إسرائيل تقع في «فخ القنيطرة»: إخفاق استخباري وعسكري

29-01-2015

إسرائيل تقع في «فخ القنيطرة»: إخفاق استخباري وعسكري

 تعاملت وسائل الإعلام الإسرائيلية مع نجاح «حزب الله» في نصب كمين لموكب قيادي إسرائيلي داخل مزارع شبعا المحتلة، على أنه اخفاق استخباري وعملياتي من الدرجة الأولى خصوصا أن ذلك تم في ظل حالة التأهب القصوى المعلنة منذ أيام. لكن هذا الإخفاق أظهر من ناحية أخرى المعضلة السياسية التي وجدت إسرائيل نفسها فيها إثر دخولها شرك التصعيد مع «حزب الله» بعد استهداف كوادره وجنرال إيراني على مقربة من القنيطرة قبل عشرة أيام: هل تصعّد ميدانيا أم تتجنب الصدام الواسع؟
فقد اعترفت إسرائيل بمقتل ضابط برتبة رائد وضابط صف وإصابة سبعة في كمين نصبه «حزب الله» لموكب آليات عسكرية تحركت على الحدود قرب قرية «الغجر» السورية المحتلة على مثلث الحدود مع لبنان. وأشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن هذا الموكب كان «في دورية قيادية في المنطقة كجزء من حالة التأهب في الكتيبة الموجودة في حالة تدريب حاليا».
وبدا الوجوم قاتماً على أوجه القيادات العسكرية الإسرائيلية بعد نجاح «حزب الله» في نصب الكمين وتحقيق إصابات قاتلة، برغم حالة التأهب القصوى المعلنة. وأشارت إسرائيل إلى تدمير مركبتين من طراز «أيسوزو»( DMAX) قرب الحدود بصاروخ مضاد للدروع.
ووصف معلقون عسكريون الكمين الذي نصبه «حزب الله» بأنه «كمين مركّب» حيث تم فيه استخدام قوات متنوعة. فبعد كمين الصاروخ المضاد للدروع، أطلقت قذائف الهاون باتجاه قوة عسكرية إسرائيلية وصلت لنجدة القوة التي وقعت في الكمين. ولكن أيضا تم استهداف عدد واسع من المواقع الإسرائيلية بقذائف الهاون في محاولة للتمويه على موقع الضربة الأساسي. ونتيجة الارتباك الإسرائيلي، تم الإعلان عن إغلاق مطاري حيفا وروش بينا بعد إغلاق المجال الجوي الذي تم تبريره بكثافة النشاط الجوي العسكري. كما أغلقت إسرائيل المواقع السياحية في الشمال مثل جبل الشيخ وبانياس و «الحدائق الوطنية»، فضلا عن إغلاق العديد من الطرق.
وفي محاولة للتخفيف من هلع سكان المستوطنات المحاذية للحدود مع لبنان المتخوفين من وجود أنفاق حفرها «حزب الله»، بدأ الجيش الإسرائيلي عمليات حفر موسعة صباح أمس حول مستوطنة زرعيت التي يزعم المستوطنون فيها أنه بعد عدوان تموز 2006 أنشأ «حزب الله» مبان قرب الحدود يعتقد أنها تحوي أنفاقا ويشتكون من أنهم يسمعون ضوضاء في الليل ناجمة عن حفر الأنفاق. وأكد الجيش الإسرائيلي أنها ليست المرة الأولى التي يفحص فيها احتمالات وجود أنفاق من جهة لبنان.
وفور الإعلان عن نجاح كمين «حزب الله»، انهمكت القيادتان السياسية والعسكرية في مداولات تحديد سبل الردّ. ووصل رئيس الأركان الجنرال بني غانتس إلى قيادة الجبهة الشمالية في صفد للوقوف على تفاصيل الوضع وصياغة تقدير موقف.
وقد قطع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، زيارته الى مستوطنة سديروت على الحدود مع قطاع غزة، ليصل سريعاً إلى مقرّ وزارة الدفاع في تل أبيب لإجراء مشاورات. وأعلن نتنياهو «أنني أقترح على كل من يحاول تحدّينا على الحدود الشمالية أن يرى ما فعلناه هنا، غير بعيد عن بلدة سديروت، في قطاع غزة. لقد تلقت حماس في الصيف الأخير الضربة الأشد منذ إنشائها، والجيش الإسرائيلي مستعد للعمل بشدة في كل الجبهات».
