رسالة من الأب الياس زحلاوي إلى جون كيري

06-09-2013

رسالة من الأب الياس زحلاوي إلى جون كيري

رسالة مفتوحة إلى السيد جون كيري

وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية

 

السيد جون كيري،

من دمشق، دعني أقول لك، أنا الكاهن ابن الحادية والثمانين، أنك بلغت بالأمس مساء 30/8/2013، فيما كنت تخاطب الدنيا بشأن سورية، منتهى الصغارة والنفاق.

ثمة أمر واحد، أجل أمر واحد في منتهى الكِبر، ذكّرتني به، دون علم منك، طوال خطابك هذا الأجوف، وهو قول للسيد المسيح، ابن فلسطين، خصّ به المسؤولين اليهود آنذاك، قبل صلبه بأيام. قال:

« الويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون:

أنتم أشبه بالقبور المكلسة، يبدو ظاهرها جميلاً،

وأما باطنها فممتلئ من عظام الموتى وكل نجاسة… » (متى 23/27)

أجل، هذا هو الأمر الوحيد الكبير، الذي تذكرته خلال خطابك: إدانة السيد المسيح "للقبور المكلسة"، التي حاكمته بالأمس، والتي تحاكم سورية اليوم، بعد أن فرضت نتانتها في الأرض كلها، منذ أن أنشأت جبروتها في القارة الأميركية، فوق عظام عشرات الملايين من أبنائها الأصليين!

السيد جون كيري،

أنت تتكلم من علُ… وكما فعل أسلافك القتلة، تقرر مصائر شعوب برمتها، كما لو كان مشاهدوك وسامعوك، جهلةً وسذّجاً، ليس لهم إلا أن ينحنوا أمام "الحقائق الأميركية"!…

دعني أذكّرك وأذكّر كل من سيتسنّى لكلامي اليوم أن يطالهم، حقيقة ما جرى ويجري ويراد له أن يجري في سورية، من خلال ما كتب أحد أبرز مفكريكم، وهو نعوم تشومسكي، في كتاب له، صدر عام 2007، في كندا، تحت عنوان "القوة الخطرة". وفيه يجري الصحفي الإسرائيلي "ستيفن شالوم"، حواراً مطولاً وصريحاً، مع كل من المفكر اليهودي الأميركي "نعوم تشومسكي"، والمفكر الفرنسي، اللبناني الأصل، "جلبير أشقر". والحوار كله يدور حول الصراع العربي الإسرائيلي، وموقف الغرب، لا سيما الولايات المتحدة منه. وقد جاء في الصفحتين (184-185) من ترجمته الفرنسية، ما حرفيته:

« شالوم: ثمة كلام عن احتمال قيام عمل عسكري من قبل الولايات المتحدة، ضد بلدين آخرين في الشرق الأدنى، هما سورية وإيران. كيف لك أن تقيِّم سياسة الولايات المتحدة حيال سورية؟

تشومسكي: سياسة الولايات المتحدة حيال سورية، كانت دائماً انتهازية جداً… في عام 1990، كان جورج بوش الأب يؤيد كل التأييد بقاء سورية في لبنان، لأنه كان يريد لها أن تنضم إلى التحالف المعادي للعراق… إلا أن واشنطن عادت عبر السنوات، إلى موقف مختلف، لأن سورية لا تخضع لأوامر واشنطن… ففي معظم البلدان، ينحني المسؤولون أمام الولايات المتحدة بكل بساطة. أما سورية، فلا. ولكي نرى مدى جدية انتقاد الولايات المتحدة لسورية، بشأن خروقها لحقوق الإنسان، حسبنا أن نلقي نظرة على تاريخ الأحداث. وفي الواقع، هناك قائمة بدول داعمة للإرهاب، أي دول هي، في حقيقة الأمر، لا تُرضي الولايات المتحدة، لسبب تافه. من ذلك، أن كلينتون عرض على سورية، عام 1994، أن يشطب اسمها من هذه القائمة، إن هي قبلت بالاقتراحات "الأميركية - الإسرائلية" (كذا!) بشأن هضبة الجولان، التي كانت إسرائيل قد احتلتها أثناء حرب عام 1967. ولما كانت سورية تريد استرداد أرضها، رفضت هذه المقايضة، فبقيت إذن في قائمة الدول الداعمة للإرهاب. ولا يحتاج الأمر إلى المزيد من الكلام بشأن هذا الموضوع.

وفي عام 2004، توفرت فرصة للتخلص من سورية. فاتفق المسؤولون في الولايات المتحدة مع فرنسا، وفرضوا على الأمم المتحدة قراراً يقضي بإرغام القوات السورية على مغادرة لبنان. واليوم تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً قوية للإطاحة بالنظام السوري، ولكن لا للأسباب التي تدّعيها الولايات المتحدة. إن دافعها الحقيقي هو الدافع عينه الذي استخدمته في قصف صربيا: لأنها غير مطيعة!…

إن الأسباب التي تدفع الولايات المتحدة إلى معارضة سورية، ليست نبيلة البتة. ويسعنا أن نقول الأمر نفسه عن فرنسا، بقدر ما يتاح لي أن أعرب عن رأيي. إن ما دفع الولايات المتحدة بإصرار لإخراج سورية من لبنان، يعود إلى أن سورية رفضت الانضمام إلى الحرب الثانية التي شُنّت على العراق عام 2004، بل تبنّت، بالمقابل، موقفاً معادياً… ولذلك قررت الولايات المتحدة معاقبة النظام السوري. » (انتهى)

وهل من يجهل اليوم أن كل ذلك، وغيره الكثير والمروّع، مما جرى ويجري من أجل تدمير العالمين العربي والإسلامي، إنما هو من أجل ضمان أمن إسرائيل وبقائها، بعد أن باتت الولايات المتحدة… مستعمرة صهيونية؟…

السيد كيري،

صحيح أنك اليوم وزير خارجية الولايات المتحدة. ولكنك اليوم وغداً، إنسان قبل أي شيء آخر. فدعني أذكرك للحظة واحدة، أنك في يوم قريب، ستمثل أمام الله، شئت أم أبيت…

كنت أتمنى ألا أكون أنا الكاهن العربي، من يذكّرك بهذه الحقيقة الوحيدة والحاسمة، بل أحد المسؤولين "الكبار" والكثيرين… في كنائس الولايات المتحدة… ولكن يبدو أنهم كلهم دون استثناء، قد قرروا أن يكونوا، وهم أحياء، "قبوراً مكلّسة"!…

أسفي على السيد المسيح، لما آلت إليه كنائسه في الغرب!

                                                                                     الأب الياس زحلاوي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...