الأبعاد غير المعلنة لحركة الدبلوماسية الإسرائيلية بين لندن وواشنطن

24-11-2008

الأبعاد غير المعلنة لحركة الدبلوماسية الإسرائيلية بين لندن وواشنطن

الجمل: تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية تحركاً مكثفاً خلال هذه الأيام، وقد حملت التقارير أخبار زيارة الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز إلى بريطانيا وأخبار زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت إلى الولايات المتحدة وذلك في تحرك غير متوقع في ظل الأزمة السياسية الداخلية المستفحلة في النظام الإسرائيلي.
* الدبلوماسية الإسرائيلية والإمساك بطرفي خط واشنطن – لندن:
حصلت الدبلوماسية الإسرائيلية على الكثير من المزايا والمنافع بسبب تماسك خط دبلوماسية واشنطن – لندن، وتوظيفه كأساس لتوجيه وإعادة توجيه علاقات عبر الأطلنطي لصالح الدبلوماسية الإسرائيلية وتقول التسريبات الواردة من بريطانيا بأن حكومة غوردون بروان العمالية الحالية تسعى إلى إعادة ترتيب أجندتها الشرق أوسطية لجهة الآتي:
• منافسة باريس وعدم السماح لها بالتمدد الدبلوماسي في منطقة الشرق الأوسط خارج إطارها التقليدي لأن ذلك لن يكون إلا حسماً من رصيد السياسة الخارجية البريطانية في الشرق الأوسط.
• القيام بدور في إدارة الصراع العربي – الإسرائيلي على النحو الذي يوازي الدور الفرنسي، الذي قامت به وتقوم به باريس حالياً وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بملف الأزمة اللبنانية والعلاقات الأوروبية – السورية.
• عدم السماح بنشوء فراغ الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة الذي يمكن أن يحدث خلال الفترة الممتدة من لحظة إعلان فوز الرئيس الأمريكي الجديد يوم 4 تشرين الثاني وتولي الإدارة الأمريكية الجديدة يوم 20 كانون الثاني القادم. وتشير معطيات الخبرة التاريخية السابقة إلى أن دبلوماسية لندن ظلت تقوم بالدور الوقائي اللازم لجهة عدم السماح بنشوء أي فراغ دبلوماسي أمريكي في أي منطقة من مناطق العالم المضطربة وبالذات في الشرق الأوسط.
• قطع الطريق بشكل استباقي على دبلوماسية الاتحاد الأوروبي المتوقعة وذلك بما يتيح لبريطانيا استخدام المعاندة وعدم الرضوخ للرأي الآخر داخل الاتحاد الأوروبي.
على هذه الخلفية يمكن القول أن زيارة شيمون بيريز للعاصمة البريطانية لندن، تمثل الجانب الآخر الذي سيكمل زيارة وزير الخارجية البريطاني ميلباند الأخيرة إلى المنطقة وفي الوقت نفسه تجد زيارة بيريز تتناغم مع زيارة أولمرت إلى واشنطن.
* المقابلة بين "قصة مدينتين" و"قصة أزمتين":
شهدت الساحة السياسية الإسرائيلية أزمة حادة أدت بالقوى السياسية الإسرائيلية إلى اللجوء لخيار الانتخابات المبكرة، كحل نهائي وحاسم، وحدث هذا في المدينة الأولى المسماة "تل أبيب"، أما في المدينة الثانية "واشنطن"، فقد خاض أطراف الصراع السياسي خيار الانتخابات على النحو الذي أدى إلى صعود إدارة أمريكية جديدة إلى البيت الأبيض وعلى ما يبدو أن التماثل على خط واشنطن – تل أبيب يحمل المزيد من التشابهات الإضافية، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
• تمثل حكومة بوش مجرد حكومة انتقالية تقوم بتصريف المهام ريثما تحزم الإدارة الجديدة أمرها، وبالمقابل فإن حكومة أولمرت هي كذلك مجرد حكومة انتقالية تقوم بتصريف المهام ريثما تقوم الانتخابات القادمة.
• موعد تولي الإدارة الأمريكية الجديدة هو كانون الثاني القادم، وهو الموعد نفسه للانتخابات الإسرائيلية القادمة.
على هذه الخلفية تتزايد المخاوف على أطراف خط واشنطن – تل أبيب من الطبيعة الانتقالية السائدة في المدينتين. أما لجهة الأزمتين فإن أزمة واشنطن تتمثل في احتمالات انفلات البيت الأبيض من سيطرة المتشددين ووقوعه في يد المعتدلين وأزمة تل أبيب تتمثل في احتمال صعود المتشددين من الليكود الذين ينظرون إلى تحالف كاديما – العمل على أنه يمثل سيطرة المتطرفين.