كما أجرى وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون مشاورات لتقدير الموقف، في وزارة الدفاع قبل المشاورات بمشاركة رئيس الحكومة ورئيس الأركان وكبار القادة العسكريين. وكان الخط البادي في جميع المداولات أن وجهة إسرائيل ليست نحو التصعيد الشامل لكنها لن تسلّم بالمساس بسيادتها.
ونددت قيادات «المعسكر اليهودي» التي قامت بجولة في هضبة الجولان المحتلة، بمشاركة اسحق هرتسوغ وتسيبي ليفني ومرشح القائمة الى وزارة الدفاع عاموس يادلين، بعملية «حزب الله» قرب قرية الغجر. وقال هرتسوغ «إذا كان أحد في «حزب الله» يظنّ أن بوسعه تهديدنا أو تقسيمنا أثناء الانتخابات، فسوف يعلم أننا أقوياء وموحدون في الحفاظ على أمن المواطنين». وأضاف «أن مستقبل الجولان واضح، وهو سيبقى بأيدينا وسوف نحرص على أمن سكانه. لا مجال لمهادنة من يهاجم مواطني إسرائيل».
وأجرى وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان اتصالا مع وزير الخارجية الأسباني خوزيه مناويل غارسيا مرجايو معرباً عن تعازيه لمقتل جندي أسباني من أفراد «اليونيفيل» في قرية العباسية على الحدود مع مزارع شبعا. وحمّل ليبرمان مسؤولية مقتل الجندي الأسباني لـ»حزب الله» بصفته الجهة المسؤولة عن تنفيذ عملية أمس. وقال ليبرمان لنظيره الأسباني «إننا لن نسمح بنشوء واقع يستخدم فيه «حزب الله» الأراضي السورية لمهاجمة إسرائيل».
وأمر ليبرمان السفارات الإسرائيلية في العالم بالتوضيح لحكومات الدول الأجنبية مسؤولية الحكومتين السورية واللبنانية عن نشاطات «حزب الله» في أراضيهما.
وكان ليبرمان قد أعلن في لقائه في بكين مع وزير الخارجية الصيني أنه «ينبغي تغيير المقاربة التي انتهجتها إسرائيل حتى اليوم والردّ على إطلاق الصواريخ نحو أراضينا السيادية بطرق قاسية جداً وغير متناسبة، كما كانت الصين أو الولايات المتحدة ستردان في حالات مشابهة».
وحذّر المعلّق الأمني في «معاريف الأسبوع» يوسي ميلمان من أن الحرب المقبلة مع «حزب الله» لن تشبه «ما خبرناه في حرب لبنان الثانية» (تموز 2006). وقال إنه «إذا نشبت حرب شاملة في الشمال لا سمح الله وخصوصا على الحدود مع لبنان، فإن هذا سيقود إلى إطلاق مئات كثيرة، إن لم يكن أكثر من ألف صاروخ يومياً، وحينها ستنشأ الحاجة ليس فقط لإغلاق الطرق، وإنما أيضا لإخلاء مستوطنات. فالحرب المقبلة مع «حزب الله» ستختلف عن كل ما خبرناه في حرب لبنان الثانية أو في الجولات الثلاث منذ 2009 مع حماس في غزة».
واعتبر محرر الشؤون العربية في موقع «والا» الإخباري، آفي يسسخاروف أن العنوان الأساس لما يجري هو «التصعيد» ولكن معنى العملية هو أنها «تجسّد أن حزب الله يسعى لإيصال رسالة الى إسرائيل مفادها أنه لا يخشى من مواجهة شاملة. وربما أنه بدرجة معينة يرغب حتى في رؤية إسرائيل تنجرّ إلى خطوة بريّة في هضبة الجولان السورية». واعتبر أن التقديرات القائلة بأن «لا مصلحة لـ «حزب الله» في الحرب ليست صحيحة».
وأشار المعلق العسكري لـ «موقع يديعوت» إلى أن عملية «حزب الله» تضع إسرائيل أمام معضلة «وتشكل تصعيداً واضحاً. وهي تستدعي دراسة وقراراً هل تدخل إسرائيل في مواجهة واسعة مع «حزب الله» أم أن عليها ترك الأمر يمر وتسمح بإغلاق الحساب من جانب حزب الله».

