متغيرات الطاقة في الأزمات العالمية

03-04-2011

متغيرات الطاقة في الأزمات العالمية

يترتب على الأزمات العالمية، مثل ثورة ليبيا أو كارثة الزلزال في اليابان، متغيرات متعددة على صعيد الطاقة لا يمكن تفاديها، نظراً إلى مركزية الطاقة في الحياة العامة، وبعض المتغيرات قريب الأجل، بينما بعضها الآخر بعيد المدى.

ففي ليبيا، مثلاً، تشير المعلومات الأولية إلى حدوث دمار واسع النطاق أثناء معارك الكر والفر بين قوات الحكومة والثوار، أصاب المنشآت البترولية في المدن الساحلية، مثل مرسى البريقة ورأس لانوف. ولا يُتوقع إصلاح المنشآت المخربة أو استبدالها في القريب العاجل، ما سيحد من الطاقة التصديرية لليبيا لفترة غير قصيرة.

ويُتوقع أن تتأثر الصادرات الليبية بفرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على ليبيا، تُضاف إلى تلك المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن 1973، والتي تشمل عدم التعاون مع «المؤسسة الوطنية للنفط» الليبية والشركات المتفرعة عنها، إذ وضعت الولايات المتحدة المؤسسة و14 شركة متفرعة عنها على القائمة السوداء.

مستغرب أن القرارات الأميركية تشمل «شركة نفط الخليج العربي» (أجوكو) المتفرعة عن «المؤسسة الوطنية للنفط»، فمقرها الرئيس في بنغازي، وكانت أعلنت انفصالها عن الشركة الأم وولاءها للمجلس الوطني الانتقالي، كما أعلنت تحمل مسؤولية كل العمليات النفطية في المناطق الواقعة تحت سلطة الثوار. وكان القرار 1973 اعترف بالمجلس الوطني الانتقالي في بنغازي.

وبادرت قطر، على رغم المقاطعة الأميركية لـ «أجوكو» والمصالح البترولية المتعددة للدوحة مع واشنطن، إلى توقيع اتفاق مع المجلس الوطني الانتقالي ينص على تسويق النفط من المناطق الواقعة تحت سلطته. ويُقدر حجم النفط الممكن تصديره من مواقع الثوار بنحو 130 ألف برميل يومياً، ويمكن أن يصل إلى نحو 300 ألف برميل يومياً، اعتماداً على أوضاع المنشآت الواقعة تحت سيطرة الثوار، فالأماكن التي هي في حوزتهم فعلاً تتأرجح في معارك الكر والفر. ويعتمد حجم التصدير على قبول شركات الملاحة أو رفضها إرسال سفنها إلى الموانئ المعنية، بسبب المعارك الناشبة فيها أو حولها، كما يعتمد على احتمالات الحصول على بوالص للتأمين على السفن، وتكاليف هذه البوالص. ومحتمل جداً أن تكون السلطات القطرية بحثت في الأمر مع السلطات الأميركية المعنية قبل الإقدام على توقيع الاتفاق مع المجلس الوطني الانتقالي، لكن تفاصيل الصفقة تبقى غير معروفة إلى الآن.

وأعلنت السلطات الليبية من جهتها أنها ستقاضي الشركات الدولية التي تشتري النفط من الثوار. ويُتوقع من جهة أخرى أن تتقلص صادرات النفط الليبية الحكومية إلى مستويات ضئيلة جداً، أو أن تتوقف، بسبب الحصار الأميركي، لتخوف الشركات العالمية من العقوبات الأميركية، فمعظمها يملك مصالح أو فروعاً في الولايات المتحدة أو حسابات مالية مع مصارف أميركية قد تتأثر سلباً في حال شراء الشركات النفط الليبي «الحكومي» أو تسويقها إياه. وهذا يعني شح الأموال تدريجاً عن المسؤولين في طرابلس.

