول الموقف من سوريا، استطاع معسكر قوى 14 آذار بعد افتضاح أمر أجندة المحقق اليهودي الألماني ديتليف ميليس، وعملية تزوير وفبركة الأدلة التي كان يقوم بها بمساعدة زعماء قوى 14 آذار. ولم تكد تمضي فترة، حتى جاء العدوان الإسرائيلي ضد لبنان، والذي كان انكساره غير المتوقع على يد مقاتلي حزب الله اللبناني بمثابة الحدث الذي قلب الطاولة على رأس قوى 14 آذار وحكومة السنيورة.
ثم تطورت حركة الاستقطاب والفرز من جديد على الشارع اللبناني، وانقلب السحر على الساحر صانع المؤامرة، وأصبحت قوى المقاومة تمثل الأغلبية.. وقوى 14 آذار تمثل الأقلية.
انتقلت المعركة بين القوى اللبنانية إلى مرحلة نوعية جديدة، فقد أدى استعجال حكومة السنيورة بإصدار القرار الخاص بالمحكمة الدولية، واستعجال أمريكا وفرنسا المبيت من أجل تمرير الموضوع على وجه السرعة –وعلى غير العادة- في مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى عدم تقيد حكومة السنيورة، وتجاوزها، أو فلنقل غض النظر والإغفال المتعمد، لرئيس الجمهورية، ومجلس النواب، أدت جميعها إلى جعل قوى المقاومة الوطنية اللبنانية تستشعر أن ثمة مخططاً جديداً بين قوى 14 آذار وأمريكا وفرنسا وبريطانيا، برعاية إسرائيلية، أصبح تنفيذه وشيكاً.
وكان أن تحركت قوى الأغلبية الجديدة، من أجل إسقاط تحالف الأقلية الجديدة بقيادة قوى 14 آذار والتي أصبحت تستقوي بالغرب، من أجل استمرارية واستدامة سيطرتها على مقاليد الأمور في الساحة اللبنانية.
على هذه الخلفية، أتى بالأمس اغتيال بيير الجميل وزير الصناعة اللبنانية، ومن أبرز المعطيات الخاصة بعملية الاغتيال هذه، تشير إلى الآتي:
- إن بيير الجميل من زعماء قوى 14 آذار، إضافة إلى أنه من ابرز المعادين لسوريا والمقاومة اللبنانية.
- توقيت عملية الاغتيال جاء متزامناً مع وصول الصراع حول ملف المحكمة الدولية إلى نقطة مفصلية: انهيار شرعية الحكومة اللبنانية بسبب استقالة عدد من الوزراء، معارضة رئيس الجمهورية لحكومة السنيورة، عدم توافق الآراء في مجلس الأمن حول المحكمة الدولية، ضعف شعبية قوى 14 آذار ومحاصرة أغلبية الرأي العام اللبناني لحكومة السنيورة.. إضافة إلى حدوث التطور الدراماتيكي الجديد في توازنات القوى والمصالح الإقليمية والدولية، الذي ترتب على تمديد دور سوريا الإقليمي جنوباً والذي أدى إلى فتح خط دمشق- بغداد الذي ظل مغلقاً لسنوات طويلة.
ما إن تم إعلان خبر الاغتيال حتى جاء رد فعل قوى 14 آذار والقوى الغربية الرئيسية، وكأنما كانت على موعد مع الحدث، وقبل صدور أي معلومات أولية حول حدث الاغتيال:
• سعد الحريري زعيم قوى 14 آذار: نحن نعتقد أن يد سوريا في كل مكان.. وطالب بتحرير لبنان من سوريا، زاعماً أنها هي التي قتلت والده رفيق الحريري والآخرين.
• وليد جنبلاط  من زعماء قوى 14 آذار: طالب رئيس الجمهورية ومجلس النواب بتمرير قرار إجازة مشروع المحكمة الدولية.
• الناطق الرسمي باسم رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير لمح إلى اتهام سوريا.
• الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش: اتهم سوريا وإيران بالعمل على زعزعة استقرار لبنان.
• جون بولتون مندوب أمريكا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي: تحدث عن تورط سوريا في عملية الاغتيال.
