لبنان بوصفه قاعدة لتهديد واستهداف دول المنطقة

06-07-2007

لبنان بوصفه قاعدة لتهديد واستهداف دول المنطقة

الجمل:      بات التدخل الدولي في الشأن الداخلي اللبناني، أمراً فائق الخطورة، وذلك لأنه لم يعد تدخلاً يهدد لبنان وحسب، بل أصبح يستخدم لبنان قاعدة لتهديد واستهداف بقية دول الشرق الأوسط.. وهو أمر لم يعد من قبيل الافتراض والتكهن، بل هو حقيقة تؤكدها كل التدخلات الدولية بأبعادها المعلنة وغير المعلنة.
• نموذج التدخل الدولي وخصوصية الحالة اللبنانية:
يعتبر التدخل الدولي من الظواهر السلوكية في النظام الدولي القديم والجديد، ولكن، وعلى خلفية المعطيات المرتبطة بخصوصية لبنان، أصبح نموذج التدخل الدولي في الحالة اللبنانية يشكل ظاهرة سلوكية مركبة مزدوجة، تتضمن جانباً هيكلياً، وجانباً وظيفياً.
- الجانب الهيكلي: الموقع الجغرافي للبنان، وطبيعة الصراع في المنطقة، وعدم قدرة النخب اللبنانية على إدارة شؤون الدولة، بما يحقق بناء عناصر قوة الدولة المعروفة (القوة الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والعسكرية، والتكنولوجية) جعلت من لبنان دولة تتميز بالهشاشة في منطقة يسودها الاضطراب وصراع القوة، وعلى خلفية التنافس السياسي القائم على المحاصصة الطائفية بين النخب السياسية اللبنانية المنقسمة على أساس الخطوط الطائفية، برزت ظاهرة الاستقواء بالخارج، وأصبح الكل يتجول بين العواصم طالباً الدعم والمساندة، وغير متورع عن تقديم التنازلات والمزايا تلبية للشروط الأجنبية، حتى لو كان ذلك حسماً من سيادة واستقلال لبنان، وبالمقابل وجد الساسة اللبنانيون في كل المراحل من يتبرع لدعمهم، ففرنسا تدعم جانباً، وأمريكا تدعم جانباً وإسرائيل تدعم (زبائنها) الذين ظلوا يقدمون لها خدمات (الخمس نجوم) في الساحة السياسية اللبنانية والإقليمية.
- الجانب الوظيفي: بسبب الاعتماد على الخارج أصبح الأداء المؤسساتي السياسي يعتمد على (التفاهمات) مع الخارج.. وبرغم مساعدات الأشقاء العرب للبنان والنخب السياسية اللبنانية، على الاستقلال والاعتماد على الذات، فإن كل ذلك لم يجد نفعاً، وذهبت كل جهود سورية في مساعدة لبنان على بناء جيشه الوطني القوي، وأمنه الوطني القوي، واقتصاده القادر على تحقيق الاكتفاء الذاتي، بما يكفي ويغني لبنان عن شرور اللجوء إلى الخارج.. فإن النخب السياسية اللبنانية، مازالت تصر على عدم القيام بـ(تفاهماتها) الداخلية إلا بعد أن يجري كل طرف (تفاهماته) الخارجية.. وهكذا أصبح المتحاورون في الحوار والتفاهم الوطني اللبناني يخوضون حواراً (وطنياً بالوكالة عن باريس، ولندن، وواشنطن... وتل أبيب)!!! الأمر الذي أدى إلى جعل التسوية السياسية اللبنانية ليست لبنانية، وإنما تسوية سياسية بين الأجندة التي تضعها هذه العواصم للساسة للبنانيين!!
• أزمة أطراف التدخل.. وأزمة الوكلاء والزبائن:
اطراف التدخل أصبحت معروفة، وهي تتمثل في محور تل أبيب- واشنطن، والذي انضمت إليه فرنسا بعد تولي نيكولاس ساركوزي لرئاسة الجمهورية ودخوله قصر الاليزيه.
