ثنائيةالأزمة اللبنانية-الكينيةوأزمة تطبيق النموذج الديمقراطي الغربي

01-01-2008

ثنائيةالأزمة اللبنانية-الكينيةوأزمة تطبيق النموذج الديمقراطي الغربي

الجمل: بدأ عام 2008م ودخل يومه الأول، وما زال الصراع حول منصب رئاسة الجمهورية معلقاً في بلدين أحدهما عربي (لبنان) والآخر إفريقي (كينيا)، وحتى الآن على ما يبدو فإن الأيام والأسابيع القادمة في هذين البلدين سوف تكون حافلة بالتطورات وتداعيات الوقائع الدراماتيكية.
* ثنائية لبنان – كينيا: جاذبية النموذج الديمقراطي الغربي:
تتباهى أمريكا ودول غرب أوروبا بـ"لبنان الديمقراطي" و"كينيا الديمقراطية" لأن البلدين يطبقان النظام التعددي الليبرالي الغربي منذ لحظة الاستقلال، فلبنان ظل ديمقراطية تحت الرعاية الفرنسية، وكينيا كذلك ظلت ديمقراطية تحت الرعاية والوصاية البريطانية، وعندما تراجع النفوذ الفرنسي عن منطقة الشرق الأوسط ولبنان، وتراجع النفوذ البريطاني عن منطقة شرق إفريقيا وكينيا، حدثت ظاهرة فراغ غطاء القوة الإستراتيجية الدولية، وكان طبيعياً أن تتقدم الولايات المتحدة على خط شرق المتوسط لملء الفراغ الذي ترتب على انحسار النفوذ الفرنسي في لبنان، وأيضاً أن تتقدم على خط شرق إفريقيا لملء الفراغ الذي ترتب على انحسار النفوذ البريطاني عن كينيا.
* لبنان – كينيا: إشكالية الدور الإقليمي:
عندما تقدمت الولايات المتحدة لملء الفراغ الفرنسي في لبنان، والفراغ البريطاني في كينيا، لم تكن تسعى لنهب الموارد اللبنانية والكينية، لأن البلدين لا موارد لهما، وإن كانت كينيا أفضل نسبياً، وكان المخطط يهدف إلى استخدام لبنان وكينيا كمنفذ حيوي جيو-سياسي لاختراق البيئة الإقليمية:
• تم استخدام كينيا بواسطة الولايات المتحدة وإسرائيل في رعاية ودعم قوة حركة التمرد في الجنوب السوداني، وفي تهديد جنوب الصومال وإشعال بؤر التوتر في شرق زائير ورواندا وبوروندي وأنجولا وموزمبيق وعرقلة أي تحولات تحريرية جديدة في تنزانيا وأيضاً في عملية عرقلة وإعاقة علاقات العرب مع دول إفريقيا السوداء. وعلى الصعيد العسكري يعتبر ميناء «ممبسة» الكيني (المطل على المحيط الهندي) المرفأ الرئيسي للسفن والبوارج العسكرية الأمريكية، إضافة إلى أن محطة الموساد الرئيسية المسؤولة عن إفريقيا توجد أيضاً في «ممبسة».
• تم استخدام لبنان بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في محاولة زعزعة استقرار سوريا وشن حروب الوكالة ضد الفلسطينيين وتوفير الذرائع لإسرائيل لكي تتدخل على أمل أن تتمكن من السيطرة على لبنان وإدماجه في المشروع الإسرائيلي الشرق أوسطي، كذلك تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل الحصول على المزيد من التسهيلات العسكرية في لبنان، ومن أبرز المشروعات في هذا الخصوص يتمثل في قاعدة «القليعات» الجوية العسكرية التي سوف تقوم بدور مزدوج أمني – عسكري لإسرائيل وأمريكا.
