انتهاء المعركة مع فتح الإسلام وبداية حرب (الصندوق الأسود)

04-09-2007

انتهاء المعركة مع فتح الإسلام وبداية حرب (الصندوق الأسود)

الجمل:     عندما ينجلي غبار المعارك والحروب، وتتوقف الطلقات، تبدأ التفاعلات والتداعيات الخاصة بالسياسة في استئناف مسيرتها المتصاعدة، وكأنما كانت فترة المعارك والحروب بمثابة فترة إجازة للسياسة والسياسيين.
·       تداعيات ونتائج معركة مخيم نهر البارد:
عندما بدأ الجيش اللبناني عملياته العسكرية ضد جماعة فتح الإسلام، المتحصنة في (أحد امتدادات) مخيم نهر البارد، وجدت قوى 14 آذار وحكومة السنيورة الفرصة، من أجل الالتفاف على المعارضة اللبنانية، وذلك عن طريق الهروب إلى الأمام عبر استغلال التصعيد العسكري، ومطالبة الجميع بدعم الجيش اللبناني باعتباره المدافع الأول عن كرامة وسيادة لبنان وسلامة اللبنانيين.
استطاع الجيش اللبناني بعد مضي حوالي 4 أشهر، من القضاء على جماعة فتح الإسلام المكونة من حوالي 200 عنصر تقريباً، وذلك بعد أن تكبد الجيش اللبناني حوالي 160 قتيلاً بين ضابط وجندي.
عندما تنتهي المعارك والحروب، تبدأ الأطراف السياسية بتوظيف نتائجها، ومن ثم، ففي (حالة الخسارة) تهدف المعارضة إلى تحميل السلطة مسؤولية الهزيمة ويبدأ قادة وعناصر الجيش بالحديث عن ضعف الإمكانات وتقصير السلطة في توفير الدعم اللازم، وبالمقابل تسعى السلطات إلى الحديث عن (التدخل الخارجي)، وعدم دعم المعارضة للجيش، وخيانة زعماء المعارضة، وتقصير قادة الجيش.. وغير ذلك. أما في (حالة النصر)، فتبدأ السلطات في تسويق النصر لصالحها، واعتبار النصر العسكري، نصراً على اللبنانيين على المعارضة، وبالمقابل تسعى المعارضة إلى اعتبار النصر ملكاً حصرياً للشعب والجيش، كذلك، سعت قوى 14 آذار والحكومة اللبنانية إلى توظيف واستغلال نتائج معركة نهر البارد من أجل الحصول على الأموال، وهو الأمر الذي لقوى 14 آذار وحكومة السنيورة (احترافية) كبيرة فيه، وذلك عن طريق الترويج لمفردات وجمل مثل (إعادة تعمير المخيم)، ضرورة (الدعم الخارجي العربي والدولي)، (توفير المساعدات لسكان المخيم).. وغير ذلك من المفردات والعبارات التي تهدف إلى  (تمهيد المسرح) من أجل سفر الوفود وتوجيه النداءات والاستغاثات ذات الجاذبية في الحصول على المال والدعم، والقيام بابتزازه والاستحواذ عليه بواسطة (الأيادي السوداء) التي سبق أن كتب عنها السياسي اللبناني نجاح واكيم في كتابه الشهير الذي فضح فيه استحواذ (الفساد) على الدولة في لبنان، وذلك خلال فترة حكم رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، (صاحب شركة سوليدير) وتولي السنيورة لوزارة المالية، إضافة إلى مجموعة أخرى من الوزراء الذين تم فتح وتحرير (محاضر) ضدهم بواسطة المدعي العام اللبناني السابق (عضوم) وكان من بينهم رئيس الوزراء الحالي فؤاد السنيورة نفسه، وعدد من زعماء قوى 14 آذار.. وغيرهم.
انتهاء سيناريو معركة مخيم نهر البارد، وإن اتخذ المنحى التقليدي للسيناريوهات المتعارف على حدوثها في كافة أنحاء العالم، بعد انتهاء المعارك، والحروب، فقد اتخذ هذا السيناريو منحى آخر وذلك بسبب البيئة السياسية اللبنانية (الملوثة) بالعديد من التشوهات، والتي ترجع في جزء كبير منها إلى فترة ما قبل معركة نهر البارد.
·       مسارات الأزمة اللبنانية في مرحلة ما بعد معركة نهر البارد:
المشهد اللبناني الذي أخذ شكله وأعن نفسه في الساعة الأولى التي أعقبت حسم معركة نهر البارد لصالح الجيش اللبناني، كشف عن أن جميع الأطراف اللبنانية كانت تنتظر هذه اللحظة، من أجل البناء عليها وتصعيد معركتها وصراعها ضد الأطراف الأخرى.
-         الحكومة اللبنانية وقوى 13 آذار، حاولت تجيير نتائج ملف نهر البارد لصالحها، وأيضاً توظيفها في دعم أجندتها، واستغلال الأمر كفرصة من أجل البدء في عملية انقلاب تدريجي ضد اتفاق الطائف، عن طريق التخلص من التزاماتها وبنودها تدريجياً وخطوة خطوة.. وذلك بالبدء بالقضاء على (خصوصية) و(استثنائية) الوضع القانوني للمخيمات الفلسطينية بدءاً من مخيم نهر البارد، وقد أعلن رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة بوضوح بأن الحكومة اللبنانية سوف تفرض سيطرتها الكاملة على مخيم نهر البارد، وهو إعلان يشير بوضوح إلى نية تجاوز بنود اتفاقية الطائف، وقد أبدت تصريحات زعماء قوى 14 آذار ذلك..
