سعاد جروس : إلى العصر الحجري در

07-07-2007

سعاد جروس : إلى العصر الحجري در

الجمل ـ سعاد جروس : من الصعب فهم العبرة أو الحكمة وراء منع مقاهي الانترنت, قبل بدء الموسم السياحي في عموم الأرجاء السورية, في الوقت الذي يسعى العالم إلى جعل الانترنت خدمة مجانية. وكي لا نتكلم عن الدول المتقدمة, نكتفي بذكر مصر والإمارات العربية من الدول العربية القريبة التي يتوافر فيها الانترنيت الفضائي مجاناً, وبالأخص المناطق السياحية, ويكفي وجود برنامج €ويرلس€ في أي جهاز محمول, كي يلتقط البث الفضائي ويقوم المرء بمتابعة عمله دون تحميله أي كلفة أو منية. لكن بما أننا في سوريا واتصالاتنا ترعاها وزارة بالغة الحنكة والدهاء, ومصممة على منافسة وزارة المالية في جباية أموال الناس بلا شفقة وبأي وسيلة شرعية أو غير شرعية, فليس علينا توقع تحسن خدمة الانترنت, وإنما التمني والرجاء, ألا تزداد تأخراً وتخلفاً وتردياً, لأن وزارة الاتصالات كما يبدو والله اعلم, تفضل انتهاج السياسة الوقائية السورية «أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبداً» أي حتى بعد فوات الأوان ودهر كامل بقفاه, ففي التأني السلامة, وفي العجلة الندامة, إن لم تكن من الشيطان, وهذا أصح لأن السوريين أنصاف ملائكة, كي لا نبالغ ونقول ملائكة, وإلا كيف يتسامحون مع كل هذا التخبط في أداء وزارات ومؤسسات خدمية, عندما يصل مثلاً قطع الكهرباء والمياه ساعات طويلة في اليوم, وربما لو كان للهواء وزارة لانقطع أو قنن هو الآخر, ولسارعت وزارة المالية لفرض ضريبة رفاهية على المتنفسين.
ومن عجائب التخبط والتخبيص وصف قطع الكهرباء بالتقنين, مما ذكَّر المواطنين الأبرياء بحقبة مضت, حين تعرضت البلاد لضائقة كهربائية جعلتها كشجرة عيد الميلاد حينها. ولأن المسألة مسألة ضائقة حتم الواجب على المواطنين القيام بعملية صمت وطنية شاملة وتقبل الأمر كالقضاء والقدر. أما هذه المرة, حين استعدنا كلمة تقنين على قطع المياه وقطع الكهرباء, فقد اكتشفنا أن العملية ليست تقنيناً, بل تقصيراً, بدليل تحميل رئيس الوزراء لوزير الكهرباء مسؤولية معالجة الوضع الكهربائي الذي وصفه بـ €غير المقبول€ موعزاً إليه اتخاذ الإجراءات الفورية لمعالجة مشكلة الانقطاع المتكرر في التيار الكهربائي, ومَنَحه مهلة زمنية لا تتجاوز أسبوعين لإنهائه.
ولعل رئيس وزرائنا الطويل البال والهادئ هدوء الحمائم الوديعة, ما كان ليتصدى لهذا الأمر بصرامة وحزم, بحسب ما نقلت وسائل الإعلام, لولا أنه لمس خطورة وفداحة الخسائر المترتبة على انقطاع €عفواً تقنين€ الكهرباء, خصوصا أننا في موسم الصيف والسياحة, حيث لا ماء ولا كهرباء ولا انترنت.
وبما أن صبر حكومتنا علينا واسع جداً سنسمح لخيالنا بافتراض وجود خطط جهنمية لتشجيع السياحة, أحدها احتمال أن قطع الماء والكهرباء وبالأخص في المدن في موسم الصيف, خطوة تشجيعية لحض السكان على القيام بهجرة موسمية نحو الريف والمناطق الخضراء, حيث لا حاجة الى استخدام المكيفات وهدر الكهرباء, فليالي الكيف والتكييف في الهواء الطلق لا تحتاج إلى طاقة, وبذلك تمتلئ أسِرّة الفنادق ليصرح وزير السياحة في العام المقبل للإعلام بنسبة الإشغال السياحي في ربوعنا الغناء. ولا تقتصر الفوائد على السياحة, بل على الانعكاسات الايجابية في تخفيف الضغط عن المدن ومنح الدولة والعاملين إجازة تصييف مفتوحة توفر ملايين الليرات, ناهيك عن توفير الطاقة والماء. كذلك احتمال أن تكون وزارة الاتصالات تسهم بدعم السياحة بطريقة الجندي المجهول, أي بصمت ومن دون أن نعرف الفاعل, بمحاصرة السياح وإجبارهم على التمتع بمتع الصيف الخالصة والمخلصة لوجه التصييف الصافي من أي تفكير مغرض بمتابعة الأعمال والأشغال عن بعد, بمنع مقاهي الانترنت, مع العلم أن هذه الخدمة غير متوافرة في أي من الفنادق خارج المدن الكبرى دمشق وحلب وحمص, وإذا توفرت فللتصفح بالعين المجردة من خلال كمبيوترات الفنادق, مع عدم السماح بوصل خط خاص للكمبيوتر الشخصي, وهكذا تتمكن وزارة الاتصالات من تقديم خدمة فريدة للسياحة عبر تفريغ وقت السياح للتأمل بجمال طبيعتنا واكتشاف وداعة وطيبة وبساطة المجتمع السوري. فالسائح يفترض أن يكون «مسوسح» أي ليس له لا بالعير ولا بالنفير €وإلا من أين أتى للسائح لقبه السياحي€؟ وبالتالي لن يحتاج الى تصفح البريد الالكتروني والانترنت, كوسيلة لا تزال وستبقى بفضل وزارة الاتصالات الميمونة تحصيل حاصل, لأن في بلادنا ما هو أغنى بكثير ويغني عن الكثير.
إذا صدق هذا الظن والذي حتماً ليس بعضه إثم, فعلينا الاعتذار للوزارات واحترام أدائها الذكي جداً لما يقدمه من خدمات جليلة للاقتصاد الوطني على صعيد التوفير والتقنين والتسويح والترويح عن النفس, فليس هناك اسعد من شعب تتآمر عليه حكومته بالحلال, وتدفعه دفعاً الى الترفيه عن نفسه, وأخذ إجازة مفتوحة ليستمتع بما لذ وطاب من أصناف الطبيعة الشهية الخضراء على نهج برنامج «الوادي» والعمل بنصيحة ملكة الإثارة هيفا عـ «الطبيعة كل شي أحلى», وبلا كهرباء وبلا انترنيت وبلا بطيخ... إلى العصر الحجري در.


 
بالاتفاق مع الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...