- أزمة أطراف التدخل: المطامع الإسرائيلية، وسيطرة اللوبي الإسرائيلي على دوائر صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، إضافة إلى أزمة الوجود العسكري الأمريكي في العراق، دفعت محور تل أبيب- واشنطن إلى محاولة توظيف واستغلال (الفرصة) التي تتيحها له البيئة السياسية اللبنانية التي ظلت في حالة (انكشاف) دائم إزاء التدخلات ولمن يريد التدخل.. وذلك على النحو الذي يتم فيه استخدام لبنان كآلية ضغط على القوام العربي وإفقاده تماسكه في معركة ردع إسرائيل واسترداد الحقوق العربية العادلة، ومعركة استقلال العراق من الاحتلال العسكري الأمريكي. وهاتان المعركتان تمثلان أزمة أطراف التدخل. أما فرنسا، التي انضمت والتحقت مؤخراً بهذا المحور، فقد ظلت تعاني كثيراً من أزمة عدم قدرتها على استعادة النفوذ الفرنسي في المنطقة، ومن ثم لجأت إلى إدماج أزمتها مع أزمتي محور تل أبيب- واشنطن، على النحو الذي يتيح لباريس التحرك في المنطقة كلاعب ثانوي على هامش محور تل أبيب- واشنطن. أما بالنسبة لأزمة الساسة اللبنانيين (الوكلاء والزبائن)، فإن الأمر أكثر تعقيداً، وذلك بسبب جذوره التاريخية التي تمتد إلى أيام الاستعمار الفرنسي، وما يعرف بسياسة (الاستيعاب) والاحتواء الفرنسي، التي كانت تطبقها السلطات الفرنسية في مستعمراتها، ضمن ما عرف بمخطط (المسألة الاستعمارية)، ففي الجزائر تمثلت المسألة الاستعمارية في المشكلة الأمازيغية، وفي السنغال أخذت المسألة الاستعمارية طابعاً نوعياً مختلفاً، فقد استطاعت السلطات الفرنسية تبني إحدى القبائل الافريقية واستطاعت على مدى 400 عام تلقينها الثقافة واللغة الفرنسية، والكاثوليكية الفرنسية، على النحو الذي أدى إلى تغريب هذه المجموعة بالكامل عن تاريخها الافريقي البحت، وأصبح رجال هذه القبيلة بفضل إتقانهم للغة الفرنسية ونسيانهم للهجاتهم المحلية، يعتقدون أنهم فرنسيين سود، وأن أجدادهم ينحدرون من أصل فرنسي، وأنهم جاؤوا من منطقة النورماندي الفرنسية قبل مئات السنين، واستقروا في السنغال.. وزاد إيمانهم بهذه الفكرة قيام السلطات الفرنسية بمنحهم بعض المقاعد في الجمعية الوطنية الفرنسية، طالما أنهم يمثلون جزءاً من الأمة الفرنسية، التي تحدث عنها دهاقنة الامبراطورية الاستعمارية السابقة!!!
وفي الحالة اللبنانية، فقد نجح تطبيق النموذجين معاً، النموذج الأمازيغي، والنموذج السنغالي.. وبالنسبة للنموذج الأمازيغي، استطاعت فرنسا أن تحقق في لبنان ما لم تستطع تحقيقه في الجزائر، بحيث استطاعت فصل لبنان عن سورية باعتبار أن في لبنان شعباً يتميز عن الشعب السوري، برغم أن كل اللبنانيين ينحدرون من أجداد سوريين، وبرغم أن أشهر بطاركة لبنان كان (حلبياً) قدم إلى جبال لبنان من محافظة حلب السورية.
ترتب على ذلك خلال فترة ما بعد انفصال لبنان، أو بالأحرى فصل الفرنسيين للبنان عن سورية، واستقلال لبنان، ارتباط المؤسسات السياسية اللبنانية بفرنسا، على  النحو الذي جعل فرنسا الديغولية في حالة تدخل دائم في لبنان، وبموافقة ومباركة من يعتقدون بأنهم فرنسيين وبأن أجدادهم لم يكونوا سوريين، وإنما جاؤوا من فرنسا، وإن كان ليس بالضرورة أن يكونوا قد جاؤوا من النورماندي حصراً!!