وبين قصة مدينتين وقصة أزمتين توجد خيوط جماعات اللوبي الإسرائيلي التي تحاول إدارة الأوضاع بما يرتب سيطرة المتشددين على المدينتين واستخدام سياسة الهروب إلى الأمام في حل الأزمتين.
* الأبعاد غير المعلنة للتحركات الدبلوماسية الإسرائيلية الجديدة:
تشير معطيات خبرة الدبلوماسية الإسرائيلية إلى أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني ظلت تسيطر على خطوط دبلوماسية تل أبيب وذلك بفضل نجاحها في الإمساك بخيوط اللعبة خلال فترة توليها وزارة الخارجية وتمتعها بثقة رئيس الوزراء أولمرت ولكنها بعد أن أخفقت في الإطاحة بأولمرت على خلفية تداعيات تقرير فينوغراد عادت ونجحت في الإطاحة به على خلفية تداعيات فضيحة الفساد المالي الذي تورط فيها أولمرت، وأصبحت ليفني زعيمة كاديما ولكنهنا أخفقت في تشكيل الحكومة الائتلافية الجديدة، وبرغم ذلك فقد انخرطت ليفني في لعبة الهروب إلى الأمام أكثر فأكثر عندما قامت بالمضي قدماً لجهة:
• عدم تقديم أي تنازلات لحزب شاس وحزب الليكود.
• عدك تقديم أي تنازلات لمعسكر الجنرال شاؤول موفاز داخل كاديما.
• عدم دفع كاديما باتجاه مخاطرة خوض الانتخابات المبكرة على أمل تحقيق النجاح وكسر ظهر خصومها السياسيين داخل وخارج كاديما.
على هذه الخلفية تقول المعلومات بأن أولمرت يهدف من زيارته لواشنطن تحقيق الأهداف الآتية:
• مقابلة رموز إدارة أوباما الجديدة ضمن لقاءات استباقية تهدف إلى إضعاف نفوذ تسيبي ليفني على الزعماء الديمقراطيين وعلى وجه الخصوص وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، التي –كما تقول التسريبات- لا ترتبط بعلاقة طيبة مع ليفني.
• مقابلة رموز اللوبي الإسرائيلي ومحاولة الحصول على المساندة والدعم بما يتيح له المخرج من مأزق الفساد ويؤمن له احتمالات العودة مرة أخرى إلى الساحة السياسية.
أما بالنسبة لبيريز، فقد سعى من خلال زيارته لبريطانيا تحقيق الأهداف غير المعلنة الآتية:
• قطع الطريق أمام احتمالات ظهور موقف بريطاني جديد إزاء ملفات الصراع العربي – الإسرائيلي يختلف عن موقف واشنطن الذي تشرف إسرائيل مسبقاً على ترتيبه.
• بث الرسائل والإشارات لقصر الإليزيه الفرنسي، بأن لندن ستظل إلى جانب إسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي إذا اختارت باريس عدم الوقوف في الاتجاه الذي لا تفضله إسرائيل.
• تقوية اللوبي الإسرائيلي البريطاني، الذي أصبح يعاني من الضعف والخلافات بسبب انتقادات الرأي العام البريطاني المتزايدة لموقف لندن المعادي للحقوق العربية ولدور المنظمات اليهودية البريطانية الذي أصبح مصدراً لشكوك البريطانيين، وعلى وجه الخصوص بعد حادثة قيام رئيس الوزراء السابق بإصدار والاستثناءات للمدارس اليهودية بعدم قبول الطلاب غير اليهود رغماً عن أنف القانون البريطاني الذي يلزم المدارس الدينية بقبول التحاق ما يشكل نسبة 25% على الأقل من الطلاب المنتمين إلى الأديان الأخرى.
• تخفيف تداعيات أزمة قطاع غزة السالبة التأثير على سمعة إسرائيل في المنطقة، وتقول المعلومات بأن الإسرائيليين أصبحوا أكثر قلقاً إزاء تنامي ظاهرة ناشطي حقوق الإنسان البريطانيين الذين يحاولون زيارة القطاع تضامناً مع السكان الفلسطينيين الذين يواجهون حصاراً إسرائيلياً – مصرياً متشدداً.
• محاولة إقناع الحكومة البريطانية بعدم تغيير مواقفها إزاء الشرق الأوسط عن طريق إقناع البريطانيين بالسياسة الخارجية الأمريكية الجديدة إزاء الشرق الأوسط سو ف لن تتغير وبالتالي لا داعي لأن تغير دبلوماسية لندن توجهاتها إزاء المنطقة.
حتى الآن لم يظهر حصاد زيارة الزعيمين الإسرائيليين ولقاءاتهما المكثفة في مدينتي واشنطن ولندن ولكن على الأغلب أن يظهر ذلك في ردود أفعال خط واشنطن – لندن إزاء منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة القادمة.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...