«الجهاديون» واستراتيجية الأذرع المتعددة

20-02-2015

«الجهاديون» واستراتيجية الأذرع المتعددة

في العام 2011، كتب عبدالله بن محمد، أحد منظري الحركات التكفيرية، كتاب «المذكرة الاستراتيجية»، أكد فيه أنه يهدف لإعادة إنشاء وإحياء مشروع «الخلافة الاسلامية»، وهو حديث يقود الى ضرورة مراعاة العديد من المبادئ والشروط اللازمة لنجاح الفكرة. وقد كان من شروط هذه الاستراتيجية ما أطلق عليه اسم «نظرية الذراعين». فما هي هذه النظرية، وهل عملت بها الحركات التكفيرية، وهل ما نشهده اليوم في اليمن وليبيا هو تطبيق أو ربما تطوير لها؟
 وفق «نظرية الذراعين»، حدد الكاتب الشام واليمن لتكونا نقطتي انطلاق لإعادة إحياء «الخلافة الاسلامية»، بسبب توفرهما على مزايا تجعلهما يقعان «ضمن المجال الحيوي لقلب العالم الاسلامي»، يستطيع «الجهاديون» من خلالهما «تحريك عموم المسلمين، وهما تضمان تضاريس لا بأس بها من الموانع الطبيعية.. ووفرة في الماء والغذاء تجعلهما في دائرة حصينة من الامن الغذائي».
فاليمن يقع بالقرب من مناطق التأثير الديني، إذ يتصل بالحجاز حيث مكة والمدينة، أما القدس فضمن منطقة الشام التي تضم سوريا ولبنان والاردن وفلسطين، إضافة الى سيناء، من دون أن ننسى العراق الذي يمثل امتدادا لبلاد الشام جغرافياً، وان لم يكن منها بحسب التقسيم المناطقي، كما أنه بوابة لشبه الجزيرة العربية بعد الاردن.
تقتضي «نظرية الذراعين» إذاً أن يتم التحرك في منطقتين بشكل متوازٍ، هما الشام واليمن. والهدف ان تغطي كل واحدة منهما الاخرى، وتمنع تركيز أي مجهود عسكري يستهدف جبهة وحدها، فتشكل كل جبهة عامل إلهاء وضغط لمصلحة الجبهة الاخرى.
ان ملاحظة نشاط تنظيم «القاعدة» يفيد أن التنظيم كان يعمل حثيثاً وفق هذه النظرية، لذلك كان ناشطا في تشكيل خلايا نائمة في كل من سوريا ولبنان والاردن قبل اندلاع الازمة السورية بانتظار الساعة الصفر، فضلاً عن نشاطه اللافت في اليمن منذ سنوات طوال.
في المقابل كان «داعش» يرى ان العراق يمثل أرضية أكثر ملاءمة لانطلاق مشروعه، لا سيما مع الرفد الكبير الذي حظي به من عناصر وضباط سابقين في الجيش العراقي، فانطلق من العراق وتمدد نحو بلاد الشام. وقد استطاع «داعش» عبر هذا التمدد الحصول على ثروات رفدته بالمال، ما مكنه من الانطلاق الى مناطق جديدة.
غير أن التنظيم رأى في الطبيعة الجغرافية والتركيبة السياسية والاجتماعية للبلدان العربية عائقا أمام الانطلاق من العراق والشام نحو بلدان أخرى. وقد صعّب من مهمته عدم حصول انهيار كامل في صفوف الجيشين العراقي والسوري، ما دفعه، على ما يبدو، من دون التخلي عن العراق والشام كمركز «لخلافته»، الى تطوير «نظرية الذراعين» نحو تأسيس استراتيجية «الأذرع المتعددة».
وتقتضي استراتيجية «الأذرع المتعددة» الاعتماد على نقاط ارتكاز يتم الانطلاق منها لتكون محوراً للحراك في سائر دول النطاق. بهذا المعنى، تكون «ولاية خراسان» مركز انطلاق لعمل «الذراع الخراسانية» في كل من باكستان وافغانستان ولاحقا ايران، فيما تظهر داغستان والشيشان كرافد بشري لجوارها.