 

حلمي موسى: السفير

الرسائل الاستراتيجية لعملية حزب الله

في الشكل والنوعية والتوقيت، أثبت حزب الله، مرة جديدة، أنه يعرف متى وكيف يردّ. نحن أمام عملية ناجحة جرت في وضح النهار. وأمام عملية معقّدة رغم مرور وقت قصير جداً على العدوان الاسرائيلي على القنيطرة. فما هي الرسائل؟
أولاً: يريد حزب الله تذكير اسرائيل، مرة جديدة، بأن زمن الاعتداءات من دون ردّ قد ولى منذ زمن بعيد. ربما لأنها لم تفهم في المرات السابقة. لعل السيد حسن نصرالله كان يبتسم وهو يشاهد الجيش الاسرائيلي يلملم قتلاه وجرحاه هارباً أمس.

ثانياً: يريد الحزب تأكيد توازن الرعب. فكل عملية يُردُّ عليها بمثلها او بأقسى. هكذا قال السيد نصرالله، وهكذا فعل.
ثالثاً: يرغب الحزب في التشديد على مسألة استراتيجية مهمة، مفادها ان مشاركة حزب الله في القتال في اسرائيل لم تضعفه، بل على العكس تماماً، زادته قوة بالعتاد والرجال والصواريخ. ربما لم تفهم اسرائيل ان الجبهتين منفصلتان، الجبهة السورية وجبهة الحدود.
رابعاً: يريد القول إن جهوزية المقاومة أسرع وأكثر فعالية مما تعتقد اسرائيل، فعملية من هذا النوع سُرِّعت تفاصيلها في الأيام التي أعقبت عملية القنيطرة، ولكنها لا شك ثمرة مراقبة واعداد طويلي الأمد. بمعنى أن لدى المقاومة دائماً خططاً جاهزة للضرب حيث تريد. هي فقط تختار الوقت.
خامساً: وهذا ربما الجديد، والأهم، في الموضوع، ان العملية أثبتت تلازم الجبهتين السورية واللبنانية حالياً. لا بل أثبتت أيضاً تلازم جبهة تمتد من فلسطين الى لبنان وسورية وصولاً الى ايران. الردّ لم يكن فقط انتقاماً لشهداء حزب الله في القنيطرة، وإنما أيضاً للجنرال الايراني وبعض ضباط وجنود الجيش السوري. هذا، بالضبط، ما ينبغي أن تنظر اليه اسرائيل بقلق كبير حالياً. إيران عند حدودها.
سادساً: تأتي العملية الناجحة قبيل الانتخابات الاسرائيلية. تريد المقاومة القول إنها باتت قادرة على التأثير في السياسة الداخلية الاسرائيلية. لا شك في أن حزب الله لا يميز بين رئيس حكومة اسرائيلي وآخر، فكلهم سواسية في العدوان على لبنان وسورية. يختلفون فقط بدرجة السوء والدموية. لكن من المهم أن تجري هذه العملية وسط معركة انتخابات داخلية قد تؤدي الى سقوط نتنياهو.
سابعاً: ترد العملية على القائلين إن حزب الله لن يردّ على اي اعتداء حرصاً منه على عدم التأثير في المفاوضات النووية الايرانية ــــ الغربية. لعل مثل هذا الرد السريع والمبرمج، بدقة، يعطي المفاوض الايراني ورقة أقوى، ذلك ان العالم سيتقاطر صوب طهران للمساهمة في التهدئة.
