بعد مفاوضات إيران مع «مجموعة الستة»: أنقرة في مواجهة الخيارات الحرجة

04-10-2009

بعد مفاوضات إيران مع «مجموعة الستة»: أنقرة في مواجهة الخيارات الحرجة

الجمل: تواجه تركيا موقفاً استراتيجياً صعباً بعد صدور نتيجة المفاوضات الدولية الجارية بين مجموعة الدول الستة وإيران، وتشير التوقعات إلى أن نتيجة المفاوضات أياً كانت ستلقي بالمزيد من التداعيات على السياسات الداخلية والخارجية الإيرانية.

                 


* الخلافات التركية – التركية حول التعامل مع إيران:
برغم استمرار حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي في الوقوف إلى جانب إيران ورفضها المستمر تقديم تسهيلات لأي عمل عسكري يستهدف إيران فقد تبلورت في الساحة السياسية التركية وجهتا نظر جديدتان حول الموقف التركي المطلوب إزاء إيران:
• منظور يرى أن تطور القدرات العسكرية الإيرانية يمثل مصدراً للخطر والتهديد المحتمل لأمن واستقرار تركيا، ويسيطر هذا المنظور على إدراك جنرالات المؤسسة العسكرية التركية.
• منظور يرى أن تطور القدرات العسكرية الإيرانية لا يمثل مصدراً للخطر والتهديد المحتمل لأمن واستقرار تركيا طالما أن هذه الأخيرة ما تزال ماضية في تطوير قدراتها.
تبلور الخلاف ضمن التفاهمات التركية الدائرة على هامش ملف الأمن القومي التركي وتزايدت الخلافات بما أسفر عن بروز وجهتي نظر على طول خطوط أطراف معادلة العلاقات المدنية – العسكرية التركية.
* محفزات الخلافات التركية:
برزت مؤخراً في أوساط المؤسسة العسكرية التركية ظاهرة الاهتمام المتزايد بملف القدرات العسكرية الإيرانية، والسعي لمعرفة مدى تداعيات وتأثيرات هذه القدرات على الأمن القومي التركي، وعلى سبيل المثال لا الحصر نشير إلى الآتي:
• بناء طهران صاروخ "شهاب-3" الذي يعمل بالوقود الصلب ويصل مداه إلى 2500 كلم يجعل الأراضي التركية بكاملها تحت دائرة استهدافه المباشرة.
• بناء طهران صاروخ "سجيل" الذي يعمل بالوقود الصلب ويصل مداه إلى 2000 كلم يجعل الأراضي التركية بكاملها تحت دائرة استهدافه المباشرة.
هذه المحفزات العسكرية أدت إلى محفزات أمنية تمثلت في مطالبة المؤسسة العسكرية التركية بضرورة اتخاذ أنقرة الإجراءات اللازمة لتصحيح اختلال ميزان القوى التركي – الإيراني وجعله، على الأقل، يعود إلى التوازن بعد أن مال في الفترة الأخيرة لصالح طهران.
* أنقرة في مواجهة تسييس الخلافات حول إيران:
بدأ الخلاف بين المؤسسة العسكرية التركية وحكومة حزب العدالة والتنمية التركي يأخذ طريقه إلى الساحة السياسية التركية، وفي الوقت الذي يتبنى فيه حزب العدالة والتنمية وحلفاؤه وجهة النظر التي تراهن على إمكانية تطوير القدرات العسكرية التركية كوسيلة فعالة للحفاظ على توازن القوى التركي – الإيراني، فقد برزت وجهة نظر أخرى تطالب ليس بالعمل من أجل تطوير القدرات العسكرية التركية فحسب، بل وضرورة الإسهام الفاعل في الجهود الأمريكية – الإسرائيلية – الغربية الساعية إلى عرقلة وإعاقة تطور القدرات الإيرانية، إضافة لذلك تستخدم المعارضة التركية وجهة النظر هذه في توجيه الانتقادات لسياسة حكومة حزب العدالة والتنمية ومن أهمها:
• عدم الحرص على الإبقاء على تفوق تركيا في الشرقين الأوسط والأدنى.
• التعاطف مع إيران سيؤدي إلى خسارة تركيا لملف انضمامها للاتحاد الأوروبي إضافة إلى تخريب التحالف الاستراتيجي مع واشنطن.
حتى الآن، لم تصل عملية تسييس الخلافات التركية – التركية إزاء الملف الإيراني إلى ذروتها القصوى ومن الواضح أن تصاعد هذه الخلافات سيهدد شعبية حزب العدالة والتنمية وعلى وجه الخصوص في المدن التركية الكبيرة التي ظلت مؤشرات الرأي العام فيها تميل لمصلحة حزب الشعب الجمهوري التركي والحزب القومي التركي.
* أنقرة في مواجهة الخيارات الحرجة؟
توجد علاقة وثيقة في جميع البلدان بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، وبالنسبة لتركيا وتحديداً في فترة ما قبل حزب العدالة والتنمية فقد ظلت الأولوية للسياسة الخارجية، ولكن بعد وصول الحزب إلى السلطة انقلب الوضع وأصبحت الأولوية لجدول أعمال السياسة الداخلية، وبالمقابل ظلت المعارضة بقيادة حزب الشعب الجمهوري أكثر تأكيداً لجهة الرهان على أولوية جدول أعمال السياسة الخارجية وتأسيساً على ذلك نشير إلى النقاط الآتية:
• بناء القدرات التركية وتحديداً في المجال العسكري يتطلب تعاون أنقرة مع واشنطن للحصول على الدعم التكنولوجي اللازم مما يعني تقديم التنازلات لواشنطن بما يتضمن إعطاء الأولوية لجدول أعمال السياسة الخارجية بشكله السابق التقليدي الذي ظل يرتكز على جدول أعمال السياسة الخارجية الأمريكية.
• الحصول على الدعم الأمريكي والغربي يتطلب قيام أنقرة بجهد نشط في برامج العقوبات الأمريكية الحالية والمحتملة ضد إيران وهذا يعني أن تتخلى أنقرة ليس عن تعاونها مع طهران فحسب، بل وأن تفسح المجال كذلك لمحور واشنطن – تل أبيب لتنفيذ ما يريد القيام به ضد طهران بما في ذلك العمل العسكري.
على خلفية نتائج المفاوضات الدولية الجارية حالياً مع إيران فإن سيناريو السياسة الخارجية التركية القادم سترتبط مفاصله الرئيسية بنتيجة هذه المفاوضات وفي جميع الأحوال فإن أنقرة ستجد نفسها أمام خيارات صعبة تتضمن التعاون غير المحدود مع واشنطن وتل أبيب أو اللجوء إلى موسكو طلباً للتكنولوجيا العسكرية، أما خيار اللجوء إلى بكين فهو غير وارد لأنه سيعرض أنقرة للمزيد من ضغوط القوميين الذين مازالوا أكثر انتقاداً لبكين بسبب موقفها إزاء ملف إقليم سينغيانغ الصيني الذي تقطنه قومية الإيغور التي يعتبرها الأتراك جزءاً لا يتجزأ من الأمة التركية.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...