عملت النخب اللبنانية على تحييد (الجيش الوطني اللبناني) في الصراع العربي- الإسرائيلي، وبرغم ذلك لم تبخل الدول العربية على الدولة اللبنانية بشيء، بل تم اعتبار لبنان من دول المواجهة، (مثله مثل سورية!!).. وعندما دخلت القوات الإسرائيلية واقتحمت جنوب لبنان، وشردت سكانه واحتلت أراضيه، وجدت إسرائيل من بين صفوف هذا الجيش الضابط انطوان لحد الذي قدم خدماته الجليلة للعدوان الإسرائيلية على بلده وأهله.
طويلة هي القصة، وشيقة هي خبرة معطياتها الدراماتيكية، وحالياً أصبح الوكلاء المحليون كلما تقدم التدخل الدولية خطوة، طالبوا بجرأة بالمزيد من التدخل الدولي، الذي طالما برع الساسة اللبنانيون في توظيفه لحل صراعاتهم وخلافاتهم، على النحو الذي جعل من أزمة الصراع السياسي الداخلي اللبناني محفزاً للقيام باستدعاء عواصم تل أبيب- واشنطن- باريس، طلباً للمساعدة والنجدة، وبالمقابل طلبت منهم هذه العواصم، القيام بتنفيذ ما ظلت إسرائيل تخجل من القيام به.
• آليات التدخل الدولي في لبنان:
أصبح نموذج التدخل الدولي في لبنان حالة نموذجية، تستحق الدراسة والتحليل، وباختصار يمكن القول بأن التدخل الدولي في لبنان يعتمد على الوسائل الآتية:
- الوسائل النظامية: وتتمثل في الأدوات المؤسساتية والتي تتكون من نوعين:
* المؤسسات الدولية: مثل الأمم المتحدة، والاتحاد ا لأوروبي، ويبدو تأثيرها واضحاً من خلال قرارات مجلس الأمن الدولي التي يستهدف ظاهرها لبنان، وباطنها من هم لبنانين ومن هم غير لبنانيين.. وتدخل في ذلك أيضاً الدول الكبرى باعتبارها مؤسسات سياسية تسعى لتحقيق مشروعها في البيئة الدولية عن طريق استغلال وتوظيف الكيانات الدولية الأخرى.
* المؤسسات اللبنانية: وتتمثل حالياً في مجلس الوزراء اللبنانية كمؤسسة سياسية لبنانية حكومية رسمية، وفي قوى 14 آذار كمؤسسة سياسية لبنانية خاصة.
- الوسائل البينية: وتتمثل في المعاملات البينية التي تقوم على اعتماد العلاقات البينية التي يقوم فيها محور تل أبيب- واشنطن باستخدام سياسة العصا والجزرة مع الوكلاء والزبائن اللبنانيين، بحيث تكون الجزرة حافزاً لمن قدم الخدمات لكي يقوم بتقديم الأفضل، والعصا لمن يتقاعس عن تقديم هذه الخدمات، ونستثني من هذه السياسة حزب الله وحركة أمل والمقاومة الوطنية اللبنانية التي ظلت جميعها خارج دائرة سياسة العصا والجزرة، وملتزمة بموقفها الثابت إزاء استقلالية لبنان وحقه المشروع في مقاومة العدوان ورفض أن يكون لبنان (ممراً) لاستهداف المنطقة.د
الوسائل البينية تتضمن كماً هائلاً من المعاملات، التي يمتد طيفها من مؤتمرات باريس للمانحين، وحتى منتدى ديفيد وولش.
وعموماً، سوف يستمر التدخل الدولي في لبنان، والذي تجاوز (مرحلة التدخل)، منتقلاً إلى المرحلة التي تليها، وهي (مرحلة التغلغل) الدولي، وحالياً فإن ظاهرة التغلغل الدولي في المؤسسات الحكومية اللبنانية أصبحت حقيقة قائمة تؤكدها معطيات التحليل السياسي العلمي لما يجري ويدور في كواليس وسراديب مجلس الوزراء اللبناني، فما يقوله اللوبي الإسرائيلي اليوم تطالب به غداً الحكومة الأمريكية، وبعد الغد تقوم بتنفيذه حكومة السنيورة، وإلا.. فالعصا لمن عصا.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...