وهكذا، مرة أخرى، تدور عجلات ماكينة الاغتيال السياسي المبرمج في لبنان، بطريقة تشبه المرات السابقة، ولكن لا تشبهها، وبرغم ذلك، فالمخطط بدا واضحاً: اغتيال الوزير اللبناني سوف يؤدي إلى جعل حكومة السنيورة تفقد 7 وزراء (6 مستقيلين+ 1 تم اغتياله)، وبالتالي تنهار الحكومة.. ولما كان هذا الإجراء يصب في معسكر مصلحة قوى المقاومة اللبنانية الحليفة لسوريا، ومن ثم فإن عملية الاغتيال من حيث التوقيت توفر لمعسكر قوى 14 آذار وحلفاءها الغربيين، الذريعة المناسبة:
- تقوم قوى 14 آذار بتوظيف حادثة الاغتيال من أجل تكرار سيناريو (ثورة الأرز) بما يجمع المزيد نم زخم التأييد الشعبي لها، إضافة إلى القيام بإعادة إنتاج سيناريو  تسويق العداء والكراهية  لسوريا في الشارع اللبناني، ويعزز نشاط القوى الغربية من أجل إنفاذ المشروع الإسرائيلي الأمريكي الذي أحبطه مقاتلو حزب الله في حرب الصيف الماضية.
- تقوم القوى الغربية بقيادة أمريكا وفرنسا بتحريك آليات مجلس الأمن الدولي من أجل استكمال مشروع المحكمة الدولية، والعمل على ترتيب سيناريو فرعي للتحقيق الدولي حول عملية الاغتيال وفقاً للمزيد من القرائن والدلائل المفبركة ا لهادف لإدانة سوريا.. بما يمهد لاستهدافها هذه المرة بالعقوبات الدولية.
وأخيراً نقول: برغم ادعاءات ومزاعم زعماء قوى 14 آذار السابقة لأوانها حول اتهام سوريا، فقد جاء الرد العاقل هذه المرة من صحيفة هاآرتس الإسرائيلية المعارضة:
كتب تساي بار إيل في صحيفة هاآرتس الإسرائيلية الصادرة في 21/11/2006 تقريراً حمل عنوان (تحليل: الاتهامات ضد سوريا أصبحت روتينية جداً)، وفي التقرير يقول الكاتب: (الاتهامات المتصاعدة ضد السوريين بواسطة سعد الحريري ابن رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الذي تم اغتياله، وتلميحات رئيس الوزراء فؤاد السنيورة التي تحث وتحرض على إنشاء المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الحريري، وتصريحات العناصر المعادية لسوريا في لبنان، تضع سوريا على رأس قائمة المتهمين باغتيال الثلاثاء لوزير الصناعة اللبناني بيير الجميل.
وعلى أية حال فإن المنطق السياسي والدبلوماسي مهما كان نقياً وخالصاً فإنه يجعل من الصعب وضع دمشق وراء عملية الاغتيال. ففي اليوم الذي اغتيل فيه الجميل، أحرزت سوريا واحداً من أهم إنجازاتها الدبلوماسية البارزة منذ هزيمتها بلبنان في نيسان 2005م: تجديد واستئناف كامل علاقاتها الدبلوماسية مع العراق.. وسوريا في طريقها أيضاً لإنجاز ما يشبه الموافقة من واشنطن، باعتبارها القادرة على تهدئة الأوضاع في العراق.. وسوريا تقف على حافة إحراز نجاح سياسي هام في لبنان –السقوط المحتمل لحكومة فؤاد السنيورة- بما معناه أن بإمكان وفي وسع سوريا أن تزيد قوة وسلطة مؤيديها في الحكومة –اللبنانية- عن طريق شعبية حزب الله الهائلة.. وإذا تحقق ذلك، فإن المحكمة الدولية حول اغتيال رفيق الحريري سوف يتم إرجاؤها، أو على الأقل سوف تكون بما يتلاءم مع السوريين.
وفقاً لهذه الإنجازات الثلاثة، يمكن القول: إن آخر ما تحتاجه دمشق هو الاتهام الجديد بعملية الاغتيال السياسي –الجديدة- في لبنان.
ويمضي الكاتب الإسرائيلي، وكأنما يمد لسانه لمعسكر 14 آذار عندما يقول في مقالته التحليلية: (...إن حزب الله على وشك أن يمهد السبيل من أجل نفسه ومن أجل سوريا، ولا شك، من ثم، أن حزب الله على وشك أن ينظم مسيرات حاشدة ضد حكومة السنيورة.. قال بأن مقتل الجميل مؤامرة تم بلا شك نسجها وحياكتها بواسطة العناصر المعادية لحزب الله.
وأخيراً نقول، وبرغم الخبث الذي يكتب به الإسرائيليون، فعلى الأقل يمكن القول: إن الكاتب الإسرائيلي، كان أكثر رصانة من تصريحات قادة وزعماء قوى 14 آذار، والتي لا تجد محفزاتها إلا ضمن الأطروحات النفسية التي تستدعي وتستلزم بعض الانتباه: فالذي يجلس في بيروت، ويسمع صوت انفجار أنبوبة غاز.. ويبادر على التو باتهام سوريا، مكانه ليس في إدارة الدولة، بل في عيادات المعالجة النفسية.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...