لا تجاوز لإرادة روسيا في سوريا: رضوخ إسرائيلي؟

26-09-2018

لا تجاوز لإرادة روسيا في سوريا: رضوخ إسرائيلي؟

في المشهد الإسرائيلي وردود الفعل على القرارات والإجراءات الروسية، تخبّط وتناقض في الرؤية والتفسيرات، وكذلك تضاد في تقديرات متقابلة. جهد حثيث لمنع الإضرار بصورة اقتدار إسرائيل لدى أعدائها جراء الإجراءات الروسية، مقابل إبراز الشكاية والتوسل ضد تهديد لا قدرة على مواجهته. جملة تناقضات دالة على التخبط في زمن يؤشر إلى تغيير المعادلات، وكف اليد ومنع الخيارات التي كانت حتى الأمس متاحة.

يمكن تفسير التناقض في التصريحات والمواقف الصادرة من تل أبيب، ربطاً بوجهتها ومقاصدها: بين التظلم لدى الروسي واستجداء تغيير موقفه، وبين العمل على منع الأعداء من البناء على الموقف الروسي وإجراءاته الجديدة. في ذلك، برز موقف رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، الذي أشار إلى أن تزويد أطراف غير مسؤولة بأنظمة أسلحة متطورة، تزيد من الأخطار في المنطقة. وهو تأكيد على المنسوب المرتفع لتهديد المنظومات الروسية المنوي تزويد سوريا بها فيما يؤكد الجيش الإسرائيلي عبر تعليقات المراسلين العسكريين الموجهة من قبله، أن إسرائيل قادرة على التعامل مع هذه المنظومات وغيرها، في عناد ومكابرة، تجلت أكثر في تصريح وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، الذي شدد على أن إسرائيل قادرة على ضرب «أس 300 بل وأيضاً أس 700 إن كان موجوداً».

أحد أهم العوامل التي أدت إلى الفشل الحالي الإسرائيلي أنّ سياسة تل أبيب لم تكن مبنية على القدرة وحسب، بل تستخدم الآخرين و«تسامحهم» لتحقيق مصالحها. في ذلك، يعدّ الجانب الروسي وتغاضيه ركناً أول في قدرة إسرائيل في السنوات الماضية على شن هجمات في سوريا. لكن ما إن تغيّرت دوافع روسيا ومصالحها، لأسباب غير محصورة بسوريا وكذلك في علاقاتها الطيبة مع إسرائيل، حتى بادرت إلى كف اليد بما لا يمكن إسرائيل من تحقيق نتائج خياراتها العسكرية، وإن لم تكن نظرياً منتفية بالمطلق.

وبعيداً من الندب وجلد الذات، كما يرد في الإعلام العبري وتعليقاته، إلا أن التغيير في المعادلات لا يعني زوال تهديد إسرائيل. في ذلك يجب الابتعاد عن المبالغة من دون الوقوع في محظور مقابل، في التخفيف من وطأة المستجد على القدرة الإسرائيلية وتقليص خياراتها العملانية في وجه أعدائها. بين هذا وذاك، يجب أن يقدّر الفعل المقابل الذي يمكن أن تقدم عليه إسرائيل، ويبنى عليه.

الموقف الإسرائيلي كما تبدى في الأمس، وتعزز تقديره في أعقاب انعقاد المجلس الوزاري المصغر لبحث الأزمة مع روسيا، تحدد في لا تصعيد مقابل التصعيد الروسي، مهما بلغت مستويات الإجراءات الحمائية الروسية في سوريا. كلام رئيس حكومة العدو من على سلّم الطائرة التي أقلته إلى نيويورك، كان لافتاً ومعبّراً عن الموقف العلني في اتجاهين: لا تصعيد مع روسيا وتأكيد على صداقتها والتنسيق معها مع التشديد على «الخطوط الحمر» ضد التموضع الإيراني في سوريا. الواضح أن جلسة «الوزاري المصغر» خلصت إلى «لا ضرورة» الاشتباك العلني مع روسيا، مهما كانت إجراءاتهم الحمائية في سوريا وتأثيراتها السلبية. وهو ما يفسر القرار المسرّب عن منع الوزراء من الإدلاء بتصريحات حول التوتر مع موسكو. 

على ذلك أيضاً، صدر عن «المجلس المصغر» بيان استثنائي من شأنه اختصار الموقف العلني، القاضي بضرورة التشديد على «الخطوط الحمر» وعلى بقائها، في موازاة التشديد على «صداقة» روسيا والتنسيق الأمني معها، مع التأكيد اللافت أكثر، أن إسرائيل لن تقدم على ما ترفضه روسيا أو تقفز من فوق إجراءاتها.

في البيان، أيضاً، إشارة واضحة جداً إلى أن إسرائيل لن تقدم على شن هجمات في سوريا من دون رضا روسي، وهي دالة على تقييد ذاتي ورضوخ يقدر أن يستمر إلى أن تتضح نتيجة السجال والمكابشة الحالية، والتوجه الروسي الأخير وقراراته في سوريا.
التطلع إلى واشنطن

من المقرر أن يلتقي نتنياهو في اليومين المقبلين، الرئيس دونالد ترامب، على هامش مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. لقاء من شأنه كذلك أن يفسر إرادة «التهدئة» الإسرائيلية و«الوداعة» في مواجهة التصعيد الروسي. الواضح أن تل أبيب تستمهل قرارها النهائي في مواجهة موسكو، شكلاً ومضموناً، إلى أن يتضح لها احتمال إشراك أميركا في المواجهة إلى جانبها.في ذلك، تدرك تل أبيب أن قراراً أميركياً يقضي برفض الاحتكاك العسكري، ليس ضد روسيا وحسب، بل أيضاً ضد سوريا والوجود الإيراني فيها، لاعتبارات تتجاوز الساحة السورية ومركباتها وتهديداتها.

المواقف الأخيرة لمستشار الأمن القومي، جون بولتون، معبّرة عن موقف «النأي بالنفس» في المضمون تجاه الكباش بين إسرائيل وروسيا، وإن جاء في الشكل عدائياً في وجه إيران والساحة السورية عموماً. بولتون، وهو المعروف بعدائه الأيديولوجي للإيرانيين، أكد أن الولايات المتحدة باقية في سوريا ما لم يخرج الإيرانيون منها. عبارة دالة على أن المواجهة العسكرية غير واردة بل لا تهديد باستخدامها، على رغم عدم التسليم بالوجود الإيراني الحليف للدولة السورية. موقف لا يتساوق أبداً مع المصالح الإسرائيلية، ويدفعها أكثر لـ«الوداعة» في وجه روسيا.

مع ذلك، وتجاه رئيس كترامب، يفترض بإسرائيل التروي إلى حين لقائه. على ذلك، اللقاء المرتقب يعد من ناحية نتنياهو مفصلياً في إمكانات استمرار المواجهة مع الإيرانيين، واستبيان فعلي لإمكانات صد ومعاندة التوجهات والإجراءات الروسية في سوريا. وهو ما استتبع من نتنياهو والمجلس الوزاري المصغر، قراره بمنع التصعيد الكلامي والامتناع عن تجاوز الإجراءات الروسية إلى أن يتضح القرار الأميركي النهائي، وإن كان التقدير الأولي حوله، أنه ثابت بلا تغيير للمديات المنظورة.

 

 


الأخبار - يحيى دبوق

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...