سيترك النقص في الصادرات الليبية (نحو 1.5 مليون برميل يومياً قبل الثورة) آثاره على الأسواق العالمية على رغم توافر طاقة إنتاجية فائضة عند كل من السعودية والإمارات والكويت تبلغ نحو ستة ملايين برميل يومياً يُمكن استخدامها للتعويض عن النقص، وذلك نظراً إلى استمرار الثورات والانتفاضات والاضطرابات في الشرق الأوسط، واحتمال استمرارها لفترة غير قصيرة، وعدم وضوح ردود الفعل العالمية عليها حتى الآن، فقد تجاوزت الثورات العربية الأخيرة «الحرب الأميركية على الإرهاب» ونقلت المنطقة إلى وضع سياسي جديد كلياً، ونظراً أيضاً إلى احتمال استمرار حدة الصراعات في بعض الدول، نفطية كانت أم غير نفطية، مع إصرار الحكام على التمسك بزمام الحكم وعدم الالتزام بإصلاحات فعلية أو مقنعة. وأخيراً وبسبب جودة النفط الليبي الخفيف القليل الكبريت، من الصعب تعويضه بكميات كافية لفترة طويلة.

أما مأساة اليابان، فآثارها أوسع بكثير من الأزمة الليبية، نظراً إلى حجم الخسائر التي لحقت بالبلد، وهو ثاني اقتصاد صناعي عالمي. فالانصهارات النووية في مفاعلات فوكوشيما ستجر اليابان إلى مراجعة عميقة وطويلة الأمد لسياستها على صعيد الطاقة، وستكون المراجعة أكثر تعقيداً من تلك التي أجرتها بعد انفجار مفاعلات تشرنوبيل في أوكرانيا عام 1986 إذ قررت اليابان بفعل الضغط الشعبي عدم تشييد مفاعلات جديدة، وتمديد الخدمة في المفاعلات القائمة. ثم قررت «شركة كهرباء طوكيو» (تيبكو)، وهي من كبرى شركات الكهرباء في العالم، الاستمرار في المفاعل رقم 1 في فوكوشيما، الذي بُني عام 1971، لـ 40 سنة إضافية. وحاولت بعدها شركات يابانية تمديد العمل في مفاعلاتها لـ 60 سنة، لتفادي المصاعب السياسية والضغوط الشعبية التي قد تترتب على الشروع في بناء مفاعلات جديدة، ناهيك عن ارتفاع تكاليف تشييد المفاعلات والتأخر المستمر في تشييدها، إلا أن الحكومة اليابانية رفضت إجازة التمديد.

أما الآن، وبسبب رد الفعل الشعبي العارم في اليابان على الكارثة التي حصلت، وعدم دقة المعلومات التي أعلنتها الحكومة في بادئ الأمر ما أفقد البيانات الأخيرة الصدقية، سيكون صعباً جداً، أن لم يكن مستحيلاً، الحصول على موافقة الحكومة لتشييد مفاعلات جديدة في المستقبل المنظور، ما سيعني أن اليابان، كي تستمر في سياستها الرامية إلى تقليص التلوث البيئي، ستضطر إلى استخدام الغاز الطبيعي، مستعينة بالطاقة الإنتاجية العالية والفائضة للغاز في كل من قطر وروسيا وأستراليا، علماً أن الغاز يُعتبر وقوداً انتقالياً ما بين نوعين من مصادر الطاقة، وهو متوافر بكثرة.

إن مراجعة سياسة الطاقة في الدول الصناعية الكبرى أمر بدأ فعلاً، في كل من ألمانيا والولايات المتحدة. ويتعلق فحوى المراجعة بتحديد مدى الاعتماد على الطاقة النووية في توليد الكهرباء، فمستبعد اللجوء إلى النفط للتعويض عن الطاقة النووية لسببين، أحدهما التوقف خلال سنوات كثيرة مضت عن استعمال المنتجات البترولية في محطات الكهرباء، وثانياً بسبب العداء المستحكم لتوسيع رقعة استخدام النفط.

وليد خدوري

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...