إزالة الحواجز بين العرب والتكنولوجيا الرقمية

11-12-2007

إزالة الحواجز بين العرب والتكنولوجيا الرقمية

حضرت التكنولوجيا الرقمية بقوة في النقاشات المتشعبة التي شهدتها الدورة السادسة لـ «مؤسسة الفكر العربي» التي اختتمت اخيراً في العاصمة البحرانية (المنامة). شارك في الدورة قرابة 2000 من العرب والأجانب، ضمت صفوفهم مثقفين ومديري شركات ورجال أعمال بارزين. وناقش هؤلاء تصورات وخططاً لدخول العرب إلى العصر الرقمي ودور التكنولوجيا في هذا المجال.

ورأى بعضهم أن المجتمعات العربية في حاجة إلى التركيز على تنمية ثرواتها «التي هي الورقة الرابحة في سباق العولمة، لذلك فالتنمية البشرية والاقتصادية ينبغي أن تكون ركيزة الفكر العربي. واعتبر خبراء البترول أنه يستحيل فصل الثروة البترولية عن التنمية، وانه «آن الأوان لضخ البترول في دماء الثقافة العربية، لأنه شبه مستثنى من تأثير العولمة!».

وربط خبراء التعليم بين المهارات المطلوبة عام 2020 ومستقبل التعليم العربي «الذي بات بعيداً تماماً من حلبة المنافسة، في ظل غياب التفكير المعمق في العلاقة بين سوء التعليم وتقلص فرص العمل واقعياً، خصوصاً ان العولمة قد تُضر بنى التعليم راهناً بسبب التخلف العربي البارز في هذا المجال، ما دفع بعض الشباب المشارك في المؤتمر للمطالبة بالانتباه الى الخطر المقبل الذي سيمحو أي تحسن في أي قطاع عربي».

وأطلق رئيس المؤسسة الأمير خالد الفيصل شرارة التحذير، مشيراً إلى ضغط عامل الزمن، «ما يزيد من ظلمة النفق، فإما توحيد الجهود للحاق بفريق الأقوياء، وإما الركون الى الراحة والشتات والجهالة وبالتالي ضياع الفرصة من أيدينا ليستمر العرب في تخلفهم التكنولوجي الرهيب على رغم الكنز الذي يملكونه من الطاقات البشرية والمقومات المادية». وطالب ولي عهد البحرين الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة بوضع استراتيجية عربية للتأقلم مع المتغيرات العالمية «مع ضرورة الحفاظ على الهوية في تعاملنا مع الآخر».

وبدا مفهوم «عولمة البترول» الذي طرحه رئيس شركة «أرامكو» السعودية عبدالله جمعة شيئاً فائق الجدّة. وأشار جمعة إلى أن الاستغناء عن نفط الشرق الأوسط هو أمر غير واقعي. وكشف أن الدول العربية تختزن نحو 65 في المئة من الاحتياط العالمي، وتوفر نحو 30 في المئة من الإمدادات العالمية راهناً. واستشهد بمعلومات حديثة من مركز أبحاث مرموق تقول إن العالم لم يستخرج حتى الآن إلا نحو 10 في المئة من إجمال الثروة البترولية من المصادر التقليدية وغير التقليدية.

أشارت استاذة الصحة النفسية في «كلية التربية للبنات» في مكة المكرمة الدكتورة هانم ياركندي إلى أهمية التعليم الرقمي عربياً، مشيرة إلى نجاح الأكاديميات العربيات في كسر الحاجز النفسي مع الحاسب الآلي ومحو الأمية الالكترونية في مجال التدريس الجامعي. وطالبت بتحويل جلسات المؤتمر الى اللغة العربية كلغة رئيسة والاستعانة بأجهزة الترجمة لمن لا يجيدون العربية، موضحة ان النسبة الأكبر بين الحضور هم من العرب. وأوضحت ياركندي أنها تتطلع كأكاديمية الى توصيات من المؤتمر عن تسخير العولمة للمجتمع العربي لتحويله من مجتمع مستهلك الى مجتمع منتج.

وفي سياق متصل، أشارت أستاذة المناهج وطرق التدريس في «كلية التربية للبنات» في مكة الدكتورة آسيا حامد الى علاقة الثقافة العربية بالانترنت. وشدّدت على أهمية الشبكة الدولية للكومبيوتر في التنمية العربية، وكذلك قدرتها على أن تكون أداة للتأثير في الآخرين. وأشارت إلى غياب التقاطع بين الثقافة العربية والتكنولوجيا الرقمية، ما يفرض الحاجة الى مرور وقت مناسب لاستيعابها وهضمها.

ورأت أن ورشة العمل التي تحدثت عن الابتكار أتاحت الفرصة الكبيرة للشباب للحديث عما لديهم من أفكار ومقترحات من دون قيد: «هذه الأمور تساعد على وضع قاعدة ينطلق منها المسؤولون لإيجاد الحلول للمشاكل الكبيرة التي تواجه الشباب العربي لتوفير الفرص له للإبداع والتغلب على المعوقات التي يشكو منها ويعتبرها عائقاً أمامه».

ورأت أستاذ التربية الخاصة في قسم التعليم المستمر في «كلية دار الحكمة» في جدة الدكتورة إلهام جفري ان التعليم الرقمي في العالم العربي يتطلب صوراً توضيحية تساعد على إبراز أهميته، وتشرح السبيل لجعل الحاسوب وسيطاً بين المعلم والمتعلم. وطالبت بتوضيح طريقة التعلّم الرقمي في شكل واسع، مع تبني أحدث ما وصلت اليه التكنولوجيات الرقمية في هذا المجال.