البيئة الإقليمية المحيطة بكينيا تجعلها مؤهلة للقيام بدور القاعدة العسكرية – الأمنية لأمريكا وإسرائيل وبدور الوكيل السياسي الأمريكي – الإسرائيلي، وأيضاً دور المثال النموذجي للأمركة الاقتصادية التي تفيد أولاً وقبل كل شيء إسرائيل حيث أن الشركات الأمريكية التي ستباشر العمل هي بالأساس إما شركات أمريكية يملكها يهود، أو شركات إسرائيلية بغطاء أمريكي أو أوروبي. نفس الشيء بالنسبة للبنان، لأن إنشاء قاعدة «القليعات» الجوية العسكرية لن يقتصر فقط على منطقة «القليعات» وحدودها، وإنما سيتم توزيع العديد من المنشآت العسكرية التابعة لهذه القاعدة بما يغطي كل المناطق اللبنانية فائقة الحساسية وعلى وجه الخصوص مرتفعات جبل لبنان، ومناطق الحدود السورية – اللبنانية، والساحل اللبناني. وهو ما سيجعل من لبنان "نقطة ارتكاز" للقيام بدور الوكيل السياسي الأمريكي – الإسرائيلي، وهو أمر لن يحتاج إلى الكثير من العناء إذا ألقينا نظرة سريعة على أجندة المحكمة الدولية والقرارات الدولية 1559 و1701 وغيرها وبالنسبة للقيام بدور المثال النموذجي للأمركة الاقتصادية، فإنه سيفيد أولاً وأخيراً إسرائيل لأن الأهمية الاقتصادية للبنان تقوم على أساس اعتباره نقطة لعبور حركة الترانزيت العابرة للحدود، وبالتالي فمن الممكن عن طريق الاقتصاد اللبناني التأثير على الاقتصاد السوري، وتعزيز قدرة الصادرات الإسرائيلية في النفاذ إلى سوريا والعديد من الدول العربية الأخرى، عن طريق استخدام حيلة "تغيير علامات وشهادات منشأ السلع الإسرائيلية" وإضفاء الطابع اللبناني عليها، على النحو الذي يؤدي إلى إفساح المجال واسعاً أمامها لدخول الأسواق العربية.
* سردية ثنائية فؤاد السنيورة – مواي كيباكي:
في لبنان يوجد صراع رئاسي بين قوى 14 آذار (الموالاة) وقوى 8 آذار (الممانعة) بسبب الأجندة الأمريكية – الإسرائيلية، وفي كينيا يوجد صراع بين أنصار كيباكي (الموالاة) وأنصار رايلا أودينجا (الممانعة) وأيضاً بسبب الأجندة الأمريكية – الإسرائيلية. بكلمات أخرى، تجد قوى الموالاة في لبنان بزعامة السنيورة وفي كينيا بزعامة كيباكي الدعم المفتوح الأمريكي – الإسرائيلي، أما قوى الممانعة في لبنان بزعامة ميشيل عون وفي كينيا بزعامة أودينجا تجد المعارضة الأمريكية – الإسرائيلية بسبب توجهات الممانعين اللبنانية (في لبنان) والكينية (في كينيا) للاستقلالية والابتعاد عن الأجندة الأمريكية – الإسرائيلية المتعلقة بالبيئة الإقليمية الشرق أوسطية اللبنانية والبيئة الإقليمية الشرق إفريقية في كينيا. ولا يقتصر وجه الشبه بين الممانعتين في الاعتبارات المتعلقة برفض الأجندة الأمريكية – الإسرائيلية وإنما أيضاً في الاتهامات الأمريكية – الإسرائيلية لهما:
• الممانعة التي يتزعمها ميشيل عون متهمة بالتحالف مع حزب الله "الإرهابي" المسؤول عن تفجير السفارة الأمريكية في بيروت ومهاجمة الطائرات والمنشآت الإسرائيلية في الأرجنتين وغيرها.
• الممانعة التي يتزعمها رايى أودينجا متهمة بالتحالف مع الكينيين ذوي الأصول العربية – الصومالية والذين تتهمهم إسرائيل وأمريكا بدعم الإرهاب والمسؤولية عن تفجير السفارة الأمريكية في نيروبي ومهاجمة طائرات العال الإسرائيلية والمنشآت السياحية الإسرائيلية في شرق إفريقيا.
عموماً، تقول معطيات الخبرة الاستعمارية الأوروبية، بأن لبنان كان خاضعاً للاستعمار الفرنسي وبذلت السلطات الاستعمارية الفرنسية جهداً كبيراً لبناء وتوطيد "الهوية الفرانكفونية" القائمة على الثقافة واللغة الفرنسية في لبنان. أما في كينيا فقد كانت خاضعة للاستعمار البريطاني وبذلت السلطات الاستعمارية البريطانية جهداً كبيراً لتوطيد "الهوية الأنجلوفونية" القائمة على اللغة والثقافة الإنكليزية.
