ما سبب تصريحات بوش ضد حكومة المالكي

17-01-2007

ما سبب تصريحات بوش ضد حكومة المالكي

الجمل:    أعلن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، استراتيجية الإدارة الأمريكية الجديدة، إزاء العراق، وقال في بدايتها، ما يشير بوضوح الى النوايا الأمريكية المعلنة المتمثلة في ضرورة بقاء قوات الاحتلال الأمريكية في العراق، والنوايا غير المعلنة المتمثلة في ضرورة الإطاحة بنوري المالكي وحكومته.
قال الرئيس الآتي:
( الاستراتيجية الجديدة سوف تغير مسار أمريكا في العراق، وتساعدنا على النجاح في الحرب على الإرهاب..
عندما تحدثت إليكم قبل أكثر من عام، صوّت حوالي 12 مليون عراقي من أجل عراق موحد ديمقراطي، وقد كانت انتخابات عام 2005 –التي جرت في العراق- إنجازاً باهراً وقد اعتقدنا أن هذه الانتخابات سوف توحّد العراقيين في الوقت الذي نقوم فيه –نحن الأمريكيون- بعملية تدريب قوات الأمن –العراقية- بما يمكننا من تحقيق مهمتنا.. ولكن في عام 2006م، حدث العكس من ذلك، فقد بدد العنف في العراق، وخصوصاً في بغداد، المكاسب السياسية التي أحرزها العراقيون، فقد أدرك إرهابيو القاعدة، ومتمردو السنة، المخاطر الفتاكة القاتلة التي سوف تمثلها الانتخابات ضد قضيتهم، ومن ثم، ردوا على ذلك بالمزيد من أعمال العنف والقتل الموجّه ضد العراقيين الأبرياء، وقاموا بتفجير أحد أقدس المراقد الشيعية الإسلامية في جهد محسوب يهدف لاستفزاز وتحريض الشيعة من أجل الرد.. وقد نجحت هذه الاستراتيجية، وحالياً قامت عناصر راديكالية متطرفة شيعية، بعضها مدعوم من إيران، بتشكيل فرق الموت –في العراق- ومن ثم كانت النتيجة، حلقة –جديدة متصاعدة- من العنف الطائفي).
الاستراتيجية، أياً كانت، تعتمد على تطبيق مجموعة من الأسس والضوابط التي تكفل وتؤمن لها نجاح الاستمرارية والبقاء.. ولما كان الوجود الأمريكي يهدف إلى البقاء لأطول فترة ممكنة، ليس في العراق وحده، بل وفي منطقة الشرق الأوسط (الكبير)، التي أعدت أمريكا العدة للاستيلاء والسيطرة عليها، باعتبارها الشرط الموضوعي، والذي لابدّ من تحقيقه بالضرورة لكي يتحقق مشروع القرن الأمريكي الجديد، والهيمنة الأمريكية على العالم.
التطبيق الاستراتيجي يقوم على نظام عمل تعتمد فيه ماكينة الاستراتيجية الأمريكية على الآتي:
• المدخلات: وتتمثل في ثلاثة، الأولى مدخلات عراقية، والثانية مدخلات أمريكية، والثالثة إقليمية ودولية.
• التشغيل: ويتمثل في التفاعلات داخل العراق، داخل أمريكا، وفي البيئتين الإقليمية والدولية.
• المخرجات: وتتمثل في ثلاثة: الأولى مخرجات عراقية، والثانية أمريكية، والثالثة إقليمية ودولية.
• التغذية العكسية الراجعة: وتتمثل في ثلاثة أنواع: الأولى عراقية، والثانية أمريكية، والثالثة إقليمية ودولية.
تحاول الإدارة الأمريكية الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة، بحيث تكون إدارة بوش بمثابة الفاعل المستقل المبادر في العراق، وتكون الحكومة العراقية، ودول التحالف الغربي، والأمم المتحدة، وحلفاء أمريكا من المعتدلين العرب، بمثابة الفاعل التابع، الذي يتحرك ويتفاعل وفقاً للبرمجة المحددة مسبقاً بواسطة الإدارة الأمريكية.
- المدخلات تمثلت في الاحتلال ووجود القوات الأمريكية في العراق، والحديث عن رغبة في بناء العراق الموحد الديمقراطي، كذلك يأتي ضمن المدخلات قيام الإدارة الأمريكية بتنصيب حكومة عراقية مذعنة للإدارة الأمريكية والتي لا تشرف على هذه الحكومة بواسطة السفير الأمريكي في العراق.
