خط نفط مباشر بين أنقرة وأربيل: ضغط على بغداد أم تشريع للانفصال؟

27-04-2013

خط نفط مباشر بين أنقرة وأربيل: ضغط على بغداد أم تشريع للانفصال؟

مرّ الخبر عابراً وسط زحمة الأخبار الإقليمية المتسارعة: سيكون إقليم كردستان مستعداً لتصدير النفط الخام إلى الأسواق العالمية عبر تركيا خلال بضعة أشهر، بعد استكمال خط أنابيب جديد يربط حقل طق ـ طق النفطي بخط أنابيب كركوك ـ جيهان القائم بين الإقليم وتركيا.
تقنياً، ليس في الأمر جديد، فنفط شمال العراق لطالما كان ينقل إلى تركيا عبر شاحنات، وذلك ما تؤكده الأخبار عن زيادة صادرات إقليم كردستان النفطية، غير القانونية بحسب بغداد، للأسواق العالمية، في تجارة ارتفعت إلى نحو 60 ألف برميل يومياً. عامل يضبط صمام أنبوب نفطي في حقل نفط غربي القرنة في محافظة البصرة. (رويترز)
ما بدا لافتاً في هذه الخطوة تمثّل في محاولةٍ تركية لتشريع الانفصال النفطي الكردي، كمقدمة للاستقلال التام، وذلك في تعميق للخلاف، المحتدم أساساً، مع الحكومة المركزية في بغداد التي تخاف أن تجد نفسها خارج المعادلة.
وتأتي هذه الخطوة وسط أسئلة عن المدى الذي قد تذهب اليه أنقرة في نزاعها مع بغداد، وهل ستخاطر بحرق آخر الجسور مع من تصرّ واشنطن على اعتبارها «إنجازها الديموقراطي» (الحكومة المركزية)؟ وما قد يكون موقف بغداد المرهقة بأزمة تدنو من الاقتتال الطائفي (معركة الحويجة والهجمات الانتقامية)؟
في الواقع، ثمة سيناريوهان يطرحهما المتابعون للموضوع، تحكمهما أطر اللعب بالورقة الكردية التي تقتضي «الشدّ والرخي» بحسب الظروف. وطبعاً دون إسقاط العامل الربحي (المردود النفطي) الذي يحسب له قدرته على جمع أشد خصوم السياسة على طاولة المصلحة.

الجسور المحروقة

وفق السيناريو الأول، وهو سيناريو «الجسور المحروقة» مع بغداد، بحسب الباحث الاميركي مايكل نايتس في «معهد واشنطن»، يحضر القول إن الإقليم هو الامتداد الطبيعي للاقتصاد التركي من جهة، كما يحضر الخلاف المستعر منذ العام الماضي على خط أنقرة ـ بغداد من جهة أخرى. وعليه، تؤكد مصادر تركية أن حكومة الإقليم ماضية قدماً لاستكمال خط الأنابيب في الربع الثالث من العام، بإشراف «جينل إنرجي» البريطانية.
تستطيع أنقرة أن توافق على معاهدة «استراتيجية» في مجال الطاقة مع حكومة الإقليم تكون مغيّرة للعبة، تتلقى تركيا بموجبها كميات كبيرة من صادرات النفط من المنطقة الكردية بشكل مستقل عن بغداد. وفي ذلك السيناريو، سيلزم وضع ترتيبات تسويقية ومالية جديدة لم تُختبر من الناحية القانونية لتسييل الموارد، حيث إن الترتيبات التي تعرضها عادة «مؤسسة تسويق النفط العراقية»، التابعة للدولة، لن تطبق في حالة تجاوز بغداد.
وكانت تركيا قد لمّحت إلى هذا الخيار مرات عدة. ففي كانون الثاني الماضي، أثارت وزارة الخارجية احتمال إنشاء خط أنابيب ثنائي للغاز بين تركيا وكردستان خلال زيارة لوكيلها إلى واشنطن. وبعد اجتماع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس وزراء الإقليم نيجرفان البرزاني في آذار الماضي، أكد أردوغان أن بلاده قد وقعت على «اتفاق تبادل تجاري» مع الأكراد العراقيين. وفي مطلع الشهر الحالي، أعلنت وزارة الطاقة التركية عن استعدادها لإدارة تقسيم المدفوعات بين بغداد وأربيل مقابل النفط الذي يتم استخراجه من منطقة كردستان، بنسب تخالف ترتيب العرف والتقاليد وتحرم بغداد فعلياً من عمليات التسويق السيادية والمسؤوليات المالية. وتعتزم أربيل تحويل الأموال الناتجة إلى شركة تركية لتصفية النفط توفّر منتجات الوقود إلى الإقليم، ما يسمح لحكومة الأخير بأن تدعي بأن البيع جزء من برنامج مقايضة.
ويعزّز تحقق هذا السيناريو بوادر التهدئة الكردية ـ التركية، بعد قرار انسحاب مقاتلي «حزب العمال الكردستاني» إلى العراق في الثامن من أيار المقبل. وكذلك ما يدور على الساحة السورية الكردية، ومحاولة خلق خريطة نفطية جديدة، من سوريا إلى العراق فتركيا، يلعب الأكراد دوراً فاعلاَ فيها.
أضف إلى ما سبق الجانب الاقتصادي للصفقة التي، بحسب الكاتب التركي سنان أولجين، تعتبر فرصة هائلة لتقليل اعتماد تركيا الثقيل على واردات الطاقة. كما تساعدها في التغلب على عجز الحساب الجاري المزمن البالغ نحو 70 في المئة من عجز تركيا التجاري الذي يصل إلى 84 مليار دولار. ومن جهة ثانية، يؤمن الاتفاق لكردستان التحرر من حكومة عراقية غير متعاطفة تعاطفا متزايدا.
وهنا تحاول تركيا التخفف من الضغط الأميركي بالتأكيد أن الصفقات بين شركات النفط الأميركية العملاقة، مثل «إكسون موبيل»، وحكومة إقليم كردستان، دليل على قلق أميركا على حصتها من الكعكة في شمالي العراق.