-         المعارضة اللبنانية: رفضت المعارضة اللبنانية الانخراط في المسيرة التي توضع فيها العربة أمام الحصان، .. وقد طالب زعماء المعارضة اللبنانية الدفع باتجاه المضي قدماً في المسار القانوني الهادف إلى (كشف الحقائق)، وذلك عن طريق تشكيل لجنة تحقيق حول ملابسات وأحداث مخيم نهر البارد وجماعة فتح الإسلام، والإجابة على جملة من الأسئلة التي يأتي في مقدمتها: من هي فتح الإسلام؟ من هم زعماؤها؟ وكيف جاؤوا إلى لبنان؟ ومن الذي دفع بهم إلى التواجد في مخيم نهر البارد؟ ومن هو الذي كان يقدم لهم الدعم المادي والمعنوي)؟ ومن وفّر لهم الغطاء القانوني من وراء ظهر الدولة والسيادة اللبنانية؟ وما هي أجندتهم وأهدافهم الحقيقية؟ ومن كان يشرف على توصيل المساعدات والمعونات لهم؟.. ومن هي الأطراف الداخلية والخارجية المعنية بأمر جماعة فتح الإسلام؟ وكيف كانت تقوم بدورها قبل المعركة؟ وغير ذلك من الأسئلة التي تبدو بريئة في مظهرها.. ولكن محتوى مضمونها بالتأكيد سوف تعمل حكومة السنيورة وقوى 14 آذار وأمريكا وإسرائيل، والمخابرات الباكستانية، وربما (مستشار الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان) بكل ما أوتيت من قوة على سد جميع السبل ووضع كل العراقيل الممكنة، من أجل عدم السماح لأي لجنة تحقيق أياً كان نوعها، بأن تتوصل إلى حقائقه.
·       جماعة فتح الإسلام وإشكالية (الصندوق الأسود):
تحدث مذيع إحدى القنوات اللبنانية عن مقتل شاكر العبسي زعيم جماعة فتح الإسلام، متحسراً عن (ملف الأسرار) الذي انطوى بعد رحيله.
حسرة المذيع اللبناني على ما يبدو كانت تترافق مع الفرحة الغامرة التي طغت على وجوه الثلاثي: جعجع، جنبلاط، سعد الحريري، و(تابعهم) رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، وهي فرحة سوف لن تدوم طويلاً مهما حاولوا إدارة دفة الحديث والنقاش وتحويل اهتمامات الرأي العام اللبناني باتجاه إشكالية (ملف) اختيار الرئيس اللبناني القادم، و(ملف) سيطرة الحكومة اللبنانية على المجتمعات الفلسطينية، و(ملف) تسويق العداء لسورية.. و(ملف) المحكمة الدولية.
صحيح أن شاكر العبسي يعرف الكثير من الملفات السرية الفرعية المتعلقة بـ(ملف) جماعة فتح الإسلام الرئيسي، وبرغم رحيله فإنه من الصعب جداً القول بأن هذا الملف الرئيسي وملفاته الفرعية  تكون قد انتهت.. فقد رحل الاسكندر الأكبر، ولكن عرف الناس تفاصيل ما قام به، ورحل جنكيز خان زعيم الامبراطورية المغولية، وعرف الناس تفاصيل ما قام به.. وتأسيساً على حكمة التاريخ، فمن الممكن وبكل سهولة قراءة ما هو بداخل (الصندوق الأسود) الخاص بجماعة فتح الإسلام.. وبكلمات أخرى: لقد قام الاسكندر الأكبر بغزو العديد من أصقاع العالم ولكنه (لم يكن وحده).. وقام جنكيز خان ببناء الامبراطورية المغولية، ولكنه (لم يكن وحده)، أما شاكر العبسي، فمن المؤكد أنه (لم يكن وحده) في ملف جامعة فتح الإسلام الذي يعرفه جيداً كل الموجودين داخل لبنان، وعلى وجه الخصوص سكان مخيم نهر البارد، وتشهد عليه الحسابات المصرفية، ووثائق المخابرات الباكستانية، وكبريات الصحف الأمريكية: واشنطن تايمز، واشنطن بوست، ومجلة نيويوركر.. وأيضاً، قد يتبرع اليهودي الأمريكي يوماً ما (كعادة اليهود) بكتابة مذكراته والتي سوف يشير فيها بالتأكيد إلى اجتماعاته مع (المتعاملين) اللبنانيين، وجماعة فتح الإسلام، ويدفع بها للنشر في إحدى كبريات دور النشر الأمريكية.. تماماً مثله مثل الجنرال كولن باول، والجنرال نورمان شوازكوف، وجيمس بيكر، وبريجنسكي، وغيرهم.. وأيضاً ربما تقوم إحدى الصحف الإسرائيلية مثل هآرتس، إيديعوت أحرونوت، أورشليم بوست، بمفاجأة الرأي العام بنشر محتويات  (الصندوق الأسود) على الملأ.. تماماً مثلما فعلت مع مستشار الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان، وملك الاردن، وابراهيم سليمان مدير المخابرات المصرية، ومحمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، عندما تورطوا في المشاركة في اجتماع العقبة.. (السيئ السمعة).


 
الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...