ثامناً: مثل هذه العمليات الناجحة تقول لاسرائيل ان سورية خط أحمر، وان التمادي في دعم المسلحين واختراق الحدود لن يبقى من دون رد، لا بل ينذر بتغيير كل المعادلة الحدودية، ويسقط الهدنات المعلنة وغير المعلنة. من المفترض ان تنسيقاً قد حصل عند الجبهة السورية ــــ الاسرائيلية استعداداً لردّ اسرائيلي.
تاسعاً: أتت العملية بعد تضامن فلسطيني من حماس والجهاد والفصائل الاخرى مع الحزب وايران وسورية في أعقاب الاعتداء الاسرائيلي على القنيطرة. مثل هذه العملية يعيد، اذاً، موضوع الحزب في اطار الصراع الاهم في المنطقة اي الصراع العربي ــــ الاسرائيلي. هكذا نوع من ردّ الاعتبار المعنوي يجذب تعاطفاً من القاعدة السنية في فلسطين ودول عربية اخرى، ويرفع معنويات شعوب منهارة ومفكّكة منذ سنوات.
عاشراً: هو يريد ان يقول للداخل اللبناني ان الصراع مع اسرائيل منفصل عن المناخات الاخرى، وإن الحزب يقرر متى وكيف يفتح جبهة، حتى ولو قرّر خرق القرار 1701 الذي يتسلح به لبنانيون كذريعة لسحب سلاح الحزب. هذا سيضعه طبعاً امام أصوات جديدة ستظهر في الداخل اللبناني تقول انه يتسبب بتدمير لبنان كما قيل عام 2006. لكن يبدو انه غير مهتم.
لا شك ان حزب الله يشعر اليوم وأكثر من اي وقت مضى منذ السنوات الأربع الصعبة من الحرب السورية، أنه بات اقليمياً ودولياً ومحلياً أكثر قدرة على التحرك، فمحاربة الارهاب عالمياً واقليمياً، وتموضعه في دائرة المستهدفين من الارهاب والمحاربين له، جعله رقماً صعباً في المعادلة المقبلة. ولا شك أيضاً ان تحسين وضع الجبهة السورية لصالح القيادة السورية الحالية وحلفائها، يساهم في توفير بيئة أفضل لعمليات الحزب. حين تحدث نائب الامين العام الشيخ نعيم قاسم عن كسر معادلة الشرق الاوسط الكبير، كانت الرسالة واضحة.
السؤال الاستراتيجي الأبرز، الآن، ماذا سيفعل نتنياهو؟ فإن ردّ مجدداً، فهو يُعرِّض المنطقة لتطورات غير محسوبة النتائج، وإن سكت قد يسقط في الانتخابات ويخرج ذليلاً كما خرج قبله أسلافه منذ عام 2006.
فهو قد يرد ضارباً عصفورين بحجر واحد، أي خلط الاوراق في المنطقة واعاقة الاتفاق الايراني ــــ الغربي لأنه مهجوس به. سيستند طبعاً الى ردود فعل دولية وعربية ولبنانية (ربما) تعتبر ان حزب الله خرق الهدنة والقرار 1701. هنا الخطر الحقيقي، خصوصاً انه يشعر بالتفلت من الضغط الاميركي بسبب توتر العلاقات، وهو هدد غير مرة بالعمل لوحده اذا مضى الغرب في توقيع الاتفاق مع ايران.
لا شك في ان المقاومة، وفق ما قال السيد حسن نصرالله، جاهزة لكل شيء. فأيهما يسبق الآخر: لجم نتنياهو داخلياً ودولياً، أم تغيير قواعد اللعبة الحدودية من لبنان الى سورية؟
أوضاع المنطقة تحتمل الاتجاهين.

 

 سامي كليب: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...