الجيش الحر يفقد شعبيته بين السوريين

24-01-2013

الجيش الحر يفقد شعبيته بين السوريين

الجمل- *د. ويبستر غريفن تاربلي- ترجمة: رندة القاسم:


حين سيروي التاريخ قصة زعزعة الناتو لاستقرار سوريه، فإن الأسبوع الفائت سيعتبر نقطة تحول ضد فرق الموت الأجنبية و لصالح حكومة الأسد.
فمن جهة ، صدمت واشنطن، الراعي الأساسي للمقاتلين الأجانب، من التقارير القادمة عبر دوائر مقربة ل( الجيش السوري الحر ) تتحدث عن ازدياد موجة الكره شمال سوريه ضد الفوضى الكارثية الحاصلة بسبب احتلال فرق الموت هناك.
أكثر فأكثر يشعر السوريون العاديون المنتمون إلى جميع البيئات بالاشمئزاز من احتلال الجيش السوري الحر و عدم كفاءته و قمعه. و تساهم فوضى المتمردين بشكل ملحوظ بازدياد شعبية الأسد و نظامه ، و الذي كان لعقود الضامن للاستقرار و التحرر من أسوأ أنواع الحرمان .
و من جهة أخرى ، ارتكب قادة الناتو ما قد يعتبر خطأ استراتيجيا قاتلا بفتحهم جبهة قتال جديدة ضد الجزائر و مالي قبل نجاحهم في التخلص من الأسد. و بهذا يعيد عظماء الناتو الخطأ ذاته الذي ارتكبه هتلر في حزيران 1941 حين شن هجوم بربروسا على الاتحاد السوفييتي قبل التخلص نهائيا من البريطانيين و النتيجة كانت خسارة جبهتي الحرب ما أدى الى هلاك الدكتاتور النازي.