كذلك عملت السلطات الاستعمارية الفرنسية على توطيد نفوذ الكنيسة الكاثوليكية – المارونية في لبنان، أما في كينيا فقد عملت السلطات الاستعمارية البريطانية على توطيد نفوذ الكنيسة الإنجليكانية – البروتستانتية، ومن ثم فطوال الفترة الممتدة من لحظة نيل الاستقلال فقد ظلت الكنيسة الكاثوليكية – المارونية في لبنان والكنيسة الإنجليكانية – البروتستانتية في كينيا تتمتعان باليد الطولى والنفوذ على التطورات والمجريات السياسية.
يقع لبنان ضمن بيئة عربية – آسيوية، وتقع كينيا ضمن بيئة عربية – إفريقية (ذوي الأصول العربية يشكلون ما يقارب من 40% من سكان كينيا، أي أن 40% من السكان الكينيين يتحدثون اللغة العربية ويعتنقون الإسلام ومعظمهم من الشيعة). وقد عملت السلطات الاستعمارية الفرنسية على نقل الحاجز الديني الإسلامي – المسيحي في لبنان إلى مجال السياسة وفي كينيا عملت السلطات الاستعمارية البريطانية على نقل الحاجز الديني الإسلامي – المسيحي إلى مجال السياسة.
والآن، وعلى خلفية الصراع السياسي في لبنان، فإن "خيار" فؤاد السنيورة يتمثل في حصر الصراع الرئاسي داخل المؤسسات وتحديداً مجلس النواب لأن اللجوء إلى الانتخاب المباشر في الشارع اللبناني سيؤدي إلى صعود ميشيل عون زعيم المعارضة، وبالتالي فإن إبقاء الصراع داخل المؤسسة التشريعية سيؤدي إلى حرمان زعيم المعارضة من الاستفادة من مزايا الأغلبية التي يتمتع بها في الشارع اللبناني، أما في كينيا، فقد تمثل "خيار" مواي كيباكي في اللجوء إلى الشارع الكيني وتزوير الانتخابات الرئاسية.
في لبنان تهدد قوى الموالاة باللجوء إلى تطبيق صيغة انتخابات "النصف + 1" لأن النتيجة ستكون على غرار نموذج نتائج خيار كيباكي الذي أدى إلى اندلاع العنف وانقسام الشارع على النحو الذي هدد بانقسام الجيش والشرطة والأمن. فهل يلجأ السنيورة إلى "خيار كيباكي" تحت غطاء الدعم الخارجي، أم أن كيباكي سيلجأ إلى "خيار السنيورة" ويحاول إبقاء الأزمة وكسب الوقت تحت غطاء الدعم الخارجي؟
وبين "خيار السنيورة" و"خيار كيباكي" يبرز التساؤل حول مدى قدرة الدعم الخارجي الأمريكي – الإسرائيلي على إبقاء الأزمتين اللبنانية والكينية وكسب الوقت من أجل إرهاق وتبديد جهود قوى الممانعة ودعم قوة الحلفاء!!
وهذا ما تحاول أن تفعله أمريكا وإسرائيل في الوقت الحالي إزاء الأزمتين الرئاستين اللبنانية والكينية مع إعطاء دور أكبر للسادة الاستعماريين السابقين، ففي لبنان يعمل الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي في تأمين قيام فرنسا بتنفيذ أجندة الوكالة الأمريكية، وفي كينيا، بدأ الرئيس البريطاني جوردون براون عملية تأمين قيام بريطانيا بتنفيذ نفس الأجندة، وذلك على النحو الذي يشير إلى مدى قيام الإدارة الأمريكية باعتماد نظام دولي يقوم على إدارة الصراعات الإقليمية عن طريق إعطاء الحلفاء من القوة الاستعمارية السابقة أدواراً فرعية.

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

كينيا: مقتل 120 شخصاً في الصراع على السلطة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...