التقرير النهائي لـ (جائزة الديوان الأول)

03-07-2009

التقرير النهائي لـ (جائزة الديوان الأول)

 أعلنت دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر بدمشق عن جائزة شعرية سنوية باسم (جائزة الديوان الأول). واشترطت على المتقدم للمسابقة أن لا يكون قد نشر ديواناً سابقاً، على أن تقوم الدار بطباعة الديوان الفائز وتوزيعه على نفقتها.

ونشرت الدَّار الإعلان عن تلك الجائزة وشروطها في دورتها الأولى لعام 2009، في عددٍ من الصحفِ السورية ومواقع الانترنت.. وحدَّدتْ تاريخ 31/آذار 2009 آخر موعد لاستلام المخطوطات المشاركة بالجائزة.

وقد بلغ عدد المجموعات التي وصلت عبر البريد الالكتروني والبريد العادي (79) مجموعة من سبعة بلدان عربية هي: الجزائر والمغرب ولبنان ومصر وسوريا وفلسطين والعراق.

وعكفت اللجنة التي تشكلت من:

- سامي أحمد، صاحب دار التكوين، مقرراً للجائزة ( شاعر)

- محمد عُضيمة ( شاعر)

- د.خالد حسين حسين ( ناقد)

- محمد مظلوم ( شاعر )

  على قراءة المجموعات المشاركة على مراحل، استبعدت بعدها عدداً من المجموعات التي رأت أنها لا تقترح إرهاصات واضحة لأصوات شعرية واعدة، تتناسب مع الهدف الأساسي الذي أنشئتْ من أجله الجائزة.وأبقت اللجنة على خمس مجموعات شعرية في المرحلة النهائية، كانت تقترب، على تباينه، من الشروط الفنية لمنح الجائزة.

وبعد مداولات ومناقشات مستفيضة حول الخصائص الفنية لكل من هذه المجموعات، ومستوى الوعد للصوت الشعري الذي تعبر عنه. قررت اللجنة منح جائزتها السنوية الأولى ( جائزة الديوان الأول) لعام 2009  لصوتين شعريين جديدين هما:

* لينا شدود - مواليد طرطوس – سوريا 1966 عن مجموعتها الشعرية ( لا تشِ بِيْ لسكَّانِ النَّوافذ) وجاء في الحيثيات المسوغة لمنحها الجائزة ما يلي:

 

[ لغة أليفة ورشيقة، في نبرة خفيضة ومسترخية تنطوي على تأملات لافتة في حوار داخلي رخيم ومتخفف من الزوائد، وإن تقنَّعتْ بشيءٍ من الْحزْن الشَّفيف، بساطة لا تخلو من عمق، وبوح إنساني أنيق يتسم بإيحاء دلالي ملوَّن ومتعدِّد الطبقات:

«اسمعوا ..

إنّهم قادمون

وحدهم يهبون الأماكن أسماءها،

و للأزهار رائحتها

الدروب تتشهّى خطوهم،

ووحدها التلال

تعرف أين ينظرون.»

هذا التصوير الهامس يصدر من أعماق أسيانة مَمْهورة بفتنة ذات ألوان قزحية تجعل من نهر الأسى الجاري حفل تأبين للعمر والذكريات والعابرين، لكنه لا يخلو من رقة وعذوبة، تصدران عن أنوثة ينحسر عنها الطغيان النمطي لفحيح الجسد، نحو غيوم الروح ونوباتها التي تلبِّد العالم:

«ثَملةٌ أنا

أتلذّذ بغيبوبةٍ

ستلد الكثير

من البساتين.»

تتفصد الأنوثة في مجمل قصائد المجموعة تأملاً صريحاً وجذَّاباً خارجَ حفل التعرِّي الأيروسي السائد في موجات متشابهة ومتداخلة أحياناً في مجمل النماذج الشعرية الأنثوية في الشعر العربي:

«كيفَ لِيْ أنْ أفيضَ عطراً

بَعْدَ أنْ سَرَقَ صَباحُكَ ياسَمِيْنِيْ

وَغابْ

غريبةٌ - بلا زهرٍ- أحرسُ السِّياج.»

العبارات في قصائد هذه المجموعة مختزلة بإيجاز وافٍ، ومفرداتها منحوتة بعناية وتلقائية، لذلك لا تعاني الجملة الشعرية في مجمل القصائد من الإنهاك في التراكيب اللغوية، ولا تتكلف أو تنحو نحو التصنع في استعارة التجربة. فما التجربة هنا سوى الانتماء للشعر بوصفه نوعاً من الخلاص الشخصي، بعد أن سكنت الوشايات كلَّ النوافذ.. ومن هنا يتحول الشعر، منذ عنوان المجموعة اللافت، إلى اعتراف صغير وهادئ، ومضاد للوشاية:

« يهبني صمتُك

لمدنٍ لا تعرف إلّا الجنون،

فأتدثر بليلٍ يعرفُني،

وأسري إليك كريحٍ

يَلذُّ لها العبور.