- التشغيل: تعتمد الإدارة الأمريكية على تشغيل استراتيجيتها إزاء العراق، بأسلوب يهدف إلى إبقاء وإطالة أمد الوجود الأمريكي وإطلاق يد الإدارة الأمريكية في المنطقة، وذلك عن طريق استخدام أسلوب التشغيل الثنائي:
* ربط مغادرة ورحيل قوات الاحتلال الأمريكي بالقضاء على التمرد والعنف وتحقيق استقرار العراق.
* دعم وإذكاء وقود حركات التمرد والعنف.
وباللعب على هذين الخطين يتحقق نظام التشغيل المناسب، الذي يحقق لأمريكا البقاء في العراق.
- المخرجات: وتمثلت في الآتي:
* توليد المزيد من العنف وعمليات القتل والدمار والخراب في العراق بما يوفّر لأمريكا ذرائع البقاء والاستمرار.
* تهديد دول الجوار، وذلك عن طريق فرض الوجود والاحتلال العسكري الأمريكي غير المعلن لدول الخليج والسعودية، وأيضاً عن طريق التربص بإيران وسوريا.
* حشد الدول العربية التابعة ضمن تحالف المعتدلين العرب، على النحو الذي يمهد لوضعها بشكل نهائي ضمن قاطرة الهيمنة الأمريكية، وتقييدها بالاتفاقيات التي تحسم إخضاعها للنفوذ الإسرائيلي.
- التغذية العكسية:
وتتمثل التغذية العكسية في ردود الفعل الناتجة
* في العراق: وتتمثل في تزايد المقاومة والرفض الشعبي للاحتلال.
* في البنية الإقليمية والدولية: وتتمثل في الشكوك ومشاعر العداء العام المتزايدة في رفض الهيمنة الأمريكية وتحميل الإدارة الأمريكية المسؤولية عن الجرائم التي يجري ارتكابها في العراق.
* في أمريكا: تزايد معارضة الرأي العام لسياسة الإدارة الأمريكية إزاء العراق بشكل أدى إلى خسارة الجمهوريين لانتخابات الكونغرس الأخيرة.
الجانب العملياتي في تطبيق الاستراتيجية الأمريكية يركز على استخدام الأداء السلوكي المزدوج في التعامل مع المشاكل الميدانية:
- على المستوى المعلن: إنشاء لجنة بيكر- هاميلتون، (مجموعة دراسة العراق) بهدف إيجاد المخرج من الأزمة العراقية، وذلك بهدف تضليل الرأي العام الأمريكي، والعراق، والعربي والعالمي عن التطورات التي تجسد النوايا الحقيقية للإدارة الأمريكية.
- على المستوى غير المعلن: إنشاء لجنة معهد المسعى الأمريكي وذلك بهدف تحديد الأسلوب والترتيبات التي يجب أن تطبقها الإدارة الأمريكية من  أجل:
• الالتفاف على الرأي العام الأمريكي والعراقي والعربي والعالمي.
• البقاء لأطول ما يمكن في العراق.
هذه الترتيبات الإجرائية (المعلنة وغير المعلنة) قامت بها الإدارة الأمريكية داخل أمريكا، أما ميدانياً على أرض العراق، فتقوم الإدارة الأمريكية بالآتي:
- على المستوى المعلن: الإعلان عن دعم حكومة نوري المالكي من أجل تنفيذ ما هو مطلوب منها والقيام بدور أساسي في استراتيجية تأمين العراق.
- على المستوى غير المعلن: دفع الحكومة العراقية نحو الهاوية، وذلك عن طريق تحميلها مسؤولية الفشل والمصاعب التي تواجه أمريكا في العراق حالياً.
وقد بدأت أمريكا بتطبيق استراتيجيتها هذه إزاء حكومة المالكي منذ لحظة تنصيبها، فكل ما قامت بتنفيذه حكومة نوري المالكي، كان بدعم وإشراف السفير الأمريكي في العراق، زلماي خليل زادة.. وحتى عمليات محاكمة وإعدام الرئيس العراقي السابق الراحل صدام حسين ومساعديه تمت تحت ضغط وإشراف الإدارة الأمريكية، وذلك للتخلص من الأسرار التي يحملها صدام حسين، وحالياً بعد تنفيذ خطة التخلص من طه ياسين رمضان (نائب صدام حسين سابقاً والمعتقل حالياً) عن طريق استبدال حكم السجن المؤبد الصادر ضده بحكم الإعدام، سوف تسعى الإدارة الأمريكية إلى التخلص من طارق عزيز وزير الخارجية العراقي السابق والمعتقل حالياً لدى القوات الأمريكية، والذي يعتبر احد الشهود الأساسيين العليمين بأسرار علاقة صدام مع أمريكا.. وقد بدأت أجهزة الإعلام الأمريكية تنشر بعض التسريبات التي تقول وتزعم أن طارق عزيز في حالة مرضية حالياً.