من هو البعيد عن الواقع، الأسد أم أوباما؟
كانت خلايا التفكير الامبريالية في واشنطن متفائلة أواخر الخريف و بداية شتاء 2012 -2013 بأن سقوط حكومة الأسد قد حان. و لكنهم جفلوا في بداية كانون الثاني من تحدي الأسد و ثقته بنفسه في خطاب بداية العام إلى مؤيديه. و بسخريتها الحقيرة التقليدية قالت الناطقة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند بأن الأسد بعيد عن الواقع.
و في الأسبوع الفائت أجبرت واشنطن بوست في مقال بقلم ليز سلاي على الاستشهاد بقول صحفي سورية مغترب مفاده أن السوريين يتساءلون فيما اذا كانت الولايات المتحدة و حلفاؤها بعيدين عن الواقع.
ثم أتت التقارير الصادمة المتحدثة عن المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين ، فهي أبعد ما تكون عن جنة للحرية و الديمقراطية تحت حكم الجيش السوري الحر، بل انها المظهر المروع "لدولة فاشلة". و هي العبارة التي ذكرها دايفيد اغناتوس في الثالث عشر من كانون الثاني في صحيفة واشنطن بوست، و هو المحنك المرتبط بالخارجية الأميركية و الاستخبارات ، اذ قال: "هذا التوصيف الصارم موجود في تقرير استخبارات حصلت عليه الخارجية الأميركية الأسبوع الفائت من مصادر سورية تعمل مع الجيش السوري الحر. و بوصف الوضع في المنطقة الممتدة من حلب الى الحدود التركية ، حيث اختفى جيش الأسد ، يرسم التقرير صورة مقاتلين مشوشين و تجار أسلحة جشعين و قادة حرب انتهازيين"
و سلاي التي استقت مقالتها من نفس التقرير، أكدت على عجز المتمردين عن الفوز بمعارك حاسمة: "تمكن المتمردون من اجتياح مواقع حكومية في أماكن كثيرة، غير أنهم لم يظهروا المقدرة على التقدم نحو الحصن العنيد دمشق، العاصمة، الغنيمة الأساسية لكل من يدعي سيطرته على البلد".
تمكن المتمردون من السيطرة على القاعدة الجوية العسكرية تفتناز شمال ادلب بعد خمسة أشهر من القتال الشرس، و لكن طغى على الحدث فورا الهزيمة الأخيرة لفرق الموت في داريا ،قرب دمشق، الأهم عسكريا بعد حملة امتدت ثلاثة أشهر. و بنفس الوقت تقريبا أكد وزير الخارجية الروسي أن بلده لن تشارك في إجبار الأسد على التنحي.
و في مقالتها أوردت سلاي كلمات لمصعب الحموي المعارض للحكومة من حماه: "الأوضاع تفسد بشكل دراماتيكي في المناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار، الأسد واثق من نفسه لأنه يعلم بأننا نخسر شعبيتنا بين الناس"
عام 2011 لفتت الاستخبارات الليبية الأنظار الى خطط وضعتها الناتو و اسرائيل لاستغلال شعوب الطوارق البربرية ( و هم في الأصل بدو رحل يعيشون في الصحراء الكبرى) كأداة لزعزعة الاستقرار. قامت مجموعة من المغامرين الطوارق بمغادرة شمال ليبيا من أجل حملة عسكرية مستخدمة غطاء التطرف الديني، ما منحهم سريعا السيطرة على معظم شمال مالي، بما فيها المنطقة حول تيمبوكوتا . و هناك عينوا نظاما شرسا و قاسيا و أعلن انه اسلامي، و بدأ التحضير لغزو الجزء الجنوبي من مالي.
و مشيرا الى وجود هؤلاء الطوارق، أعلن الرئيس الفرنسي هولاند الأسبوع الماضي أن فرنسا ستنفذ طلب حكومة مالي ارسال قوات عسكرية ضد الانفصاليين . و تم اخماد أصوات المعارضة لهذا التحرك داخل فرنسا.
و سمحت الجزائر للطائرات الفرنسية المتجهة الى مالي العبور في أجوائها، و كان هذا حجة واضحة لمجموعة متطرفين موالين لمختار بالمختار، المختص بالارهاب و الخطف، لمغادرة ملاذهم شمال ليبيا و مهاجمة منشاة الغاز الطبيعي British Petroleum في الجزائر ، و القبض على مئات الجزائريين كرهائن اضافة الى عدد من الأجانب.
و في الماضي ، لم تكن المجموعات الارهابية في شمال الجزائر قادرة على التحرك جنوبا عبر الصحراء لضرب صناعة النفط و الغاز الحيوية في البلد. و لكن الآن و بفضل توفر جنوب ليبيا كقاعدة للإرهابيين أصبح الأمر ممكنا.
و بسبب ميراث الحرب الطويلة و القاسية من أجل الاستقلال من الاستعمار الفرنسي، تملك الجزائر تقليد التأكيد على سيادتها ضد الناتو. و الرئيس الجزائري بوتفليقة ، مقاتل في جبهة التحرر الوطنية ضد الجيش الفرنسي. و في عام 2011 ، حذر بوتفليقة من أن ضرب الناتو لليبيا دعما للمتمردين سوف يزعزع استقرار المنطقة و يجذب الأعمال العدائية للمتمردين الليبيين. و مؤخرا عندما أعلنت فرنسا غارتها على مالي، أعاد الرئيس الجزائري تحذيره من أن المنطقة تتعرض لزعزعة استقرار. و زيارة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون الى الجزائر خلال السنوات الأخيرة لم تكن كافية لتحويل الجزائر الى تابع للناتو.
ما يحدث في الجزائر و مالي و نتائج زعزعة الاستقرار في سورية يظهر حماقة جنرالات الناتو.و لكن الآن و مع فشل المتمردين في الهجوم على دمشق، و ثبات زيف الاعتقاد بالنصر السهل بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدها المقاتلون الأجانب على يد الجيش السوري، لم تعد سورية جذابة. و في مالي، هناك امكانية قتال قوات فرنسية و ربما أميركية بشكل مباشر، بهذا فان جنرالات الناتو قسموا قواتهم و فتحوا جبهة ثانية دون وصفة نجاح موثوقة.


* كاتب أميركي متخصص في فلسفة التاريخ
تُرجم: عن موقع Press t.v.

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...