هاربةٌ

و ملفوفةٌ باللّهفة.

عدني ألّا تشي بي

لصقيع الغابات،

وأن لا تجرحني بسواد النبوءات،

و عُدْ  بي

إلى زمن الدهشة والارتياب.»

تمنح اللجنة هذه المجموعة (جائزة الديوان الأول) لما تتسم به من قدرة واضحة على الإصغاء إلى العالم الداخلي، بنكهة يسيرة من الصوفية والعزلة الفاعلة، وتثميناً لقدرتها على تحويل الأشياء الخارجية إلى ممكنات ثرية للتأمل.]

* عمر الجفال- مواليد بغداد /العراق 1988.. عن مجموعته الشعرية ( خيانات السيدة حياة) وقد جاء في الحيثيات المسوغة لمنحه الجائزة ما يلي:

 

[ ثمة اهتمام واضح بالصورة الشعرية والتراكيب اللغوية الصعبة، مما يولد استعارات متداخلة تكشف عن شكيمة داخلية صعبة الانقياد للسائد، وعن وعد شعري لصوت جديد ومتميز.

من ميزات هذه المجموعة انحيازها لأسئلة الحيرة إزاء الذات والعالم، إذ تعمد إلى مخاطبة الذات لا بصوت «الأنا» الذي بدا صوتاً أليفاً قي سائر نماذج الشعر العربي الجديد، ولكن عبر مرايا متعددة للذات والعالم، تنعكس فيها صور شتى لهذه الذات المشروخة المتشظية المقسومة على ذاتها:

«أَسْتَطيعُ أَنْ أفتكَ بـ(أنا) لأجْلِ (أَنْتَ)، وأَنْ أَمْحوَ ملامحَكَ مِنْ مرآةِ الليلِ حينَ تَرتَدِي وَجْهيَ العابسَ، مستعدةً -أعني المرآةِ- لنَزْعِ نهارِها على مِقْبضِ السَّرير، وحين مَسَسْتُها لم تَنْدَلِقُ أنتَ، بلْ تَبَدّى شَبيهان اثنان، الأولُ لأطردَ به النّهارَ، والثاني أتركهُ لِكي تُؤثِّثَ بهِ مساءَك.»

وتبدو صورة الإنسان المعاصر في مجمل القصائد شبحاً هارباً من تاريخه ومن حياته ويومياته التي تبقى كآثار يومية دالة على غيابه. إنه هروب جماعي للذات في لعبة مرايا تمتد على أزمنة عدة، والمرايا، مرة أخرى، ليست بدلالتها الفيزياوية المعتادة، وإنما في تشكيل مشهدية ذات جودة باهرة:

«أراكَ في أعماقي، فهل تراني في مرآتِك.»

***

«استردُّ ظلامَك، لأكونَ ظِلَّك.»

كما تنجو قصائد المجموعة إلى حدٍّ بعيدٍ من السقوط في سذاجة التفاصيل اليومية نحو معترك محتدم للحياة نفسها، تبدو المشهدية بهذا المعنى، بديلاً عن التفاصيل، وتقدم النماذج في معظمها صورة عن شعرية الحياة إزاء ما ظل يعرف بشعرية التفاصيل، لتقول في خلاصتها أنَّ الحياة تراجيديا مركبة وليست فكاهة عابرة:

«شُيِّدَت بالوباءِ عاصِمة

وبِالبروج المأخوذةِ بالنمو

مَواكبَ لانتِظارِ القتيل

وحينَ مرَّت الكاميرا

كانَ الكلُّ يدَّعي الغياب.»

تنطوي المجموعة على محمول موضوعي، وإن بدا موجزاً ومختصراً، لتجربة شخصية تقترب من شعر السيرة وتتجلى في مقاطع متناثرة في أنحاء مختلفة من قبيل:

«مَن يَستدِلُّ عليكَ

وأنتَ خارِجٌ عن شُرفةِ الحياة.

على السّبورةِ سنواتُكَ تنمو

غير أننا،

نكتُبُ على دفترِك الفارغ

أمانينا العاطلة.»

أو

«كبرنا وتركنا جرسَ المدرسةِ يولول

من ثَمَّ..

اكتشفْنا الموتَ وعطبنا بعدها.»

تمنح اللجنة ( جائزة الديوان الأول ) لهذه المجموعة كونها تنأى عن القراءة المباشرة للواقعين النفسي واليومي، فتحاول إنتاج كون شعري ذي نكهة سوريالية. وتنجح إلى حد بعيد في إخراج الشعرية من فضائها النمطي، خاصة وأن كثيراً من البرهات تمنحنا الشعور بأن الشاعر بدا متجاوزاً للعثرات المعهودة في المجموعة الأولى.

لجنة التحكيم

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...