البراغماتية تنتصر؟

في السيناريو المقابل، يرى المتابعون أن الأمر يقتصر على كونه مجرّد ورقة سياسية تستخدمها تركيا للضغط، ولا يمكنها أن تمضي قدماً من دون حسم الموضوع بالاتفاق مع بغداد بموجب الدستور والقوانين النفطية المركزية.. وهو ما يؤكده وزير النفط السابق عصام الشلبي.
كما يذهب أنصار هذا السيناريو إلى الحسم بأن من غير الممكن أن تنفرد تركيا عن القرار الأميركي، لا سيما في ما يرتبط بالأكراد. برأي هؤلاء، ومنهم أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إحسان الشمري، من غير الممكن أن تفرّط أميركا بتجربتها الديموقراطية في العراق. وعند السؤال عن موقف أميركا من ممارسات المالكي المتهم بالتفرد بالحكم، يستحضر الشمري الأزمة السورية ليؤكد أن واشنطن تغض الطرف عن «الحليف الشيعي» على اعتبار أنه يقمع المجاميع المسلحة والمتطرفين و«فلول» النظام السابق.
هنا، يرى الشمري أن الاتفاق سيمضي لكن في مصلحة الجميع، أي باتفاق تركي ـ عراقي ـ كردي. في هذا الإطار، تركيا ستلعب الورقة النفطية ببراغماتية خالصة، ومن المتوقع أن يناقش رئيس وزراء الإقليم، الذي يصل إلى بغداد بعد غد الاثنين، مسألة الدفع بالاتفاق النفطي إلى الأمام مع الحكومة المركزية.
كما يُذكر أن المالكي خفف من نبرته في وقت سابق من الشهر الحالي، خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، قائلا إن «العراق يرحب بأي خطوة باتجاه التقارب مع تركيا على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل وحسن الجوار».
وفي خطوة ملموسة أكثر، ناقشت بغداد اتفاقات لإقامة خطوط أنابيب جديدة مع أنقرة، مثل ربط حقول النفط الضخمة وتدفقات الغاز الجديدة الكبرى في البصرة بموانئ تركيا. وقد لاقت المبادرة تعليقات إيجابية من وزير النفط التركي تانر يلدز في نهاية آذار الماضي،عندما قال «نحن مستعدون لنقل النفط الخام من البصرة إلى الأسواق العالمية عند الحاجة... سنبدأ بالمشروع عندما يكون إخواننا العراقيون مستعدين لذلك». كما أكد يلدز تفضيل أنقرة تشغيل أنبوب النفط العراقي ـ التركي بطاقته القصوى، قبل بناء أي خطوط أنابيب جديدة للنفط المستخرج الإقليم.
وهنا يرى الأميركيون الفائدة تعم على تركيا والعراق وكردستان.. وأسواق النفط الأميركية التي ستقلل من اعتمادها على مضيق هُرمز المتوتر.
وقد تشكل زيارة أردوغان إلى البيت الأبيض في 16 أيار المقبل مفترق طرق لمصلحة أحد السيناريوهين، برغم أن المعطيات تشير إلى أن الاستقلال التام للأكراد لن يكون من مصلحة أحد في هذه الفترة، حتى الأتراك أنفسهم. ففي النهاية، ورقة الضغط تخسر قيمتها إن حققت ما تهدّد به.

هيفاء زعيتر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...