أما ليبيا، التي كانت مركز تجمع وتدريب وانطلاق في المراحل السابقة، لدعم نشاط المركز في العراق والشام، فقد تحولت الى إحدى الاذرع الاساسية في استراتيجية التنظيم، بعد التطورات الدراماتيكية التي شهدتها الساحة هناك. فقد رأى تنظيم «داعش» في ليبيا ساحة مؤاتية تشبه الساحة العراقية عند انطلاق عمله في بلاد الرافدين، فأخذ يتوسع فيها لتحقيق هدفين: الاول ان تكون نقطة ارتكاز لذراع «الخلافة» في شمال افريقيا أو المغرب الاسلامي من جهة، والثاني أن تكون عنصر إلهاء وتشتيت لقوى التحالف الدولي، عبر توسيع بقعة عمله الجغرافي، ما يخفف الضغط عن العراق والشام.
في الهدف الأول، تمثل ليبيا صلة الوصل بين كل من مصر وتونس والجزائر والنيجر (حيث تنشط جماعة «بوكو حرام»)، وتمثل حدود ليبيا مع النيجر والجزائر المثلث الذي يفصل التنظيم عن مالي. كل ذلك يجعل منها ذراعا فعالا ونقطة ارتكاز نحو القارة الافريقية، من دون إغفال الاهتمام المتزايد لـ «داعش» بالساحة المصرية ومحاولات الاستقطاب الحثيثة التي يعمل عليها. من هنا يمكن فهم واحد من أبعاد قيام «داعش» بإعدام العمال المصريين واختياره ان يكونوا من الاقباط، حيث إن محاولات التنظيم للتوسع الى الداخل المصري، أقدر على النجاح في ظل تراجع القبضة الامنية ونشوب فتنة داخلية طرفاها المفضلان بالنسبة إليه هما الأقباط من جهة، وحركات تكفيرية سلفية من جهة اخرى. وهذا كفيل بشد عصب الشارع المصري، لا سيما الجماعات السلفية التكفيرية وبعض القطاعات الإسلامية الأخرى. أما لناحية الهدف الثاني، فليبيا دولة صحراوية مترامية الأطراف، وهي بمميزاتها الجغرافية والقبلية قد تشكل عنصر إلهاء وتشتت لقوى التحالف ضد التنظيم، ما يخفف من الضغـط على مراكــز قــيادتــه في كل من الموصل والرقة.
يعمل «داعش» بهذه الأذرع الثلاث، الذراع العراقية ـــ الشامية لبلاد الشام، والذراع الليبية للمغرب الاسلامي وافريقيا، والذراع الخراسانية لأفغانستان وباكستان وايران. يبقى ان التنظيم يجهد لإنشاء الذراع الرابعة المخصصة لشبه الجزيرة العربية. وقد حاول إيجاد قاعدة له في المناطق العراقية المحاذية للحدود مع المملكة العربية السعودية، لكن هذه المحاولات لم تفلح، ما أعاد الى الواجهة طرح اليمن لتكون ذراعه في شبه الجزيرة العربية، إلا ان محاولات «داعش» في اختراق اليمن فشلت، بعدما اصطدمت بتنظيم «القاعدة» الاكثر نشاطا هناك، بسبب أقدميته وصلابة قواعده. علماً ان المال الداعشي المتوافر بكثرة، وجاذبية شعار «الخلافة»، والإعدامات المتلفزة، قد تؤتي أكلها مع الوقت، من دون أن نغفل ما يمكن أن تقدمه السياسات الكيدية لبعض الدول العربية من خدمات جليلة نحو توسع «داعش» ودخوله الى الساحة اليمنية.

محمد محمود مرتضى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...