كذلك بدأت الإدارة الأمريكية تحاول المضي قدماً، في تطبيق استراتيجيتها القائمة على التجديد وإعادة إنتاج الأمر الواقع عن طريق تنفيذ العديد من انقلابات القصر داخل الحكومة العراقية.. وتطبيق انقلابات القصر، يوفر للإدارة الأمريكية عنصراً تكتيكياً هاماً في السيطرة على العراق، فكلما تم تنصيب حكومة عراقية، يتم بالمقابل شحن الرأي العام العراقي والإقليمي والدولة بثمة أمل بإمكانية حدوث تحسن، ومن ثم تقوم بعد ذلك الإدارة الأمريكية باستغلال (حكومة المتعاملين العراقيين) التي أشرفت على تنصيبها، بأبشع ما يمكن.. وبعد أن تحدث التجاوزات ويتزايد الرفض داخل العراق، وداخل أمريكا، وفي العالم الخارجي لممارسات الاحتلال، تصبح حكومة المتعاملين بمثابة هيكل منخور متآكل لا تتردد الإدارة الأمريكية في استبداله مرة  أخرى بحكومة متعاملين عراقيين جديدة.
في الفترة الأخيرة، قام نوري المالكي وحكومته بالآتي:
- زيارة أمريكا ومطالبة الرئيس بوش علناً بإبقاء الوجود العسكري الأمريكي.
- مهاجمة سوريا وإيران باعتبارهما تتدخلان سلباً في الشأن العراقي.
- تنفيذ عمليات إعدام صدام ومساعديه برزان التكريتي وعواد البندر.
- التواطؤ مع الميليشيات في التصفيات العرقية والطائفية التي تجري داخل العراق حالياً.
وإزاء كل هذه الإنجازات التي دفعت الإدارة الأمريكية نوري المالكي وحكومته لكي يقوم بتنفيذها، وبعد ان اكتمل الصرح بدأت الإدارة الأمريكية تنفيذ خطة تطبيق جزاء سمنار على نوري المالكي وحكومته، وأبرز المؤشرات على ذلك يتمثل في الآتي:
• تصريح بوش بان عملية إعدام صدام حسين كانت عملاً انتقامياً.
• اتهام بوش لحكومة نوري المالكي بأنها تفتقر إلى النضج السياسي.
• إعراب بوش عن خيبة أمله في حكومة نوري المالكي.
• تزايد الإدانات لحكومة نوري المالكي حول الإعدام، وتواتر صدورها من حلفاء أمريكا: طوني بلير رئيس وزراء بريطانيا، ومدير مكتبه، كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية، الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون المدعوم أمريكياً.
كذلك فإن هناك بعض الفقرات التي وردت في حديث بوش عن استراتيجيته الجديدة، وكانت هذه الفقرة تتضمن استخداماً مزدوجاً يفترض بوضوح أن لها أكثر من دلالة، وأنها تفيد وتؤكد وجود سم أمريكي جديد داخل الدسم.
- (صوّت 12 مليون عراقي من أجل عراق موحد ديمقراطي، وأعتقد بأن هذه الانتخابات سوف توحّد العراقيين).. وفي هذا دلالة واضحة، إلى أن حكومة نوري المالكي التي جاءت كنتيجة لهذه الانتخابات لم تنجح في توحيد العراقيين (كما كان يعتقد جورج بوش)، وبالتالي فقد خيبت نوري المالكي وحكومته آمال بوش، وآمال العراقيين.
- (العنف بدد المكاسب السياسية التي أحرزها العراقيون، الإرهابيون من القاعدة، والمتمردون من السنّة، عناصر شيعية راديكالية، بعضها مدعوم من إيران شكلوا فرق الموت..).
وبربط هذه الفقرات نجد أن بوش لم يستثن أحداً، وحالياً تقوم الإدارة الأمريكية بمناورة استراتيجية كبيرة، تهدف إلى استهداف جيش المهدي وفيلق بدر، واعتبارهما كبش فداء أمام العالم عن طريق تحميلهما مسؤولية عمليات العنف والقتل، ومن ثم تقوم أمريكا بتصفيتهما بما يحقق لها:
• استفزاز إيران، وفي الوقت نفسه القضاء على حلفائها في العراق.
• القضاء على شيعية نوري المالكي وحكومته، بما يسهل إزاحته عن السلطة وخلق المواجهات بين حكومته وبين المرجعيات الشيعية المساندة له.
وبالتالي فإن الانقلاب الأمريكي على نوري المالكي واستبداله مع حكومته المتعاملة بحكومة رئيس وزراء آخر من المتعاملين العراقيين الذين تزايدت أعدادهم في هذه الآونة.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...