وناقش مشاركون كثر غالبيتهم من الشباب مستقبل التعليم في العالم العربي. وسألوا عن سبل تحضير أطفال اليوم ليكونوا طلاب الغد في عالم غير محدد المعالم، وما هي فرص العمل التي ستكون متوافرة؟ وما هي المهارات المطلوبة؟ ومن الذي سيحدد أنظمة التعليم ومناهجه في القرن 21؟

وفي هذا السياق، تحدثت منى مرشد من الإمارات عن وضع التعليم الراهن. وأعقبها هاردن تيبس المدير التنفيذي في شركة «التحليلات الإستراتيجية المحدودة» في بريطانيا، الذي تحدث عن استخدامات التقنية الرقمية المتطورة مثل «التعليم عبر الانترنت»، مشدداً على أهمية «أن نعوِّد أبناءنا على استخدام هذه التقنية، ففي المستقبل سيكونون قادرين على مواكبة هذا العالم المتسارع».

وتحدثت سهام الصويغ نائبة المدير العام في «الجامعة الملكية للبنات» في البحرين، عن استشراف المستقبل في مجال التعليم التكنولوجي، الذي «قد يلعب دوراً حاسماً في قادم الأيام العربية».

ثم تحدث الشاب عبد العزيز وهو طالب في المرحلة الثانوية عن مشروع «جمعية قادة التعليم التقني السعودي» التي أسسها مع مجموعة من أصدقائه الطلاب في مدارس الملك فيصل النموذجية في الرياض. ويهدف المشروع الى المساهمة في بناء إنسان مؤهل في الجانب الشخصي، وإعداد قادة المستقبل لاستخدام تقنيات المعلومات والاستفادة منها. وشدّد على أهمية أن يأخذ الطلاب زمام المبادرة، وألا يكتفوا بإلقاء الملامة على التعليم التقليدي.

وتحدث الخبير المعلوماتي جون بالفري عن إيجاد مجموعات متجددة قادرة على التعامل بأنماط سلوك مؤسساتية، والتفكير في شكل تكنولوجي جيد، مع إشارته الى وجود مراكز حضارية لصنع الشخصية القيادية الفعالة.

وأخذت رئيسة الجمعية العامة السابقة الشيخة هيا بنت راشد آل خليفة زمام مبادرة «جيل الوسط» إن جاز التعبير. وعلقت على تردي مستوى التعليم في الوطن العربي، مشددة على ضرورة الاهتمام بالتعليم التقني لزيادة فرص الشباب العربي في الالتحام مع العالم. وقالت إن خبرتها الخارجية تقودها للتفكير بأن بعض الجامعات في الدول الغربية «لا تقبل دراسة بعض العرب في تخصصات علمية معينة ما أدى إلى وجود هوة فعلية في المجال التقني بين العرب والغرب». ودعت الشيخة هيا لتعزيز الجانب المشرق من حضارتنا العربية والإسلامية و«إطلاع الغربيين على تلك الحضارة، وعدم الاقتصار على ترديد ما حققته هذه الحضارة من ازدهار وتقدم في محيطنا العربي والإسلامي... أمامنا «تحدي العولمة» والاتصال مع العالم الآخر، فنحن لسنا الوحيدين في هذا العالم... لا خيار أمامنا سوى العيش بسلام بيننا ثم السلام مع الآخرين... إن العولمة عمّت الجميع، فإما أن تكون طوفاناً إذا لم تُدرك معانيها، وإما أن تتحوّل الى جائزة لمن يريد النهوض».

في الإطار التعليمي ذاته، نوقش تأخر الابتكار في العالم العربي خصوصاً في دول الخليج. وذهبت بعض الآراء إلى وضع الملامة على عدم منح فرص للإبداع في العملية التعليمية؛ ورأى بعضها الآخر أن العمل بنظام المجموعة هو السائد راهناً، ما يؤدي الى عدم وضوح صورة الابتكار. وأعرب المشارك الشاب الأردني فادي عتقي عن اعتقاده بأن ما يعوق الابتكار في الخليج هو «أن المجتمع يتعامل بنظام المجموعة لا الفرد، فالفردية في ثقافتنا ناتجة من تنظيم مجتمعنا بلا تحفيز... إن الاستثمار في المجتمع الخليجي عبارة عن تعريف للذات».

وبيّنت المشاركة السعودية وئام الأشقر (موظفة في «أرامكو») أن المناهج التعليمية «تنتهج التلقي وتكديس المعلومات، ما لا يشجع الإبداع أو التفكير خارج المناهج التقليدية، التي تتميز بالثقل».

وسألت: «أين نحن من التكنولوجيا والإبداع وتكوين الذات وماذا استفدنا من الانترنت وثورة المعلومات»؟

ويبدو أن الآراء السابقة كانت تستدعي رأياً غربياً لتحديد العلاقة بين التعليم التقني في الغرب وشبيهه المفترض في العالم العربي. ورأى خبراء غربيون شاركوا في الدورة أن التقنية عموماً هي « الثورة المعلوماتية التي قادت التغيير في التفكير والنظرة الاستراتيجية لكثير من الأشخاص والمنظمات وأنها آخر مسارات التحول في التفكير العالمي حتى هذه اللحظة». وتحدثوا عن شبكات الاتصال في الريف الأفريقي على سبيل المثال وكيف تطورت وفجأة أصبحت ثورة الاتصال جزءاً لا يتجزأ من حياة الأفريقي في الريف أو المدينة؛ مع ملاحظة أن قاطني الأرياف والمناطق التي تغيب عنها الاتصالات يعيشون في عزلة، لكنهم شرعوا في التطور سريعاً بعد أن وصلتهم التقنية.

جابر القرموطي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...